منذ أن بدأت فرنسا عملياتها العسكرية في مالي وهي تلقى دعما سياسيا وعسكريا يأخذ شكلا لوجستيا واستخباراتيا من الولاياتالمتحدة وعدة دول أوروبية، كما ينتظر مشاركة قوات من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على الأرض لمساعدة القوات الفرنسية في حربها على المسلحين الذين سيطروا على شمال مالي مطلع أبريل/نيسان الماضي.
بدورها أعلنت حركة تحرير أزواد -التي أنهت الجماعات المسلحة تحالفها معها بعد فترة من مشاركتهما في احتلال شمال مالي- استعدادها لمساعدة الجيش الفرنسي ميدانياً، وهي أمور تطرح تساؤلات عن حظوظ المسلحين في هذه الحرب، خاصة أن بعضهم خرج يهدد بنموذج أفغانستان ويتوعد الفرنسيين بتحويل صحراء مالي إلى مقابر لهم إذا لم يتراجعوا.
وبينما أكد مسؤولون أميركيون أن واشنطن تقدم المعلومات للقوات الفرنسية وتبحث تقديم الدعم اللوجستي والمراقبة والمساعدة بالنقل الجوي، أكد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا التزام بلاده بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "لن يجد أي مكان للاختباء".
وفي نيويورك أعلن السفير الفرنسي في الأممالمتحدة جيرار أرو أن كندا وبلجيكا والدانمارك وألمانيا عرضت أيضا تقديم الدعم اللوجستي. عربيا وفي الإمارات التي تحتضن قاعدة بحرية فرنسية، أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ثقته في أن دول الخليج ستساعد في حملة بلاده العسكرية، وقال إن "الكل يجب أن يلتزم بمحاربة الإرهاب".
وتتابع فرنسا عملياتها العسكرية في حين انسحب المسلحون من المدن الكبيرة التي كانوا يحتلونها في الشمال في أعقاب الضربات الفرنسية، إلا أنهم سيطروا على مدينة ديابالي التي تبعد نحو 400 كلم شمال العاصمة باماكو.
كل هذه التطورات تطرح تساؤلات حول أسباب الدعم الدولي لفرنسا، وماذا تمتلك الحركات المسلحة هناك مقابل هذا الحشد؟ وما دلالات انسحابها من مدن كانت تسيطر عليها؟ وهل هناك مخاوف من أن تغرق فرنسا والغرب من خلفها في مستنقع مالي؟
يرى الخبير العسكري العميد أركان حرب محمد شفيق أبو هيبة أن انسحاب الحركات المسلحة "تكتيكي" ولا يمكن اعتباره إعلان هزيمة، موضحا للجزيرة نت أن لدى هذه الحركات عقيدة قتالية جهادية ليس من السهل أن تسلم بالهزيمة، وبرر انسحابها بأنه جاء نتيجة القصف الذي تنفذه الطائرات الفرنسية على معاقلها.
ويرجح أبو هيبة عودة مقاتلي هذه الحركات من جديد إلى المدن التي انسحبوا منها عقب توقف القصف، مشيرا إلى أن القوات البرية الفرنسية المحدودة في مالي قد تواجه صعوبة في مواجهة هؤلاء المدربين على حرب الشوارع والعصابات.
ويضيف الخبير العسكري المصري أنه لا يمكن النظر إلى حجم الدعم الذي تتلقاه فرنسا بمعزل عن جانبه السياسي، ولا يعني أن فرنسا غير قادرة عسكريا على تحقيق الفوز بمفردها، لكنه يأتي لإظهار موقف سياسي وتحالف دولي يمكن الاستعانة به إذا تغيرت المعطيات على الأرض، أو إذا واجهت فرنسا صعوبات في حربها ضد مقاتلي الحركات الإسلامية وتنظيم القاعدة.
وأوضح أنه يمكن أن تتلقى فرنسا مزيدا من الدعم العسكري قد يأخذ أشكالا أخرى، أبرزها الدعم بعناصر استطلاع برية وجوية، أو تقديم دعم جوي، وأخيرا قد يصل الأمر إلى المشاركة بقوات برية ستكون على الأرجح قوات خاصة لأنها الأكثر قدرة وتدريبا على حرب العصابات.
ورغم توقعه نجاح فرنسا في تقويض "الإرهاب" في شمال مالي وهو هدف غربي أيضا لحماية مصالح الغرب وفرنسا تحديدا في شمال وغرب أفريقيا، فإن أبو هيبة أكد صعوبة تحديد وقت زمني لتحقيق هذا الانتصار بالنظر إلى أن الصراع مع الحركات المسلحة قد يأخذ وقتا طويلا بين عمليات كر وفر واختفاء في الصحراء.