الأوقاف تفتتح 26 مسجدًا اليوم الجمعة    وزير التعليم العالي يشهد فعاليات النسخة الأولى من أسبوع شباب الجامعات التكنولوجية    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 20سبتمبر    وزير الاتصالات يتجه لأمريكا للمشاركة فى فعاليات الحدث الرقمي لأهداف التنمية المستدامة    سعر الريال السعودي بالبنوك في بداية تعاملات اليوم 20 سبتمبر    شهيدان جراء قصف للاحتلال على غزة و«بيت حانون»    ترامب: حين أنتخب سأحظر توطين اللاجئين القادمين من غزة    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 633 ألفًا منذ بدء العملية العسكرية    رئيسة المفوضية الأوروبية تصل إلى كييف وتعد بدعم مستدام لأوكرانيا في مواجهة الشتاء القاسي    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتفاق في الدوري السعودي| تواجد رونالدو    أخبار الأهلي : ليس كأس مصر.. الأهلي يستعد للإعتذار عن بطولة جديدة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    وزير النقل يوجه برفع درجة استعداد السكك الحديدية مع بداية العام الدراسي    أبرز لقطات احتفال الأوبرا المصرية بالمولد النبوي الشريف    فطارك عندنا.. طريقة عمل شكشوكة البيض    «الخارجية الروسية»: الغرب تحول بشكل علني لدعم هجمات كييف ضد المدنيين    نقيب الفلاحين: 90% من دعم الأسمدة لا يصل إلى مستحقيه    محافظ أسيوط يشدد على استغلال الفراغات لخفض كثافة الطلاب بالمدارس (صور)    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    انقطاع مياه الشرب 5 ساعات عن منشية ناصر و10 مناطق بالقاهرة    طقس شديد الحرارة يضرب الأقصر اليوم.. والعظمى 44 درجة    التحقيق مع شخص مفصول من الطريقة التيجانية فى اتهامه بالتحرش    جرس الحصة ضرب.. استعدادات أمنية لتأمين المدارس    تحرير 304 محاضر مخالفات مخابز وأسواق بالمنوفية    «مصلحة الضرائب»: إزالة أي معوقات ضريبية تواجه الشركات اليابانية في مصر    «دمعتها قريبة».. أغنية ل عبد الباسط حمودة تسببت في بكاء ياسمين عبد العزيز    "الأعلى للثقافة" يحتفل بيوم الصداقة العالمى فى الحديقة الثقافية    شهداء ومصابون إثر استهداف سيارة بشارع البنات في بيت حانون شمال قطاع غزة    دعاء يوم الجمعة للرزق وتيسير الأمور.. اغتنم ساعة الاستجابة    «اليونيسيف»: ارتفاع عدد النازحين بقطاع غزة إلى 1.9 مليون شخص    تحذير جديد من انتشار جدري القرود في إفريقيا.. خارج نطاق السيطرة    خدمات صحية تقدمها عيادة العلاج الطبيعي بمستشفى حميات الإسماعيلية (صور)    صحة أسيوط تفاجئ العاملين بمستشفى صدفا المركزي    تراجع جديد بالكيلو.. سعر الفراخ اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024 في بورصة الدواجن    3 قرارات داخل الأهلي قبل لقاء الزمالك في السوبر الأفريقي    سورة قرآنية داوم على قراءتها يوميًا.. تقضي بها الحوائج    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 20 سبتمبر 2024    بدون سكر أو دقيق.. وصفة حلويات مليانة بروتين وبسعرات حرارية قليلة    الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعًا وخيانة للأمانة (فيديو)    بالأسماء| انتشال جثة طفل والبحث عن شقيقته سقطا في ترعة بالزقازيق    حبس سائق ميكروباص تسبب في مصرع طالبة بعد دهسها في أبو