على غرار جثث القتلى والمعذبين التى عُثر عليها بالقرب من مقر اعتصام الإخوان بميدان مسجد رابعة العدوية، تكررت الظاهرة فى المقر الثانى لاعتصام الإخوان بميدان النهضة، عندما اتصل المعتصمون بمرفق الإسعاف، وطلبوا منهم القدوم إلى الميدان لنقل مصابين، وفور وصول سيارة الإسعاف إلى الميدان، اصطحبها مجموعة من المعتصمين إلى مكان داخل حديقة الأورمان، ونقلوا إليها شابين بين الحياة والموت مكبلين اليدين والقدمين، وعليهما آثار تعذيب وغائبين عن الوعى تمامًا، وكانت المفاجأة التى واجهت المسعف، عندما قال له أحدهم «خد دول كمان معاك»، مشيرا إلى جثتى شابين فى العقد الثالث من العمر، كانا قد فارقا الحياة، ما أثار فزع المسعف الذى سألهم مستنكرًا «عملتوا فيهم ليه كدا؟»، فردوا عليه «دول عملاء وخونة كانوا بيتجسسوا علينا»، وحملوا الجثث إلى سيارة الإسعاف قبل أن يبادر قائدها بالاتجاه إلى مستشفى أم المصريين القريبة من الميدان.
وعلى الفور تم تحرير محضر بالواقعة، وإخطار نيابة قسم الجيزة برئاسة حاتم فاضل باستقبال المستشفى قتيلين فارقا الحياة، وشابين آخرين فى حالة غيبوبة تامة بين الحياة والموت، وانتقل علام أسامة، وأحمد مصطفى وكيلا النيابة إلى المستشفى لمناظرة الجثتين، وتبين أنهما مصابان بكسور بارزة فى عظام الجسم، وكدمات وتجمعات دموية شديدة وسحجات، وقد تحول لون الجسم إلى اللونين الأزرق والأسود من بشاعة ما تعرضا لهما من تعذيب، وكثرة التجمعات الدموية، التى استحال معها رؤية ما بجسدى القتيلين من جروح قطعية، كما تجلطت دماء المجنى عليهما على جسدهما من الخارج وفى مواضع التهتكات وتكسير العظام، بينما كانت الدماء لا تزال تسيل من أنف وفم القتيلين خلال مناظرة النيابة للجثث، على الرغم من مرور عدة ساعات على الوفاة قبل بدء مناظرة النيابة داخل المستشفى.
وكان الضحيتان ترتديان كامل ملابسهما، رغم تمزيقها من جراء التعذيب، ولا يحملان أى أوراق أو مستندات تدل على هويتهما، وقد أمرت النيابة بانتداب رجال الطب الشرعى لإعداد تقرير بأسباب الوفاة، ووضع تصور كامل للحالة التى كان عليها الضحايا وقت ارتكاب الجريمة فى حقهما وكيفية قتلهما، والأدوات المستخدمة فى ذلك وعدد الأشخاص المحتمل مشاركتهم فى عملية القتل من واقع الإصابات التى بأجساد الضحايا، وباستعلام النيابة بإشراف المستشار ياسر التلاوى المحامى العام الأول نيابات جنوبالجيزة عن حالة المصابين اللذين تم نقلهما إلى المستشفى مع الجثث، تبين أنهما يعانيان من إصابات بكسور وكدمات بالغة وحروق من جراء عملية تعذيب وضرب مبرح، وأنهما فى حالة غيبوبة تامة بين الحياة والموت ولا يمكن استجوابهما، فطلبت النيابة إخطارها من قبل الأطباء فور ظهور بوادر تحسن بحالتهما الصحية، لسؤالهما عن ما بهما من تعذيب، وقتل الإثنين الآخرين.
وأصدرت النيابة عددة قرارات تتعلق باستكمال التحقيق، جاء فيها طلب تحريات إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن الجيزة، حول الواقعة لتحديد ملابساتها وظروفها وهوية الجناة، كما أمرت النيابة مع قرار التشريح بالتحفظ على عينة البصمة الوراثية للضحيتين dna، لاحتمال استخدامها فى تحديد هويتهما، مع نشر أوصاف الضحايا فى أقسام الشرطة ومضاهاتها بمحاضر المتغيبين والمفقودين، والتحرى للمساهمة فى سرعة تحديد هوية القتيلين والمصابين، كما قررت النيابة استدعاء المسعف وسائق السيارة، لسماع أقوالهما وشهادتهما عن الواقعة، وأوصاف وهوية أفراد جماعة الإخوان الذين التقيا بهم، ومكان احتجاز الضحايا الأربع داخل حديقة الأورمان، والأدوات التى كانت موجودة بالمكان، وأوصاف المتهمين المشاركين فى عملية احتجاز المجنى عليهما وتعذيبهما. ودلت التحريات المبدئية وأقوال المسعف فى محضر الشرطة، على أنه تم احتجاز المجنى عليهم الأربعة داخل مقر اعتصام الإخوان المسلمين بميدان نهضة مصر، وتم تعذيبهم وضربهم وتكسير عظامهم بطريقة بشعة، بعد تكبيلهم من اليدين والقدمين، بسبب مخاوف من أنهم غير منتمين إلى مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى، والظن بأنهم دخلوا ميدان النهضة بالجيزة من أجل التجسس على المعتصمين ونقل معلومات عنهم وعما إذا كانوا يحملون أسلحة أم لا وخططهم للفترة المقبلة.
الكشف عن وقائع الاحتجاز والقتل والتعذيب داخل ميدان النهضة، جاءت بعد تلقى مرفق الإسعاف بالجيزة، اتصالًا تلفونيًّا من معتصمى ميدان النهضة بوجود مصابين، فتوجه على الفور المسعفون إلى الميدان، والتقوا بطبيبين يناديان بعضهما بأسماء خالد وعمرو، وآخرين ملتحين وآخرين ملثمين واصطحبوهم إلى داخل حديقة الأورمان، حيث وجد المسعفون 4 أشخاص ملقين على الأرض، بينهم اثنان قد لفظا أنفاسهما الأخيرة، بينما الآخرون ما زالوا على قيد الحياة، لكنهما فى حالة غيبوبة.