ما كل هذه المهانة والانتهاك السافر لحرمة مصر، والتعدى المتكرر على حقها فى إدارة شؤونها الداخلية فى لحظات حرجة يمر بها الوطن! التفاصيل كلها مصرية صميمة، لا يعلمها جيدا ولا يعيشها لحظة بلحظة إلّا المصريون.. فالثورة المصرية لم تقُم بوازع خارجى مدفوع الأجر ملوث بإملاءات خارجية مشبوهة كما يحدث فى بلدان عديدة.. فنحن مَن ثُرنا على حكم مبارك وخلعناه.. ونحن أيضًا من انطسّ فى نظره واختار المرسى فى محكّ صعب انزلقنا فيه جميعًا فى الخيّة، وأمام حتمية الاختيار الصعب لمن هو أقلّ سوءًا من بين مرشحين فرز رابع فى غاية السوء! ونحن أيضًا مَن عانينا سوء اختيارنا، وعرفنا وتأكّدنا أننا شربنا المقلب ولبسنا الخازوق المغرّى باختيارنا رئيسًا إخوانيًّا لا يصلح مطلقًا لإدارة مدرسة ابتدائية محدودة فى حوارى مصر... ونحن أيضًا من ثار وانتفض ضده لإنقاذ الوطن من حكم هذا المعتوه وجماعته الإرهابية فاقدة الحس الوطنى، مجرّدة الانتماء لأى معنى يقدسه هذا الوطن.. فنزلنا إلى الشوارع بعد جمع توقيعات استمارات «تمرّد» التى أعدها مجموعة من شباب هذا الوطن ليثبتوا أن الأمل ما زال قائمًا فى الأجيال المتلاحقة التى أرضعتها مصر من ثدى عفىّ، طاهر، نظيف، على عكس ما رضع منه الإخوان ورئيس حكومتهم هشام قنديل أم هاشم.. صاحب نظرية الأثداء الملوثة! نحن فى غنى عن أى أيدٍ مرتعشة تقودنا فى هذه المرحلة الحرجة شديدة الخطورة.. فالمشكلة بدأت مبكرة جدًّا.. فلماذا لا نسأل أنفسنا متى وكيف رسّخ هذا الاعتصام قواعده فى منطقة رابعة العدوية، ثم وجد الغنيمة فى غاية السهولة فتسرّب إلى محيط جامعة القاهرة فى اعتصام النهضة الذى بدأه بغزوة بين السرايات الفادحة الخسائر على أيدى مدجَّجين بالأسحلة الفتّاكة ليستقروا بعدها كقنبلة موقوتة نحاول الآن مرتبكين فضَّها أو إبطال مفعولها.. أين الحسم المفقود لحظة احتياجنا إلى قرارات شديدة الحسم! رئيس يُعزَل بإرادة شعبية أشبه بطوفان شديد الجرأة والحسم.. ولا يوازى ذلك آلة تنفيذية كان أجدر بها أن تفضّ هذه الاعتصامات فى مهدها.. أو على الأقل محاصرتها أولًا بأول لتجريدها من أى سلاح أو من أى تَعَدٍّ على الطرق العامة والحيوية لحماية السكان وعدم إعاقة حركتهم اليومية! لماذا لم نلحظ وجود سيارات البث المباشر المسروقة من التليفزيون المصرى رغم أن السيارة الواحدة (ماشاء الله) تسدّ عين الشمس؟! وهل بعد إزالة الرئيس المعزول تستعصى علينا إزالة مخلفاته من البلطجية المخربين الذين أصبحوا الآن فى مرتع يعذبون فيه البشر بأبشع الوسائل، ويقتلون ويلقون بضحاياهم على بعد أمتار من مركز الاعتصام رايح جاى وعلى عينك يا تاجر يا خايب؟! فى الوقت الذى ننشغل فيه نحن بالدفاع عن أنفسنا كأننا نحن المجرمون.. ننتحب ونتشنّج فى إثبات أننا ثورة لا انقلاب.. وتارة أخرى نقسم بالنعمة الشريفة على أن المعتصمون برابعة ليسوا سلميين وأن لديهم أسلحة سجلتها مئات الكاميرات البدائية على أيدٍ تستحق أن نقبّلها ونكرّمها لأمانتها وشجاعتها إذ سجّلت ما لم تستطِع أجهزة الدولة أن تسجله! كيف لنا أن نقبل أن يتعامل العالم معنا على أننا فى مشكلة لها طرفان متساويان مختلفان حول المعتوه «مرسى»؟! وإذا كان العالم لا يريد أن يرى الحقيقة، ما يروح فى ستين داهية، وإن شالله ما شاف من أساسه! فهم لا يقبلون فى بلادهم بواحد على مليون من الأزمة التى نمرّ بها.. والمضحك أننا نعرض بين الحين والآخر أفلامًا لفض الاعتصامات فى لندن وأمريكا وتركيا وجنوب إفريقيا... نعرضها على الشعب المصرى المقتنع تمامًا بضرورة فضّ الاعتصام أسوة بما يتم فى العالم.. وكان من المفترض أن نجمع كل هذه الأفلام فى حزمة واحدة يتسلمها سفراؤنا والمستشارون الثقافيون وهيئة الاستعلامات لإعادة تسويقها مدعمة بنشرة عن الوضع الإرهابى المخيف الحادث فى قلب العاصمة المصرية، وليتم إحراج هؤلاء الذين يَعِظُوننا بالطبطبة على الغيلان المتوحشة من أَكَلة لحوم البشر!
واللى زاد وغطّى تلك الماسورة التى انفتحت على مصر من زيارات التفتيش المهين لسيادتنا.. فتأتى آشتون وفى ذيلها يأتى وفد إفريقى يليه وزير خارجية ألمانيا.. كلهم يفتشون على إرادة هذا الشعب الطيب.. والأغرب أنهم جميعا يطلبون زيارة مرسى.. والأكثر غرابة أننا نستجيب كأننا نؤكد أن على رأسنا بطحة... الأمر الذى جعل إدارة جبلاية القرود فى حديقة الحيوان بالجيزة تطمع هى الأخرى بعد أن بدأت تشعر بالقلق والحيرة على مستقبل جيرانها من المعتصمين بميدان النهضة المجاور لها.. فأرسلت فى طلب تصريح بالزيارة للتفتيش على أماكن الاعتصامات.. وبالمرّة بالمرور على مرسى... وكانوا فى حالة من الغضب الشديد الذى أدى إلى ارتفاع ضغط الدم.. وقد أثّر ذلك بشكل شديد الوضوح على مؤخرات القرود التى زادت احمرارًا.. اعتراضا على الثورة التى أطاحت بالإخوان...
خلاصة القول.. أنه قد آن الأوان لنرفع من الآن شعارًا واحدًا بكل إصرار واعتزاز وشموخ، وهو أن مصر للمصريين.. لا يجوز لكل من هبّ ودبّ أن يرعشنا ويمدّ بوزه فى أمورنا المصيرية... والمرتعشون بيننا يختشون ويمتنعون.. ويفسحون لحظات الحسم لمن هم أجدر بها!