ما موقف الرئيس مبارك من التغيير السياسي الحقيقي الذي ينقل مصر من عصر الرئيس الأوحد والحاكم الفرعون إلي الرئيس المُنتخب الذي يسائله ويحاسبه الشعب؟ للإجابة عن السؤال عدت إلي كتاب (مَنْ القاتلَ؟) للصحفي الكبير الراحل جلال الدين الحمامصي، وشرحت لك أنه فهم في بداية عهد الرئيس موقفه علي النحو التالي: 1- إنه لم يكن يريد التغيير. 2- إنه يريد التفافًا حوله يسميه الوحدة الوطنية في مواجهة المد الديني. هنا يحاول جلال الدين الحمامصي تفسير دوافع الرئيس (إن حواري معه في أول اجتماع عقد بينه وبيني أعطي لي الانطباع الأكيد بأنه فهم التغيير علي أساس أن يستبدل آخرين بأشخاص يحكمون محلهم، لهذا كان يقول إنه إذا أجري - مثلا - انتخابات جديدة لمجلس شعب جديد، فإنه علي ثقة من أن النتائج ستأتي بنوعية الأعضاء أنفسهم.. هذا الفهم هو الذي كشف بطريقة غير مباشرة عن عزلته عن الناس، ولهذا لم يدرك أن التغيير الذي يريده الشعب فعلاً هو إفساح الطريق لديمقراطية حقيقية تسمح بقيام الأحزاب السياسية بلا قيود أو اشتراطات، وتفتح الأبواب المغلقة لوجود صحافة حرة تنطق بسياسة هذه الأحزاب، أو بمعني آخر ديمقراطية تبدأ ممارستها بإلغاء كل القوانين التي وضعت في عهد الرئيس السادات وجعلت منه الرجل الأوحد الذي يسمح أو لا يسمح بقيام أحزاب يرضي بها، وكذلك إصدار صحف تنطق باسمها تبقي حية إذا رضي بذلك، وتموت فجأة إذا ما شاء لها ذلك. هل كانت الطبيعة العسكرية للرئيس محمد حسني مبارك هي السبب المباشر في إصراره علي رفض مناقشة مبدأ التغيير في هذا الوقت المبكر من حكمه؟ وهل كان عنده الاستعداد النفسي لمناقشة هذا المبدأ فيما بعد استقرار الأمور بالطريقة التي يراها؟. ثم مَنْ ذا الذي يقرر ما إذا كانت الأمور قد استقرت بحيث تسمح بمبدأ التغيير؟، بل الأهم من هذا كله: ماذا كان مفهومه للتغيير الذي يحقق اختلافاً جذرياً بين نظامي عبد الناصر والسادات، ونظامه الجديد؟). لكن يبدو أن الحمامصي لم يمل من تكرار وتأكيد الدعوة لتغيير حقيقي فإذا بالرئيس يتصرف، يحكي الرجل: (إن الذين كانوا يطالبون بالتغيير، لم يكونوا يطالبون بأن يتم فوراً غير أنهم لم يكونوا علي استعداد للمضي في تأييد الرئيس مبارك تأييداً أعمي ارتكازاً علي حسن نواياه.. لقد كنا جميعاً مستعدين للحفاظ علي الوحدة الداخلية المتماسكة حتي يتم الجلاء الإسرائيلي بغير تنفيذ فوري للمطالب الداخلية، ولكن كان علينا في الوقت ذاته للاستفادة من تجارب الماضي أن نحدد من الآن نوعية المناخ السياسي الداخلي ونمضي في رسم معالم الخريطة السياسية الداخلية، بحيث يعرف كل ساكن في وطننا المصري حدوده في ظل النظام الديمقراطي السليم. وكنت أؤمن في قرارة نفسي بأن مواجهة الرئيس محمد حسني مبارك بهذه «الرغبات» الأولية والتمهيدية ستكون إخباراً مهماً لعمق نواياه الطيبة التي كان يرددها بين الوقت والآخر، وهل هي حقاً راسخة في نفسه، أم أنه يتخذها معبراً عن الظروف الداخلية التي تعيشها مصر بعد حادث المنصة واغتيال سلفه الرئيس محمد أنور السادات؟) وماذا كانت النتيجة؟ طيب اسمع الحمامصي وهو يرد عليك: (ففي يوم اتصل بي الأستاذ أسامة الباز- مدير مكتب الرئيس السياسي - يدعوني إلي لقاء معه بوزارة الخارجية، وفي هذا اللقاء تأكد لي أن الرئيس مبارك غير راضٍ عما أكتب في تلك الأيام وأنه يعتبر ذلك مني خروجاً علي اتفاق تم بيننا، وإن كنت لا أذكر أنني اتفقت مع الرئيس علي شيء ما). نكمل غدًا بإذن الله