لا يعرف الكثيرون أن الدكتور أيمن نور - زعيم حزب الغد - إسكندراني المولد والنشأة، لذلك أخذناه إلي مناطق في حياته لم يقترب منها كثيراً بعيداً عن السياسة وهمومها وأوجاعها، وأجرينا معه هذا الحوار الذي ركزنا فيه أكثر علي الأمور الشخصية والإنسانية في حياة نور. ما لا يعلمه الكثيرون أن دكتور أيمن نور - مؤسس حزب الغد - إسكندراني، فقد ولد بمستشفي المترنتيه بالإسكندرية في 5 ديسمبر 1964 وعاش بالإسكندرية سنوات طفولته الأولي حتي التحاقه بكلية فيكتوريا التي تركها في الصف الأول الابتدائي ورحل مع أسرته إلي المنصورة بسبب شقاوته. وحتي يستعيد سكندريته يأتي نور إلي الإسكندرية يومين أسبوعياً يقضيهما ببيته المطل علي كوبري ستانلي يستعيد فيهما ذكريات الطفولة، ويجوب شوارع المدينة وضواحيها وحواريها سيراً علي الأقدام، ثم يزور قبر والدته في مدافن المنارة ويعود إلي القاهرة. التقينا أيمن نور.. وتركنا كل الزلازل والبراكين والعواصف التي يثيرها حوله دوماً.. وتحدثنا فقط عن الإسكندرية. دكتور أيمن معارك وصراعات وسجن وتشهير وانفصال وطرق أبواب.. «مازهقتش»؟ - أعتقد أني أدفع ثمناً باهظاً لقيمة كبيرة هي الحرية والعدالة التي أتمني أن أعيشها أنا وأولادي، حتي لو جاء ذلك علي حساب حياتي الشخصية وحملات التشويه التي أتعرض لها وصراعي مع النظام، لكنه يبقي ثمناً عظيماً مقارنة بما نسعي له من حرية لهذا الوطن. عمرك ما فكرت في الرحيل عن مصر حتي ترتاح؟ عمرك ما قلت خلاص هسيبها لهم وأمشي؟ - أعلن هذا الأمر لأول مرة، فمنذ ثلاثة أعوام وأنا في سجني وصل لزوجتي عرض كان من بين أطرافه الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أن أخرج من سجني بشرط أن أرحل عن مصر وأعيش خارجها لبضعة أعوام، ولا أعود إليها إلا بعد نهاية عام 2011، لكني رفضت العرض دون أن أفكر للحظة واحدة ولم أندم رغم أن العرض كان مغرياً جداً، وبعد خروجي من السجن وبعد الضغوط الشديدة التي واجهتها داخله منعت من العمل وأغلق لي مكتب المحاماة، ومنعت من أن يكون لي فرصة التدريس في الجامعة، ومنعت من التصرف في ممتلكاتي وأموالي، ومنعت من الظهور في الإعلام الرسمي، ومنعت من حقي في السفر، ومنعت من جميع حقوقي كإنسان، كل هذا جعلني أتساءل: هل كان من الحكمة أن أقبل العرض وأرحل عن مصر، لكني متيقن أني اخترت بشكل صحيح، ولو عرض عليّ حالياً نفس الاختيار لرفضته مجدداً. إذا كنت منعت من كل هذا فكيف تعيش الآن؟ بتصرف منين؟ - لدي بقايا قليلة جداً من ميراثي عن أمي وأبي، بعضها يتم بيعها بعقود ابتدائية لبعض المشترين من أسرتي الذين يقبلون بتأجيل تسجيله في الشئون العقارية التي تمتنع عن تسجيل أي عقد بيع لي، هذه العوائد القليلة مما تبقي من ممتلكاتي وهي قليلة أيضاً أقوم بالإنفاق منها في ظل إصرار الحكومة علي خنقي وخنق موارد دخلي لتحجيم نشاطي وحملتي لطرق الأبواب استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكني أعتقد أن الإصرار والعزم يصنعان المستحيل. وشغلك؟ - سأعود يوماً لعملي عندما تعود الحرية لوطني، عملي الآن هو تحقيق الحرية والعدالة لهذا الوطن. دعنا نبتعد عن تلك المناطق الحزينة في حياتك.. كلمنا عن الإسكندرية حيث ولدت ونشأت؟ - ولدت في مستشفي المترنتيه بحي وابور المياه الهادئ في 5 ديسمبر 1964، كان المستشفي مواجهاً لمنزل جدي وجدتي، وقد عشت في هذا المنزل سنوات الطفولة الأولي، حيث كانت والدتي تدرس في جامعة الإسكندرية قسم اللغة الفرنسية، وقضيت مرحلة الحضانة حتي الصف الأول الابتدائي بكلية فيكتوريا، وقد كان منزل جدي بالإسكندرية مدرستي الأولي في الحياة، حيث كان جدي شاعراً فذاً وأديباً ومفكراً عظيماً ورثت عنه حب اللغة والكتابة وعشق هذا الوطن. لماذا لم تكمل دراستك بالإسكندرية وتركتها ورحلت مع والديك إلي المنصورة؟ - ذات يوم وأنا في الصف الأول الابتدائي بكلية فيكتوريا أخبرونا أن أحد الأيام سيكون إجازة، أخبرت والدي، لكنهم لم يصدقوني وأجبروني علي الذهاب للمدرسة في ذلك اليوم، ذهبت للمدرسة فوجدتها مغلقة، عدت إلي المنزل سيراً علي قدمي وأثناء عودتي لمحت حديقة الشلالات، فكرت في اللهو واللعب قليلاً داخل الحديقة وهناك قضيت ساعات طويلة حتي تعثرت وسقطت علي أحد النباتات الشوكية ذات الأشواك البارزة في الحديقة وأصبت إصابات متعددة، ويومها قرر أبي وأمي الرحيل عن الإسكندرية والعودة إلي المنصورة وتركت فيكتوريا كوليدج والتحقت بإحدي مدارس المنصورة. ولدت بالإسكندرية وقضيت فيها سنوات من طفولتك، ومع ذلك لا تعتبر نفسك إسكندرانياً؟ - أنا إسكندراني بالميلاد، وإسكندراني بالموت، فقد كتبت في وصيتي لأولادي التي لم يقرأوها بعد أثناء وجودي في السجن أن أدفن في الإسكندرية بجوار والدتي في مدافن المنارة، فأنا ولدت بالإسكندرية وأتمني أن أموت وأدفن فيها. ذكرت أنك ولدت بالإسكندرية مرتين، متي كانت المرة الثانية؟ - يوم 7 سبتمبر 2005، حينما حصلت من الإسكندرية علي أعلي الأصوات في انتخابات الرئاسة، فتملكتني رغبة في رد الجميل لهذه المدينة، ومنذ خروجي من السجن قررت أن أقيم بالإسكندرية يومين علي الأقل في الأسبوع، حيث أصبحت الإسكندرية جزءًا من حياتي السياسية، حيث ألتقي أعضاء حزب الغد بالإسكندرية، وأطوف بأحياء المدينة وشوارعها وضواحيها وحواريها ضمن حملتي لطرق الأبواب. هل تشعر بالوحدة؟ - لم أشعر بالوحدة إلا بعد خروجي من السجن بعد أن غادرت زوجتي في إجازة زوجية مازالت مستمرة منذ نحو عام. مازلت تشعر بالوحدة رغم كل الناس اللي حواليك وحملتك لطرق الأبواب التي تبتلع معظم وقتك؟ - الوحدة إحساس وليست صورة فارغة أو ممتلئة، ففي أول يوم رمضان الماضي قررت أن أفطر مع أمي، كما كنت أفعل قبل وفاتها، ذهبت لها في قبرها في المنارة، وظللت أتحدث معها وأقرأ لها القرآن، ثم فطرنا سوياً علي تمرة حتي حل الظلام، وعندما حاولت الخروج اكتشفت أن العامل أغلق المدافن وعاد لمنزله، أرسلت إليه سيارة تاكسي لتحضره، وغادرت المدافن سيراً علي الأقدام حتي منزل أستاذي الدكتور الشافعي بشير، كنت أود أن أقضي معه أول يوم في رمضان، لكني وجدته في الولاياتالمتحدة، عدت إلي منزلي في ستانلي، صادفني البواب، قاللي رمضان كريم، قلت له كان في السجن أكرم، وكان هذا أول رمضان أقضيه خارج سجني، ويومها شعرت أن الوحدة هي أبشع أنواع السجن. لماذا تركتك زوجتك جميلة إسماعيل ورحلت عن بيت الزوجية؟ - أكيد هي مجهدة بفعل سنوات ناضلت فيها نضالاً طويلاً أثناء وجودي في السجن وهي الآن في إجازة زوجية، ليست طلاقاً ولا انفصالاً حتي هذه اللحظة. هل مازالت جميلة ترغب في الطلاق؟ - لا أعتقد أن هذا الموضوع مطروحاً، لكني أتمني أن تنتهي تلك الإجازة الزوجية التي قررتها جميلة ونفذتها يوم 6 أبريل الماضي. ليه اختارت جميلة يوم 6 أبريل لهجرك والرحيل عن بيت الزوجية؟ - لا أعلم، ربما يكون هذا اليوم صادف يوم مولدها، وصادف كذلك أحداثاً سياسية كثيرة، وهي كانت صاحبة القرار والاختيار، وأنا لم يكن عندي معلومات مسبقة عن هذا القرار. ألم تخبرك جميلة عن سبب رحيلها حتي الآن؟ - أستطيع أن أفهم أنها تمر الآن بمرحلة إجهاد عقب سنوات القتال التي خاضتها أثناء وجودي في السجن، وأنا أذكر لها هذا بكل الحب والتقدير. هل كان لرحيلها علاقة بامرأة أخري في حياتك، كما تردد؟ - هذا الكلام غير صحيح، وهو محض افتراء، ولا وجود لهذه الأكاذيب، ومجرد شائعات سخيفة نشرتها الصحف لم يكن فيها حرف واحد صادقاً. بتشوفها؟ - بنلتقي لما يكون فيه ضرورة، وبنلتقي في المناسبات السياسية. هل تتحدثان في إمكانية عودتكما؟ - هذا الموضوع ليس مطروحاً الآن. هل تريد أن توجه رسالة لجميلة عبر «الدستور»؟ - أعرف أن جميلة من محبي «الدستور» وقرائها، وأنا أوجه لها كلمة من القلب، أقول لها إنها كانت ومازالت زوجة عظيمة وأماً عظيمة. هل يضايقك القول بأن البرادعي سحب الأضواء من أيمن نور؟ - لا يستوقفني هذا، لكن لا يحزني في هذا الوطن قدر حزني علي موقف النخبة الغارقة في الأنانية والغيرة الجيلية والازدواجية ولا يتسم بالعدل أو الإنصاف، لكن الجماهير العريضة هي التي تنصفني، أما الدكتور البرادعي فهو شخص محترم وعظيم، وهو يكبرني سناً وقيمة، وأراه سنداً في معركة التغيير، والدكتور البرادعي حتي هذه اللحظة ليس مرشحاً للرئاسة، وأعتقد أنه من مصلحة مصر أن يكون هناك أكثر من مرشح رئاسي، ومن هذا المنطلق أنا أقاتل وأناضل من أجل حق البرادعي في أن يكون مرشحاً، ووقتها قد نوحد المواقف حول مرشح واحد.