النمرس    وينسلاند: التوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة يغير المشهد ويزيد تعميق الاحتلال    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    خبير تكنولوجي يكشف مفاجأة عن سبب انفجار أجهزة اللاسلكي لعناصر حزب الله    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    الداخلية تكشف كواليس القبض على صلاح التيجاني    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    «البحر الأحمر السينمائي» يعلن عن الفائزين في النسخة الرابعة من تحدّي صناعة الأفلام    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عيسى يكتب : التهاني والأغاني التي تعيد مصر إلى القرون الوسطى
نشر في الدستور الأصلي يوم 31 - 03 - 2010

لو كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الذي أجري جراحة استئصال المرارة (طبعا في مستشفي أمريكي) هل كانت ستظهر أغان من فنانين أمريكان يحمدون فيها الله علي سلامة الرئيس ويمتدحون الرئيس الأمريكي ويتغنون به وبمشاعرهم المرتجة المرتجفة لحظة مرضه وتعلو حناجرهم: أوباما حبيبي يا خويا أو يا أبويا ؟، وهل كانت ستتنافس محطة فوكس نيوز مع السي إن إن في إذاعة هذه الأغاني مصحوبة بفيديو كليب عن أوباما مصافحا عجوزا ومقبلا طفلا وأوباما وهو يرتدي قبعة وخوذة وبالطو أبيض وبين المصانع والمزارع ووسط العمال والفلاحين؟ هل كانت أمريكا ستشهد ليلها نهارها سطور تهنئة تمر بمعدل سبعين مرة في الدقيقة علي شاشات التليفزيون تعلن عن سجود العاملين بالمحطات التليفزيونية شكرا لله علي عودة الرئيس الحكيم العظيم ويسترد الوطن روحه باسترداد الرئيس الأمريكي أنفاسه بعد البنج ؟ وهل كانت ستمطر السماء علي البيت الأبيض برقيات تهنئة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب ومن الوزراء وأفراد الحكومة ومن جميع شركات ومصانع ومزارع وفروع القطاع الخاص والعام ومن رجال الدين المسيحي واليهودي والإسلامي والهندوسي والسيخي للرئيس الأمريكي!
لم يكن هذا المزاد علي إعلان الحب للرئيس والتهنئة بالسلامة من عملية جراحية ليظهر أو يتم أبدا في بلد مثل أمريكا، طبعا ممكن تقول لي لكن نحن في مصر ولسنا في أمريكا!
صح موافق لكن طيب ما رأيك في فرنسا أو إنجلترا، بلاها هذه الدول فإحنا فين وهيه فين، ماذا تقول في أيرلندا وفنلندا وبولندا وأوكرانيا واليونان وكرواتيا، بلاها أوروبا، دعنا في الأرجنتين أو البرازيل أو شيلي، خلاص مش مهم أبدا أمريكا اللاتينية، نركز في آسيا مثلا في تركيا وكوريا الجنوبية وماليزيا والهند، أو باعتبارنا أفارقة هل يمكن أن يحدث هذا المهرجان الاحتفائي الاحتفالي في السنغال أو جنوب أفريقيا!
شوف أي دولة من هذه الدول مستحيل أن تري فيها هذا النفاق الفج مع حاكمها ولا يمكن أن تعيش أياما من برقيات التهاني أو المباركات أو المزايدات التليفزيونية أو أغاني الفنانين والفنانات للرئيس التي تشيد به وبصحته وحكمته وعودته وتجعله هو البلد والشعب والوطن حتي إن الرئيس بنفسه يرجو مهنئيه ومرسلي برقيات تهنئته التوقف عن مراسيل الحب والغرام.
إن ما حدث من استقبالات للرئيس بعد عودته من العملية الجراحية الناجحة في الخارج كشف مصر في استبدادها وتخلفها السياسي وأكد مالا يمكن أن نتجاهله وهو أن مصر مازالت دولة تعيش في القرون الوسطي!
