وعينا على الدنيا ونحن نعرف اننا "لازم نسمع كلام ربنا" وإن "ربنا بيحبنا ولازم نعمل اللي بيحبه عشان ما يزعلش مننا"؛ ويندرج تحت هذا الكلام مجمل الآداب والمثل والقيم النبيلة التي تربينا عليها منذ نعومة الأظفار. وما أن وصلنا سن المدرسة حتى تعلمنا أن ديننا اسمه الإسلام، يدعو إلى التسامح والسلام، وأن "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده" و "ليس المسلم بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء" و"أحب لأخيك ما تحبه لنفسك" و"لا يحق لأحدكم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، و"لا يسخر قوم من قوم" وغيرها... وفي المدرسة تعلمنا أن لنا اخوة يعبدون الله الواحد أيضا ولكن بطريقتهم ويذهبون إلى الكنيسة لعبادة هذا الإله الذي نذهب نحن إلى المسجد لعبادته، رغم خلافات في تصور كل منا لهذا الإله، لكننا نتفق في طاعة أوامر وتجنب نواه مشتركة. حيث يأمر الأله الواحد كلينا، بالصدق والأمانة، ومحبة الآخرين،
ومد يد العون للمحتاج، و مساعدة الضعيف، وإماطة الأذى عن الطريق... كما ينهانا عن الكذب، واستحلال ماليس لنا، وبخس الناس حقوقهم، والغيبة والنميمة... إلى آخر الأوامر والنواهي التي عشنا في ظلها متفاهمين ومتحابين.. ولم يكن السؤال عن الديانة أمرآ مألوفًا بين الأصدقاء، ولا يظهرالاختلاف إلا وقت أداء العبادات.
بل أن هذا الاختلاف كان يضفي على العلاقة ثراء ومتعة! ولن استفيض فيما قيل كثيرا عن المشاركة في المناسبات والأعياد والأفراح والمواساة في النوائب. كنا نعرف أننا نصوم رمضان الذي يأتي بعده العيد، وهم يصومون أيضا ولكن صياما مختلفًا ينتهي بالعيد كذلك، وتتطابق مظاهر الاحتفال به مع ما نمارسه في عيدنا! ونتشارك سويًا في الاحتفال بشم النسيم الذي يجمعنا سويا لنحيي تقاليد الأجداد، التي تميزنا معًا، ولا يشاركنا فيها سوانا من خارج الوطن!
كانت الحياة سلسة ، ولم نكن نعلم أنه سيأتي اليوم الذي يصبح فيه السؤال عن الديانة سابقًا للتعارف، وربما ينبني على الإجابة تحديد استمرار العلاقة من عدمه! وعشنا سنوات، نخرج من فتنة طائفية لأخرى، فقدنا فيها غدرًا أرواحًا مصرية بريئة ، وتلوثت أرواح أحياء بالكراهية، والتربص بأشقاء الروح والوجع والأمل: أشقاء الوطن! وبحت أصوات العقلاء تحذر أن الفتنة يصنعها من لا يريدون الخير للوطن،
و يحرصون على مسخ أرقى ما يميزنا عن الآخرين؛ الذين صارت ثرواتهم تشتري كل شيء، لكنها تقف عاجزة أمام شراء تاريخنا وثقافتنا؛ فقرروا التآمر للقضاء عليهما. ووجدوا للأسف عملاء بيننا يساعدونهم في مخططهم: وسائل اعلام، ومناهج تعليمية، ونوافذ ثقافية، ومؤسسات دينية؛ باع نفر من العاملين فيها أنفسهم للشيطان، وانقلبوا على عقل الأمة يمسخونه ويلوثونه.
