بينما كان المئات من عشاق الأوبرا ينتظرون بالمسرح الكبير، ليلة الثلاثاء الماضى، متلهفين على عرض «أوبرا عايدة»، بعد أن حجزوا أماكنهم من عدة أيام، إلا أنهم فوجئوا بإلغاء العرض، ووقوف أعضاء الفرق التى كان يجب أن تشارك فى العرض، وهى «أوركسترا أوبرا القاهرة، وأوركسترا فرقة كابلا» على خشبة المسرح بالمشاركة مع عدد كبير من الإداريين والفنانين بدار الأوبرا، يرفعون لافتات لرفض إقالة إيناس عبد الدايم رئيس هيئة دار الأوبرا، التى أنهى وزير الثقافة انتدابها صباح نفس اليوم، الأمر الذى أثار حفيظة العاملين بالأوبرا، نظرًا إلى أنها كانت ناجحة فى عملها ومحبوبة من الجميع، كما قالوا، خصوصًا أنها أُقيلت دون سبب واضح، وكان الوزير قد أصدر أمرًا بإقالتها بعد توليه الوزارة مباشرة، إلا أن العاملين بالأوبرا تظاهروا ضد القرار، فتراجع عنه.
وقد هتف الجمهور «الذى لم يغضب بسبب عدم العرض»، مع المحتجين، ضد أخونة وزارة الثقافة وأخونة الدولة، مطالبين بإقالة وزير الثقافة، ثم تلا المايسترو ناجى ناير قائد العرض، بيان العاملين بدار الأوبرا، وجاء فيه:
«تضامنًا مع د.إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا المصرية، ووقوفًا ضد الخطة الممنهجة لوزير الثقافة، قرّرنا نحن فنانى دار الأوبرا الامتناع عن تقديم عرضنا هذه الليلة من (أوبرا عايدة)، كبداية لإسدال الستار على جميع عروض وأنشطة دار الأوبرا المصرية، حتى تتم إقالة الدكتور علاء عبد العزيز الذى قام منذ اليوم الأول لتوليه الوزارة بإصدار قرارات عشوائية وإقالات لكفاءات الوزارة، تنفيذًا لتعليمات السلطة الحاكمة فى محاولة واضحة لتغيير هوية الثقافة المصرية».
وكان العاملون بدار الأوبرا قد نظّموا وقفة قبل موعد العرض، ضم كلًّا من المايسترو ناير ناجى، والمايسترو هشام جبر، ومغنى الأوبرا عبد الوهاب السيد، وعازفة الهارب د.منال محيى الدين، والفنان محسن فاروق، ومديرى الإدارات والمسؤولين الإداريين بدار الأوبرا، وتوصّلوا بأغلبية الأصوات إلى قرار بوقف نشاطات وعروض دار الأوبرا المصرية على جميع مسارحها، حتى حفلات الفرق الأجنبية، إلى حين إقالة وزير الثقافة.
وقد تضامن الموسيقار عمر خيرت مع العاملين بدرا الأوبرا، وقال خالد نعيم مدير مكتب عمر خيرت، إن خيرت قد أوقف حفلاته بدار الأوبرا المصرية، رفضًا لقرارات وزير الثقافة بإنهاء ندب الدكتورة إيناس عبد الدايم، من رئاسة دار الأوبرا.
وقال عمر خيرت إنه يتضامن مع زملائه وجميع الموسيقيين بدار الأوبرا، حتى يتراجع الوزير عن قراره، رافضًا تقديم الحفلتين المقرر إقامتهما خلال السادس والسابع من شهر يونيو المقبل.
وقال المايسترو هشام جبر إن جميع العاملين بدار الأوبرا، يرفضون قرار الوزير بإقالة عبد الدايم، وسيستمرون فى التصعيد حتى يتراجع عن هذا القرار الذى أصدره دون أى مبرر سوى الاستمرار فى القضاء على الثقافة، مشيرًا إلى أنه قد تم الاتفاق على عقد اجتماع عدد كبير من المثقفين، لوضع أجندة المؤتمر القادم يوم الخميس فى مقر المجلس الأعلى للثقافة.
