اسمه دب «الكسلان»، وهو أبلد الحيوانات قاطبةً، ويسمى أيضًا بالداب، له «بوز» ذو أنف، كأنف الكلاب، ووجهه إجمالًا، يشبه وجوه سباع البحر، ويبلغ وزنه نحو مائة كيلوجرام، مخالبه طويلة حادة، وغذاؤه الرئيسي، براعم وأوراق الأشجار، وقد يأكل الحشرات والسحالي، والقوارض الصغيرة. لمدة نحو ساعة، تابعت فيلمًا وثائقيًا، يصور حياة ذاك الكائن، الذي يستوطن أمريكا الشمالية، ويبدد أكثر من ثلثي حياته نائمًا، متخذًا وضعية الخفافيش، رأسه للأسفل ورجلاه للأعلى، مُعلّقًا بفرع شجرة متين، يغط في سبات عميق، ولا ينزل من على الشجرة، إلا مرة أسبوعيًا لقضاء حاجته.
شعره أشعث قذر، تعيث فيه حشرات تمص الدم، ليس يزعجه وجودها، وتنمو وقتما ترتفع الرطوبة، في فروته بكتيريا ما، يلعقها فيقتات عليها، وهي تكسوه لونًا أخضر، ما يسهل عليه التخفي بين أوراق الشجر، والتماهي في بيئة الغابات.
تحمل أنثاه مرةً كل عام، وتلد حيوانًا واحدًا، لكن قد يحدث أن لا تجد الأنثى ذكرًا، بسبب كسلها في السعي إليه، ويبقى الوليد، لمدة نحو عام متعلقًا بأمه، ولربما يسقط إلى الأرض، فيموت ليس بفعل الارتطام، وإنما لأن الأم، تتقاعس عن النزول لنجدته، من فرط كسلها أيضًا!
قلما يظفر الصيادون به، لأن طبيعته الساكنة الخاملة، لا تلفت الأنظار إليه، وإذا حدث أن أُصيب بطلق ناري، يتشبث بغصنه، فيبقى الحيوان النافق، فوق شجرته، حتى يتعفن ثم يتحلل، أو تأكله النسور والصقور، أو القطط البرية، وما على شاكلتها.
لزج متردد، يستغرق في النزول والصعود، وقتًا يكفي للوصول إلى القمر، بواسطة «توك توك»، يتخذ القرار ثم يتراجع عنه، حركته ذات إيقاع ثابت رتيب، يشبك مخلبه الأمامي الأيمن، في سيقان الشجر، ثم يتراجع قليلًا، فيشبك ذات المخلب ثانيةً، ومن ثم يستوثق من أن مخلبه، قد تشابك مع الحراشف، وقشرة اللحاء كما ينبغي، ولا بأس من أن يستوثق مجددًا، وبعد برهة ليست بالقصيرة، يلتقط خلالها أنفاسه، يكرر ذات الحركة، فيشبك مخلبه الأمامي الأيسر، ثم يجر رجليه وئيدًا، فيتحرك بضعة سنتميترات، لا أكثر.
في المشهد الأخير، من الفيلم، يلمح نمر رشيق شاب، «الكسلان» إذا يتسلق كعادته متثاقلًا، فتستيقظ كل حواسه، يلبي نداء غريزته، غريزة الافتراس، لكن البليد، لا يغير من إيقاعه المعتاد.
الصياد المحترف، يتحرك بثبات، متوجهًا إلى الشجرة، عيناه الحادتان تركزان على الهدف، واثق الخطوة يمشي ملكًا، أما «الكسلان» فمن جهته، يتسلق كعادته ببطء قاتل، خطواته تتثاءب، وحركاته تتلعثم تتنطع، فيما الهلاك به يحدق، ومنه يدنو.
النمر يصعد نشيطًا، وقد دنا من مؤخرة «الفريسة».. و«الكسلان» مايزال يمد يدا ثم يردها، حتى يصير فكا النمر، قاب قوسين أو أدنى منه، لكنه يبدو غير مكترث.. يتحرك كما بهلوان مبتدئ في سيرك، يمشي لأول مرة على الحبل.. وما هي إلا وثبة هينة، حتى نشبت الأنياب الحادة الماضية، في لحم مؤخرة الفريسة.
عكس المتوقع، وضد قوانين الطبيعة، لم يبدِ «البليد»، رد فعل مناسب.. كل ما بدر منه، أن اكتفى بأن يرمي نظرة شمعية، بلا روح، إلى قاتله، نظرة خالية من الخوف أو الغضب أو التحدي أو الألم أو الحزن أو اليأس أو حتى الاعتراض.. كان «متجردًا» من المشاعر، لا «يتمرد» حتى على موته.. وبعد النظرة الشمعية، عاد يتسلق، كأن شيئًا لم يكن، بنفس الإيقاع المضجر، غير أنه لم يستطع أن يتقدم قيد أنملة، إذ أصبحت ذرعاه عاجزتين على رفع وزنه، مضافًا إليه وزن النمر، الذي ضغط بأقصى ما يملك فكاه من قوة، فأصبح معلقًا بأسنانه، في المؤخرة الطرية، يتأرجح في الهواء.
وما هي إلا خمس دقائق، أو يزيد قليلًا، حتى كانت قوى «الكسلان» قد استنزفت، فتهاوى ساقطًا من على الشجرة، وتخضبت أنياب الصياد بدماء الفريسة، وهكذا جاءت النهاية منطقية، تتسق مع قوانين الصراع، أي صراع، بين اليقظة والحيوية والتوثب، والبلادة والكسل والتجرد من الأحاسيس