وكلما حاولنا أن نفيق من هذه الغمة، أنفق الطامعون أموالهم على المغرضين، ليواصلوا مساعيهم لتمزيق نسيج الوطن؛ في إطار سياسة الإلهاء، التي أسميتها في مقالات سابقة "سياسة بص شوف العصفورة!"لإلهاء أهل البيت الواحد في عراك، ينتهزه آخرون لتمرير سياسات بيع الوطن ونهبه! وقبل أكثر من عشر سنوات، سمعت في بعض بلدان الخليج، عبارة "إن الشيعة أخطر على العرب من إسرائيل"!، وشاهدت مظاهر تناحر طائفي بين أبناء الدين الواحد! وكنت مطمئنة إلى صعوبة ألا تنتقل إلينا العدوى لأكثر من سبب: فالمصريون المسلمون يعشقون أهل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تندلع بينهم أبدا مشكلات لهذا السبب، كما أن انتشار المذهب الصوفي الذي خرج أساسًا من مصر، يضمن السلامة والأمان لقبورهم ومزاراتهم؛ ويؤمن المصريون أن مصر "محروسة" ببركتهم! ولم نسمع عن احتراب بين المسلمين وبعضهم بسبب اختلافات مذهبية! كما أن الشيعة في مصر قليلو العدد، ولم يحدث أن كانوا مصدرا للمشكلات! ولكن بعد سنوات، بدأ من تلقوا التعاليم والأموال من قوى كارهة لثقافة المصريين، يفرضون أنفسهم على بيوت الله، وينشرون دينًا جديدًا لم نسمع عنه من قبل. وانتشر فحيحهم بين البسطاء،
يشيعون الفتنة؛ بعدما كان العلامة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق حسم الأمر، وأفتى بجواز التعبد على الطريقة الجعفرية، وأن من حق كل مسلم أن يختار المذهب الذي يتعبد على أساسه، من دون أن يتهم في دينه. وإذا بدعاوى التكفير تنهال على مسلمين اختاروا التشيع لآل بيت الرسول على طريقتهم؛ ولم تقصر الدولة التي يحكمها من لا يريدون لها الخير منذ عقود فانطلقت الملاحقات الأمنية تطارد من يجاهرون بانتمائهم للشيعة، وتعرض بعضهم للتعذيب،
لا لشيء إلا أنه يعبد الله على الطريقة التي اطمأن إليها قلبه! ثم بدأت التحذيرات المحمومة من خطر التشيع! ولم يكن من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه الحمى مع تصاعد المخاوف الأمريكية من البرنامج النووي الإيراني!! ومع صداقة تكشفت بين حكامنا والصهاينة؛ بدأت مقولة "الشيعة أخطر على العرب من إسرائيل" تتردد على ألسنة مصرية، حتى أن الهاجس طال مجرد السماح لسياح إيرانيين بدخول البلاد؛ ومنهم من يتمنى زيارة آثار تنسب لأهل البيت فما بالنا بالمسيحيين الذين يأتون لزيارة مواطئ قدم العائلة المقدسة لمصر! أو من يأتون لزيارة الأهرامات أو معابد كانت مخصصة لديانات،
يرونها وثنية! بدعوى أن مجيئهم ينطوي على خطر دفع المصريين للتشيع!! وبصرف النظر عن الوضع البائس الذي تعيشه السياحة في مصر، أعتقد أن في هذه التحذيرات أهانة وازدراء للدين الإسلامي! ولا أستبعد أن يكون وراء هؤلاء من يحرص على الإيحاء بهشاشة ديننا، وأنه لا يستطيع الصمود أمام أفكار ومعتقدات الأخرين! فلا أعتقد أن من يطالبون بقصر حرية الدعوة للعقيدة في بلاد الدنيا، عليهم وحدهم باعتبار ذلك من باب حرية التفكير والاعتقاد ثم يطالبون بمنع الآخرين من الدعوة والتفكير لمعتقداتهم، يؤمنون بحق أنهم على الدين الحق! وإلا، لماذا إذا لم تمنع إيران السنة من زيارتها؟ هل يعتقد الإيرانيون أن مذهبهم أقوى وأكثر إقناعا، وأن أهل السنة عاجزين عن نشر مذهبهم عبر السياحة؟
وأنا لا أستبعد بالفعل وجود مؤامرة على الإسلام، تهدف إلى تشويهه وإظهاره في مظهر الدين الهش، بعد إظهاره في صورة دين يدعو إلى الكراهية، والعنصرية، ويحتقر المرأة، ويجيزالألفاظ البذيئة، و الكذب الذي تعلمنا في صغرنا أنه من الكبائر بمسمى "المعاريض"، أو تحت دعوى الحرب خدعة، كما يجيز السرقة باعتبارها استحلالاً لأموال الكفار. إنها فعلا مؤامرة على الإسلام!