وكيل سابق بوزارة التأمينات: فلوس التأمينات 430 مليار جنيه منها 121 مليار جنيه لا أحد يعرف عنها شيئا بطرس غالي هذا سؤال منطقي جدا، صحيح.. أين تذهب فلوس المعاشات إذا كانت لا تعود إلي أصحابها؟ وماذا تفعل الحكومة بمليارات الجنيهات من أموال التأمينات التي يدفعها الموظفون شهريا من «لحمهم الحي»؟ الأصل في أموال المعاشات أنها اشتراكات يدفعها العاملون في مؤسسات الدولة - أو في غيرها من مؤسسات القطاع الخاص - من رواتبهم طوال سنوات عمرهم الوظيفي، لضمان معاش مناسب وحياة كريمة بعد التقاعد، أي أنها أموال مدخرة قدمها المواطنون للدولة لحمايتها لهم، لذا فمن المفترض ألا تذهب هذه الأموال وإن ذهبت فلابد أن تضمن الدولة الحفاظ عليها واستخدامها بشكل آمن.. لكن هل يحدث هذا فعلا؟ بحسب عبد الفتاح الجبالي - الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - في كتابه «الموازنة العامة والمواطن المصري» فإن الدولة قد قامت أوائل الخمسينيات باستخدام الفائض المتحقق من أموال التأمينات بعد سداد المعاشات والمستحقات للمواطنين، بإنشاء صندوق مستقل عن الخزانة العامة للدولة يتولي استثمار هذه الأموال وفقا «للقانون 419 لسنة 1955»، لأن هذه الأموال لها خصوصية يجب الحفاظ عليها، وعدم إهدارها، ثم صدر القرار الجمهوري رقم 273 لعام 1962والذي سمح لوزير الخزانة باستثمار هذه الأموال علي أن تؤدي وزارة المالية مقابلا بواقع 35% سنويا تتم إضافة 1% من قيمة الأموال المستثمرة سنويا كمساهمة من الحكومة في التأمين الاجتماعي للعمال. وبهذا ذهب فائض أموال التأمينات في البداية إلي صندوق مستقل يقوم بإقراض الدولة متمثلة في «وزارة المالية» قروضًا لاستثمارها ومن ثم تمول مشاريعها وبنيتها الأساسية ومرافقها، ثم إرجاع هذه الأموال بعائد للصندوق وتدور العجلة مرة أخري، وبذلك يكون المواطنون قد ساهموا بأموالهم لتمويل الدولة واحتياجاتها، وفي الوقت نفسه تم الحفاظ علي أموالهم، وحققت عائدًا يجعلهم يحصلون علي الزيادة السنوية للمعاش. وتوالت القوانين التي تطور من هذا الاستثمار الآمن وتنظم العمل بشكل أكبر كما ذكر الجبالي في كتابه، إلي أن صدر القانون رقم 119 لسنة 1980 بإنشاء بنك الاستثمار القومي وذهب إليه رصيد هذا الصندوق، وبدأ البنك نشاطه منذ هذا العام، حيث تمثل عمله في تمويل جميع المشروعات المدرجة في الخطة العامة للدولة، وذلك عن طريق المساهمة في رءوس أموال تلك المشروعات عن طريق مدها بالقروض وبهذا استخدم البنك أموال التأمينات في أغراض تنمية البلد، في مشروعات البنية الأساسية من طرق وكباري وصرف صحي واستصلاح الأراضي والإسكان الاقتصادي والمساهمة في العديد من الشركات الاستراتيجية المهمة، وتمويل الهيئات، والمشروعات الاقتصادية ومشروعات المناطق الصناعية دون أن تتأثر أموال التأمينات بل تم زيادتها لما يعاد إليها من عوائد القروض. وبحسب الكتاب نفسه فإن أموال التأمينات وغيرها من الأموال الادخارية كشهادات الاستثمار وتوفير البريد والودائع هي أكثر مناسبة والأفضل للاستثمار، لأنها مدخرات محلية طويلة الأجل وبالتالي هي الأنسب لتمويل الاستثمارات العامة للدولة وخاصة أن فوائدها أقل من فوائد الكثير من البنوك الأخري. دكتور محمد يوسف - مدير عام بنك الاستثمار القومي - يؤكد استمرار عمل البنك علي هذا النحو لمدة 25 عاما يستثمر