الرسائل مستمرة بين الجيش والجماعة فى أزمة إقالة وزير الدفاع التى يمهد لها إرشاد الإخوان المسلمين، وبعد أن اشتعلت صفوف قوات الجيش من ضباط وجنود غضبا، بسبب التسريب المنسوب إلى الرئاسة عن قرب إقالة الفريق أول عبد الفتاح السيسى لم تخرج الرئاسة لتنفى الإشاعة التى سربتها على أحد المواقع الإخوانية، رغم أن المتحدث الرئاسى د.ياسر على، الذى لم يغادر موقعه، بعد أن اشتهر بالنافى الرسمى للرئاسة، بينما على الجانب الآخر لم تعلق المؤسسة العسكرية وتركت المجال للخبراء والمحللين العسكريين للحديث للإعلام، التزاما ربما بمبدأ أعلنته لاحقا بعدم التعامل مع الإشاعات. وبعد أن خرجت ردود الأفعال، سواء داخل قوات الجيش أو بين صفوف القوى الشعبية تتشكك فى مخطط للانقضاض على الجيش لصالح الإخوان، تحركت الجماعة لإنهاء المشهد باتصالات بين ذراعها الرئاسية وقيادات الجيش تؤكد فيها -كما أكدت سابقا للمشير ورفاقه- اعتزازها بدورهم الوطنى وتقديرها لتضحيات القوات المسلحة من أجل الشعب، وكانت الاتصالات إشارة إلى إنهاء الاشتباك عند هذا الحد، فخرجت المؤسسة العسكرية ببيان على لسان المتحدث العسكرى العقيد أ. ح أحمد على، ثم خرجت «الرئاسة» ببيان بعده بعدة بساعات حول الأزمة حمل نفس معانى حوار مكتب إرشاد الإخوان.
لكن المحصلة من قراءة البيانين تؤكد استمرار الأزمة، فإلى أين تصل؟
البيان الأول صدر عصر الإثنين من المتحدث العسكرى بعد نحو 36 ساعة من اندلاع الأزمة، وركز على محورين، الأول: رد على الإشاعة ليس بنفيها ولكن العكس بتجاهلها، بتأكيد أن الجيش لا يتعامل مع الإشاعات.
المحور الثانى: غسل أيدى المؤسسة العسكرية من أية تلميحات أو تهديدات نقلها الإعلام منسوبة إلى مصادر عسكرية هى فى الأرجح لخبراء ومحللين لا قادة عسكريين، لكنه لم ينف التلميحات والتهديدات نفسها أو بالأدق لم يتصد لنفيها باعتباره غير مسؤول عنها، واكتفى بنفى حديث أى مصدر عسكرى فى الموضوع.
وأشار البيان إلى أن المؤسسة العسكرية تتابع ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام من الشائعات المتعلقة بإقالة القائد العام للقوات المسلحة وإبداء البعض لآرائهم تجاه هذا الموضوع، منسوبا إلى تصريحات «مصادر عسكرية مسؤولة».
وفى لفتة ذات دلالة اعتبر الجيش أن الموضوع يمس المواطن المصرى لا الجيش فقط، فقال البيان إنه من منطلق حق المواطن المصرى العظيم بصفة عامة وأبناء القوات المسلحة (ضباط- صف- جنود- عاملين مدنيين) بصفة خاصة فى معرفة الحقيقة. وهى رسالة ذات دلالة للإخوان وأذرعها تؤكد أن الجيش فى صف الشعب لا فى الثكنات.
وأشار البيان إلى رفض المؤسسة العسكرية التعامل مع مثل هذه الشائعات، مبررا ذلك بأنها تدرك مخاطرها وتهيب بالجميع توخى الدقة والحذر عند التعامل مع الموضوعات المتعلقة بالقوات المسلحة.
أما البيان الذى أصدرته الرئاسة ليل الإثنين وبعد ساعات من بيان الجيش فقط جاء أيضا بصياغة أولا لم تنف التقرير المنسوب إلى مصادر رئاسية، ولم تعلن أن الرئاسة لم تدل بأى تصريحات لأى جهة، كما فعل المتحدث العسكرى.
ثانيا لم ينف البيان الرئاسى قرب إقالة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى، ولم يقل بكلمة إن الرئاسة لا تفكر فى تغيير قيادات الجيش، واكتفى بالشكر والمدح للدور الوطنى والمجهودات التى تبذلها قيادات الجيش وعلى رأسها السيسى، فهل انتهت الأزمة؟
وقال بيان الرئاسة: «تابعت رئاسة الجمهورية ما تداولته بعض الدوائر الإعلامية، منسوبا إلى مصادر مجهلة، وردت تحت اسم «مصادر عسكرية مسؤولة، تضمن جملة من الأكاذيب والشائعات المختلقة (لاحظ أنه لا يشير إلى أن الأكاذيب ظهرت على موقع إخوانى ونسبها إلى مصادر رئاسية)».
وأضاف: «وفى هذا السياق فإن مؤسسة الرئاسة تؤكد اعتزازها وثقتها فى الدور الوطنى والقيادى المتميز الذى يقوم به الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، وما يحظى به من ثقة رئيس الجمهورية والشعب المصرى بأكمله».
فلم ينف ولم يستبعد بكلمة أى مخطط للإطاحة بالسيسى، ثم واصل البيان تجديد تقدير الرئاسة للقوات المسلحة المصرية، ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكل ضباط وضباط صف وجنود الجيش المصرى العظيم، وتحيى عطاءهم المستمر فى حماية أمن الوطن وسلامته.
الملاحظ هنا وبالتوازى أن رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى واصل تصريحاته فى أبو ظبى، حيث يحضر معرض الدفاع الدولى «أيداكس»، وتحدث مرة أخرى عن الوضع فى مصر بعد أن كانت السفارة المصرية نقلت عنه تصريحات، فى بيان رسمى، عن مراقبة الجيش للوضع السياسى فى مصر، هذه المرة تحدث صدقى قائلا إن الجيش لن يترك الأمور تتعقد، وأضاف أن القوات المسلحة يمكن أن تقوم بدور إذا تعقدت الأمور أكثر، كما توقع أن تحل الجماعات السياسية المتنافسة نزاعاتها بالحوار. وأشار صبحى، فى تصريحات صحفية، إلى أن حوارا وطنيا سيعقد بين جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة خلال الأيام المقبلة، للتباحث فى الملفات الشائكة فى البلاد. فهل توجد علاقة بين تصريحات صدقى التى تكرر تحذيرات السيسى عند احتدام الأزمة فى نهاية يناير الماضى، وبين التهديد بإقالة السيسى، ومن ثم مذبحة لجنرالات الجيش.