في خلال ثلاثين دقيقة فقط، أتحفني برنامجان من برامج دفتر الأحوال المعروفة بالتوك شو، بفقرتين أو تقريرين عن بطولتين، مهرجانين، مسابقتين، أقيمتا في بلدنا، إحداهما في المحروسة، والثانية في العروسة، أي القاهرة والإسكندرية. أما البطولة الأولي فكانت في قزقزة اللب، وليس أي لب بل اللب الصيني تحديدا (وكان معروفا أيام المد القومي باللب «السوري»). ويبدو أن هناك اتجاهًا لدي المنظمين والمشاركين وبعضهم من أهل الإعلام والفن التشكيلي لتأسيس الاتحاد المصري لقزقزة اللب، وتشكيل لجان داخلية لتنظيم مسابقات لفروع اللعبة الجديدة قد تشمل مسابقة لقزقزة اللب الأسمر (سوبر وعادة)، وأخري للب الأبيض في أي يوم أسود من هذه الأيام! البطولة الثانية وأصحابها أطلقوا عليها «مهرجان» كانت خاصة بالشيكولاتة، أو «الشوكالاه»، كما أصر أن ينطقها شيف حلواني بريمو اعتمر الطاقية البيضا إياها في لقاء مع كاميرا البرنامج. وطبيعي أن نتخيل أن مهرجان الشوكولاه (وهذا هو النطق المتفرنس الصحيح بالمناسبة) كان أشيك بمراحل من مهرجان اللب السوري. فهذا الأخير اجتذب ناس غلبانة وفاضية، بينما اجتذب الأول ناس مريشة وفاضية. يحدث هذا في بلد يسقط فيه القتلي في طوابير الخبز والغاز، ويحدث في بلد يمتلئ فيه الهواء بألفاظ جادة وفخيمة من شاكلة (الحراك والتغيير والشفافية والمنظومة والمشاركة) لكنها كلها تقع في باب أسمع قعقعة ولا أري طحينا. هذه الفعاليات - إن جاز التعبير - هي خليقة بمجتمعات الرخاء والوفرة، ومن أخلاق أهل الدعة والسكون بتعبير ابن خلدون، وأين نحن من أولئك ومن هؤلاء؟ فالحقيقة التي لا تجدها إلا في مصر أننا ولّفنا العجز والسكون، وجمعنا الفقر والرضا، الإفراط والتفريط، حتي صرنا.. بزرميط! ولعلني أضيف هامشا يقتضيه الحال علي مقال الصديق البارع إبراهيم عيسي عن المتنبي. فهو قد ذكر مأثورات الشاعر العظيم التي يستدعيها العقل الجمعي تلقائيا وهو بصدد قضايا فكرية وحياتية شتي. وفاته، سهوا وربما عمدا وشفقة بنا، أن المتنبي يحضر بكل قوة وعنفوان حين تكون مصر محور الكلام. فلا يمكن وأنت تشاهد لفيفا من الناضجين منكبين علي أطباق اللب السوري يستعرضون مهارات القزقزة وبكل جدية يهدون فوزهم باللقب لمصر دون أن تتذكر مقولة أبي الطيب: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا كما لا يسعك وأنت تستمع لفوائد مهرجان «الشوكالاه» وانعكاساته علي رواج السياحة إلا أن تتذكر الإهانة التاريخية: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم والحمد لله أن طه حسين كان له من الدلال علي الشاعر العراقي الفذ الراحل مهدي الجواهري ما مكنه من إثنائه عن استكمال قصيدة لم يكتب إلا مطلعها أوائل الخمسينيات: ما زلت يا مصر والإذلال تعويد يسومك الخسف كافور وإخشيد مقالة كبرت الحب رائدها حب المسودين لو شاءوا لما سيدوا! فقد قال له طه حسين: كفاكها بلدياتك! وكان طبعا يقصد المتنبي وداليته: عيد بأية حال عدت ياعيد بما مضي أم لأمر فيك تجديد وبما أننا في أيام أعياد وشم نسيم ولب وشوكالاه وفسيخ، وسمك لبن تمر هندي (أو تمر صيني)، فكل سنة واحنا طيبين!