نعم نستهلك كل منجزات الحضارة التكنولوجية العصرية من محمول وسيارات وطائرات وأدوية وتليفزيون وأقمار صناعية وكمبيوتر لكننا مازلنا دولة ومجتمع الرئيس الفرعون الإله الحاكم الفرد الصمد الوالد الأب نعيش معه أو به في قلب العصور الوسطي!
المشكلة أن كل هذا يحدث بلا خجل من أي طرف والكل ينافق بشكل طبيعي تلقائي لا يشغله منطق ولا يشاغله ضمير، نجحت مصر في تحويل طقوس النفاق وتأليه الحاكم إلي جينات أصيلة في الجسد والعقل بحيث كما صرنا نعرق ونبول وننهج ونتنفس ونأكل ونشرب فإننا ننافق!
الغريب أن المرء يسأل نفسه: ولماذا هذا التصارع علي التهاني والأغاني؟!
الرئيس في فترة نقاهة وأغلب الظن أنه لا يتابع التليفزيون ولا يقرأ الصحف بانتظام فضلا عن أن يومه العادي قبل المرض لم يكن منشغلا كذلك بهذه الطقوس، فلمن تقرع أجراس الأغاني والتهاني؟ وهل الرئيس لو فرضنا أنه يشوف هذه الاحتفالات التليفزيونية والمدائح السياسية هل سيقتنع أن ذلك السلوك تعبير عن حب فعلا، وعن نية خالصة من هؤلاء؟ أليس أصحاب الفضائيات ورجال الحكومة وقيادات الحزب وأعضاء البرلمان كلهم أصحاب مصلحة في سياسة الرئيس وكلهم من رجاله ويعيشون من لحم أكتافه ومن فضلة خيره، ما المهم في إعلان هؤلاء الملح الفج لفرحتهم، هل كي يتأكد الرئيس من مشاعرهم ؟، وهل مطروح أساسا أن لديهم أي إحساس آخر، وهل يملك واحد فيهم ألا يحب الرئيس ويفرح بعودته فهم أحوج الناس له وأكثر الناس استفادة منه، لا أظن أن الرئيس يريد أن يتأكد من عواطفهم فهو متأكد لكن يبدو أنهم يريدون توصيل الرسالة للشعب حتي يقتنع ويعتقد أن رئيسه إلهه وأن وجود الرئيس صحيحا معافي هو حامي حمي الوطن من الانهيار والدمار، لكن لا يوجد مواطن نصف عاقل يجلس أمام شاشات الفضائيات حكومية وخاصة إلا ويعرف أنه ليس بالمطربة شيرين وبأيمن بهجت قمر وبمذيعي البرامج والسادة الضيوف من النواب ورجال الحزب والحكومة تعرف الحقيقة فالمؤكد أنها شبكة مصالح تجمع الجميع ولم يخرج في يوم من الأيام أي من هؤلاء وزعم أنه معارض أو مناوئ أو حتي مستقل بل كلهم يقولون إنهم أبناء هذا النظام ولم يكن ليجلس واحد منهم علي مقعده دون دعم ورعاية ومحالفة ومشاركة من هذا النظام!
النظام حين يأمر رجاله في الحقل السياسي والإعلامي والنيابي والحزبي بقرع طبول سرادق الاحتفالات وإرسال التهاني (قبل الطلب الرئاسي بوقفها والامتناع عنها تعففا وترفعا!) يحاول إقناع الرئيس أنهم يحبونه وفرحانين جدا جدا جدا بعودته!
وهل قال أحد العكس أبدا؟!
حالة إننا ولا حاجة من غير الرئيس التي يلح عليها مداحو ومنافقو الرئيس والمزدحمون علي شاشات التهاني والأغاني تؤكد أن الرئيس مبارك ليس رئيس دولة ديمقراطية ولا دولة مؤسسات تحكمها الأغلبية وصناديق الانتخابات وليس رئيس دولة عصرية حديثة، بل كأنه بتلك التصرفات فرعون يحكم بلدا بصلاحيات كاملة ومطلقة ولا يستطيع بني آدم فيكي يا مصر أن يسائله أو يحاسبه أو يقوله تلت التلاتة كام، ثم هو - كذلك - الأول والآخر والظاهر والباطن في الحكم ولا يستطيع شخص أن ينافسه أو يواجهه، ثم هو والد وأب وليس رئيساً في دولة طبيعية، بل هو كبير العائلة والأب البيولوجي للمصريين جميعا كأننا نعود فعلا لنقبع في حفرة القرون الوسطي حيث الحاكم ظل الله علي الأرض والأب والوالد حيث تلك الحقبة التي كان للحاكم فيها حق الليلة الأولي!