فيها أموال التأمينات ويحافظ عليها منذ عام 1980 حتي عام 2005 وزادت أموال التأمينات، وزادت العوائد عليها، لتصبح الفائدة التي تدفعها وزارة المالية علي القروض التي تحصل عليها من أموال التأمينات المودعة لدي بنك الاستثمار القومي 8% والتي مازالت علي الرغم من زيادتها أقل من الفوائد البنكية والتي تبلغ تقريبًا حسب كلام دكتور يوسف 12%. إلي أن جاء عام 2005 وتم فصل أموال التأمينات الاجتماعية عن بنك الاستثمار القومي لتتبع وزارة المالية برئاسة دكتور يوسف بطرس غالي، يقول دكتور محمد يوسف إن أموال التأمينات حين خرجت من البنك كانت أقل قليلا من حجمها الآن والبالغ 377 مليار جنيه، وكان يتم إقراضها _بعد التأكد من وجود الاحتياطي للوفاء بالتزامات المعاش _إلي وزارة المالية وغيرها من الهيئات الاقتصادية وغيرها من الجهات المضمونة التي يتعامل معها البنك ويقرضها بانتظام، وعلي الرغم من ذلك كان البنك ينجح في تحصيل 70% فقط من الأموال لدي هذه الجهات بطريقة مباشرة، إلا أن 30% كان يتم تحصيلها بصعوبة بالغة وبعد محاولات عديدة وذلك علي الرغم من شروط هذا الاستثمار والذي يعد استثمارًا آمنا. وتم استثمار جزء من أموال التأمينات في البورصة وذلك بداية من عام 1998 عن طريقة شركة بليتون والتي قامت باستثمار 3 ملايين جنيه فقط في محفظة متنوعة بحيث إذا وقعت جهة أو أسهم معينة عوضتها الأسهم الأخري، ولم تتم زيادتها عن هذا الحد حتي خروج أموال التأمينات من بنك الاستثمار القومي عام 2005، حيث رفض الظافر البشري عندما كان نائب رئيس البنك بالاتفاق مع وزيرة التأمينات ميرفت التلاوي في عام 2002، زيادتها علي هذا الحد وذلك خوفًا علي أموال التأمينات من الضياع لأن البورصة غير مضمونة، خاصة أن التأمينات أموال تخرج معاشات للناس كل شهر علي ألا تحتمل الربح والخسارة. وعندما جاءت حكومة عاطف عبيد لم تقم بزيادة الأموال المطروحة في البورصة، لأنها كانت حكومة تسير أعمالاً فقط، إلي أن جاءت الرؤية الجديدة لأموال التأمينات بحكومة نظيف، والتي أبعدت أموال التأمينات عن البنك لتصبح في يد وزارة المالية برئاسة وزيرها يوسف بطرس غالي، وذلك حتي لاتظهر نسبة عجز الموازنة عن سداد الأموال المستحقة لأموال التأمينات بالإضافة إلي نسبة العجز الأخري للموازنة أو بمعني أدق حتي لا يظهر العجز برقم كبير، فلجأ يوسف بطرس غالي إلي طريقة جديدة في المعاملة، بسحب أموال التأمينات وضمها إلي الوزارة وذلك حتي لا تظهر نسبة العجز الكبيرة نظريًا ولكنها عمليا فهي كما هي وربما زادت. يقول مدير عام بنك الاستثمار القومي: إن الأموال التي كان يتم استثمارها في البورصة ظلت 3 ملايين جنيه حتي أخذتها شركة جديدة بحصول وزارة المالية علي هذه الأموال متحفظا علي ذكر اسم هذه الشركة مشيرًا إلي أنه لا يعلم إلي أين وصل حجم استثمار أموال التأمينات في البورصة الآن؟ كذلك لا يعرف _علي حد قوله _أين تذهب أموال التأمينات في الوقت الحالي؟ قائلا: عندما كانت أموال التأمينات تتبع البنك كان يتم استثمارها لتمويل مشروعات البنية الأساسية للبلد ولتمويل مشروعات اقتصادية تضر عائدًا، أما منذ عام 2005 فقد ذهبت التأمينات إلي وزارة المالية، ولكنه لا يعلم إلي أين، ولا في أي شيء يتم وضعها واستثمارها؟. هل يمكن أن يعرف المسئولون في وزارة المالية الإجابة المعضلة عن هذا السؤال «أين تذهب أموال المعاشات»؟