ماذا لو وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم باعتبارهم جماعة دينية تتلقى أوامرها من السماء، وليس من حزب سياسي يدين بوجوده لصناديق الانتخابات وإرادة جموع الناخبين. ربما يحدث السيناريو الغزاوي، بحيث إنه وبعد فوز الإخوان وتشكيلهم للحكومة سنفاجأ بإخوان الجيزة يكفّرون إخوان 6 أكتوبر، وإخوان مطروح يكفّرون إخوان الساحل الشمالي، ثم سنفاجأ بجماعات جهادية تكفّر كل الإخوان، باعتبارهم معتدلين، ثم ستنقسم هذه الجماعات الجهادية، وتتناسل إلى فصائل وجيوب؛ لنفاجأ بإمارة إسلامية في بولاق، وأخرى في قنا، وثالثة في السويس، ورابعة في أسيوط. وفي هذا السيناريو أيضاً ربما سيتم اتهام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح باعتباره معتدلاً ومتسامحاً ويقبل بحق الاختلاف، وقد يتم اتهام د.عصام العريان باعتباره منفتحاً على الخارج، ويزور الغرب، وفي مرحلة لاحقة سنجد من يكفّر محمود عزت نفسه رغم تشدده؛ لأنه أبرم صفقات مع "الحكومة الكافرة السابقة"، ثم سيأتي آخر ليكفّر الأول، بحيث لا تتوقف دائرة التكفير. السيناريو السابق ليس خيالياً تماماً، لكنه يستند إلى تجربة إخوانية تحدث بجوارنا الآن في قطاع غزة بفلسطين. حركة حماس الإخوانية فازت في انتخابات حرة نزيهة قبل أربع سنوات تقريبا، ثم نفَّذت انقلابا مسلحاً على السلطة الفلسطينية قبل عامين. والسؤال: ماذا حدث طوال العامين الماضيين في غزة؟ حماس التي فازت في الانتخابات بسبب فشل "فتح" في المفاوضات وفساد معظم كوادرها، أوقفت لاحقاً المقاومة ضد إسرائيل، واشتبكت مع حركة الجهاد الإسلامي الرافضة للهدنة. الآن هناك جماعات سلفية جهادية متشددة أعلنت "تكفير" حماس، وبدأت تشنُّ هجمات وتفجر قنابل أمام منازل قادة الحركة، وآخرهم إسماعيل هنية؛ لأن الأخير طالب باعتقال محمود طالب قائد جماعة "جند أنصار الله". وبجانب هذه الجماعة المتعاطفة مع أسامة بن لادن والقاعدة، هناك جماعة "جيش الإسلام" و"جيش الأمة" و"سيف الحق". هذه الجماعات تتلقى دعماً.. أحيانا من "الجهاد الإسلامي" بل وأحيانا من "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، خصوصاً بعد توقف حماس عن المقاومة، لكن الحركة طردتهم بعد اتهامهم ب"الانحراف الفكري". في 14 أغسطس الماضي أعلن المدعو عبد اللطيف موسى إقامة "إمارة إسلامية" في مسجد ابن تيمية بمدينة رفح، شعار الجماعة هو الراية السوداء، وعلى الشعار رسم لسيفين وبندقية، وخلفها خريطة لكل العالم باللون الأخضر. نحن لا نريد أن نحكم العالم الآن؛ لأننا لا نعرف كيف نحكم أنفسنا.. ومثل هذه الجماعات تسببت فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين.. وأمثالها يعمل فى النهاية لمصلحة إسرائيل حتى لو كانت لا تدرك ذلك. مبدئيا أنا مع حماس والجهاد وأي حركة، طالما كانت توجه رصاصاتها نحو صدر العدو الصهيوني، ومن حق الإخوان المسلمين عندما يتعاملون باعتبارهم جماعة سياسية تخطئ وتصيب، ولها برنامج سياسي واضح ومحدد، وضد اعتقالات أعضائها لعملهم بالسياسة. حكومتنا وسياستها هي سبب كل ما نعانيه من بلايا وكوارث، لكن هذه الحكومة الفاسدة لا تزعم أنها تحكمنا بأوامر سماوية. وحتى لا نقع بين مطرقة الحكومة الفاسدة والجماعات التي تتستر بالدين، فلا حل إلا بنضال طويل الأمد بحثا عن خيار ثالث أساسه المواطنة والديمقراطية والتعددية والعدل الاجتماعي. نشر بجريدة الشروق 8 مارس