يعتقد الدكتور حسن شرارة أن قرار الوزير بإقالة إيناس عبد الدايم، لا يخرج عن كونه تصفية للحسابات، مشيرًا إلى أن علاء عبد العزيز كانت له مشكلات كثيرة مع إدارة أكاديمية الفنون، وكانت إيناس عبد الدايم عميد معهد الكونسيرفتوار، كما كانت نائب رئيس الأكاديمية، لذلك فقد قرر تصفية حساباته القديمة بإقالتها، وهو ما فعله مع قيادات أخرى كثيرة دون أى مبرر، خصوصًا أن الدكتورة إيناس عبد الدايم برأى شرارة كانت تقوم بعملها على أكمل وجه، ولم تقصّر نهائيًّا، كما أن جميع العاملين والفنانين بالأوبرا يقدرونها، إلا أن علاء عبد العزيز لم يهتم بذلك، لأنه ليس مهتمًّا بالثقافة والارتقاء بها ولا بالأوبرا، ولا يوليها أى اهتمام،
ورغم أن جميع الدول المتحضرة فى العالم لديها دار للأوبرا تعرض الفنون الراقية والكلاسيكية، فإن النظام المصرى، كما يقول، لا يهتم بالفن والثقافة، والدليل برأيه تصريحات أحد أعضاء مجلس الشورى بأن فن الباليه حرام، وأنه يحرض على العرى والرذيلة، وهو كلام ضد المنطق والثقافة، وتساءل شرارة عن الأسباب التى جعلت الرئيس محمد مرسى ورئيس الوزراء هشام قنديل يختاران علاء عبد العزيز لوزارة الثقافة، رغم عدم أحقيته بها، فهو ما زال مدرسًا كما قال وليس له تاريخ أكاديمى أو إبداعى أو إدارى،
وهذا يعنى أن هذا النظام ليست لديه قاعدة بيانات كافية لاختيار الوزراء والقيادات فى الأماكن المناسبة، أو أنهم يقصدون القضاء على الثقافة والفنون، وهدم مؤسسات الدولة، ذلك أن الثقافة هى التى تشكّل حضارة الشعوب والقضاء عليها يعنى القضاء على هذه الشعوب، مشيرًا إلى أنهم فى الوقت الذى يحرمون فيه الباليه، وهو فن راقٍ، يسمحون بالرقص الشرقى فى كباريهات شارع الهرم، حيث منحوهم بالفعل تراخيص لمدة ثلاث سنوات، مشددًا على أن التحريم لا بد أن يكون بفتوى واضحة من مشيخة الأزهر لا بأهواء شخصية.
ورغم رفض شرارة للوزير الحالى ومطالبته بإقالته، فإنه يرفض وقف النشاطات فى دار الأوبرا، لأنه يرى أن ذلك هو هدف النظام الحالى، لذلك على العاملين بدار الأوبرا أن يعلنوا احتجاجهم ورفضهم بكل الأشكال، مع الاستمرار فى تقديم العروض والأنشطة المختلفة.
وأكدت الدكتورة إيمان مصطفى الأستاذة بمعهد الكونسيرفتوار، أنها لا تتضامن مع إيناس عبد الدايم لأنها أختها، لكنها تتخذ هذا الموقف، لأن إيناس عبد الدايم أثبتت نجاحًا طيلة توليها إدارة الأوبرا، كما أنها تتمتع بشعبية كبيرة، لأنها نجحت فى نشر روح الحب والإخلاص فى العمل، لذلك فإن قرار إقالتها ليس له مبرر، سوى أنه يأتى فى إطار خطة ممنهجة لأخونة الدولة والقضاء على الثقافة التى تشكّل خطرًا كبيرًا عليهم.
وقالت رحاب مطاوع، السوليست بفرقة عبد الحليم نويرة، إن قرار إقالة إيناس عبد الدايم أدهشها، ذلك أنها كانت تقوم بأداء عملها بشكل ممتاز، مشيرة إلى أن الأوبرا هى المكان الوحيد الذى كان يقوم بتقديم العروض والأنشطة الفنية والثقافية فى ظل الظروف الصعبة التى كانت تمر بها مصر فى الفترة الماضية، فكيف يكون تقدير ذلك بعزلها عن عملها، إلا إذا كان ذلك يتم ضمن خطة أخونة وزارة الثقافة، وتسييس الأوبرا، لتتماشى مع سياسات النظام الحالى، رحاب كانت تتمنى عدم توقف نشاطات الأوبرا، إلا أنها رضخت القرار الجماعى الذى اتخذه زملاؤها بوقف الأنشطة، اعتراضًا على إقالة عبد الدايم.