، دكتور محمد معيط - مساعد وزير المالية للتأمينات الاجتماعية ورئيس صندوق التأمينات الحكومي - أكد أن أموال التأمينات حاليا تبلغ 377 مليار جنيه، 203 مليار جنيه منها في صورة صكوك وسندات حكومية، و35 مليارات جنيه في صورة استثمارات مباشرة في محفظة يتم استثمارها في الأسمدة في الغزل والنسيج في الأوراق المالية وفي الحديد والأسمنت والبتروكيماويات، في حين يبقي 139 مليار جنيه هي مديونية لدي بنك الاستثمار القومي والخزانة العامة. دكتور محمد معيط يوضح أن الاشتراكات التي يتم تحصيلها من العاملين في الدولة والذي يبلغ عددهم 17 مليون موظف مؤمن عليهم تبلغ 19 مليار جنيه سنويا، في حين تبلغ المعاشات والتي يتم صرفها شهريا ل 8 مليون صاحب معاش ومستحق عنهم، 41 مليار جنيه وعند سؤاله عن المعاشات التي تخرج بالتحديد قال: حجم المعاش المصروف لأصحاب المعاشات هو 34 مليار جنيه، في حين يذهب الباقي في صورة أجور للموظفين في التأمينات والذين يبلغ عددهم 37 ألف موظف، وسيارات، ومبان ومكاتب، وتحديثات الأجهزة. موضحًا أن هناك من 20 إلي 30 ملياراً تحولها الموازنة العامة كل عام للتأمينات الاجتماعية، 20 ملياراً منها عوائد الصكوك التي لديها، و10 مليارات جنيه دعم للتأمينات، بالإضافة إلي العوائد علي الاستثمارات المباشرة البالغة 35 مليار جنيه والتي تصل إلي 3.5 مليار جنيه سنويا. مؤكداً أن الأموال المحولة للتأمينات كل عام تبلغ 5 و33 مليار جنيه سنويا يضاف إليها المحصل من الاشتراكات والبالغ 19 مليار جنيه سنويا لتصبح بذلك 52.5 مليار جنيه. وإذا تم حساب خروج 34 مليار جنيه منها معاشات، أو حتي 40 مليار جنيه ولو تمت إضافة مصاريف التحديثات والرواتب والسيارات وإلي غير ذلك فإن المتبقي من أموال التأمينات هو 125 مليار جنيه، فأين تذهب؟، ولماذا يقال إن نظام التأمينات في مصر أصبح مهلهلا، وإن أموال التأمينات لا تكفي بالوفاء بحقوق أصحاب التأمينات؟ الدكتور محمد عطية سالم وكيل أول وزارة التأمينات الأسبق يقول أن أموال التأمينات أصبحت 430 مليار جنيه منها صكان بقيمة 198 مليار جنيه أصدرهما وزير المالية لصالح التأمينات إضافة إلي فوائدهما وهناك 34 ملياراً مازالت في بنك الاستثمار القومي ومن جملة ال 362 ملياراً يتبقي لنا جزء عبارة عن 121 مليار لا أحد يعرف مصيرهما ولا يتحدث عنهما أحد، أما عن استثمار هذه الأموال فيقول هناك اتفاقيات دولية ومبادئ لاستثمار أموال التأمينات وأهمها الحفاظ علي سلامة الأموال ثم البحث عن الربحية. والاستثمار مطلوب للمحافظة علي القيمة الحقيقية للأموال لأنها تتناقص بفعل الزمن والتضخم وارتفاع الأسعار لكنه يري أن استثمار الأموال قد يعرضها لمخاطر كثيرة لأن البورصة تتعامل مع مجالات متعددة وتزيد فيها معدلات الأخطار فهناك ارتباط في الاستثمار فكلما زاد معدل الخطر زاد العائد من الاستثمار فمن الخطأ البحث عن معدل عائد مرتفع دون البحث عن الأمان . أما الدكتور شكري عازر - منسق لجنة الدفاع عن أموال التأمينات والمعاشات - فيري أن الحكومة استولت علي أموال التأمينات بطريقة متخفية، حيث تقوم بإقراضها لرجال الأعمال منذ تبنت الدولة سياسة الانفتاح الاقتصادي والخصخصة تنفيذا لتعليمات البنك الدولي منذ حوالي ثلاثة عقود ويري عازر أنه يجب الضغط علي الحكومة للكشف عن مصير هذه الأموال.