إغفر لي سؤالي وإلحاحي الرخم: ما علاقة المباركة من شيخ الأزهر وفتاوي الشيوخ واصطفاف القساوسة في تمجيد الرئيس وتعظيمه كأنه تعميد سياسي بأي دولة مدنية ديمقراطية، بذمتك و بما تبقي في الضمير من ماء الحياء ورائحة المنطق، ما الفرق بين ما يحدث للرئيس في مارس عام ألفين وعشرة وما كان يحدث لأي قيصر من القياصرة أو سلطان أموي أو عباسي أو عثماني من مئات السنين؟
السؤال المصاحب لهذا المشهد هو: لماذا ثم إلي متي؟
وأخيرا.. وبعدين !
تلك التعليمات التي صدرت من فريق الحكم للجميع بأن افتحوا فيضان التهاني والأغاني وامدحوا الرئيس بعزم ما فيكم من قدرة ومن إخلاص وتفان، جاءت لإثبات:
1- شعبية وجماهيرية للرئيس في مواجهة معارضة طفت في الإعلام المصري والدولي يبرز فيها اسم البرادعي فكأنهم بهذه المناسبة السعيدة قرروا أن يفتحوا سرعتهم علي الرابع ويعلنوا «بلا برادعي بلا غيره مبارك مفيش غيره»، وليكن هذا السرادق بكل ميكروفوناته المفتوحة وضجيجه الصاخب توجيها للمجتمع الدولي بأن الرئيس موضع إجماع شعبي وأن رذاذ المعارضة لم يمس شعبيته، لكن ما يعوق هذا الهدف عن التحقيق هو عدم مصداقية كل هذا الضجيج لأنه يصدر عن أصحاب مصلحة مكشوفة ومفهومة وعن فصيل من النظام نفسه، كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال معرفة حقيقة تصديق أو تشكيك المصريين لما تنهال به وسائل الإعلام وذلك لغياب أي استطلاعات رأي مستقلة و أمينة وموثقة وغير مزيفة!
2- التهاني والأغاني جزء من أوامر وتعليمات طبعا ما كان يجرؤ علي القيام بها أو إنتاجها أو بثها إلا من أخذ إذنا أو تلقي أمرا بعملها، ومن ثم فمصدرها واحد ويكاد يسمح لنا بتصور أن هذه الاحتفالية تهدف ضمن أهدافها لضرب فكرة التوريث، فالرئيس كما تلح هذه النغمات المتحمسة التي نسمعها من المطربين ونواب الوطني ومحللي الفضائيات ومن أفواه الوزراء هو وحده الذي يملك هذا التفويض الشعبي وتاريخه وسيرته ومسيرته، وبقاؤه واستمراره هو الضامن لاستقرار النظام ومن ثم يحاول البعض سحب احتمالات تصعيد جمال مبارك لمنطقة الخفوت والاختفاء والأمر يبدو جزءاً من مبارزة الحرس القديم والجديد.
ثم إلي متي تتواصل هذه الحالة ؟
حتي ظهور الرئيس الطبيعي والملح فهذه الحالة تغطي فترة نقاهته وتملأ فراغ غياب ظهوره في مؤتمرات وافتتاحات واحتفالات وحين يعود الرئيس ستعود نغمة النفاق لإيقاعها الطبيعي واليومي
طيب وبعدين؟
أبدا كله بأمره.. وبأمر الرئيس !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.