تحدثت مع شاب فرحت به وخفت عليه أيضا.. فرحت لإعلانه اختياره النجاح، وهو لا يحب عمله؛ لأنه يحب النجاح.. وخفت عليه فقد أخبرته بأن الكثيرين يهزمون أنفسهم، ويكتفون بقدر من النجاح ولا يواصلون النجاح ويضاعفونه.. فردّ: يفعلون ذلك عندما يصلون إلى مرحلة الشبع.. احذر القاع!! فقلت: بعد الشبع يحدث التراجع والهبوط أسرع من الصعود، فإذا كنت على منحدر ولم تقاوم الهبوط ستجد نفسك سريعاً في القاع.
فإذا قرَّر أفضل سائق الاكتفاء بخبراته ستذبل تدريجياً، وسيهمل سيارته اعتمادا على تفوقه.
والسائق الذكي يهتم قبل التحرك بالاطمئنان على المياه والزيت، ويعطيها الوقت الكافي؛ لتستعد للانطلاق، ويتأكد من الطريق الذي سيسلكه..
فلنستعد لأعمالنا جيداً ولا نتعجلها، ونرتب أولوياتنا، "ونثق" أنها ستفيدنا، وأن العمل سيضيف إلينا دنيوياً ودينياً، فلا نبدد طاقاتنا فيما يعطل مسيرة النجاح.
فإتقان العمل سينير لنا حياتنا وقبورنا أيضا، فلنزرع نية التقرب للرحمن باتقان العمل. اصنع زهورك!! وليكن كل منا مثالاً رائعاً للمؤمن الحقيقي، فيجيد التخطيط لحياته ويحولها إلى "محطات" رائعة للنجاح؛ لينطبق عليه المثل الفرنسي: الأخلاق كالزهور لها رائحة.
والمؤمن له روائح زهور الإتقان والمثابرة والسماحة والوجه البشوش والحديث اللطيف والمرونة؛ فهو ليس ليناً فيُعصر ولا صلباً فيُكسر..
ويُجيد تحديد أهدافه في كل تفاصيل حياته، في العمل والعلاقات الإنسانية والترفيه المباح بالطبع والدورات التي يلتحق بها، وتكون واضحة في ذهنه ليجيد أداءها، ويفوز بأفضل استفادة منها بل و"يستمتع" بأدائها؛ لأنها تقرّبه إلى النجاح ورضا الرحمن عنه؛ فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما يخبرنا الحديث الشريف. فلتكن عبقرياً!! وأتمنى ربط أهدافنا الدنيوية بالفوز بثواب المؤمن القوي، فستتضاعف بمشيئة الرحمن طاقاتنا، وسنواجه الصعوبات بقوة وذكاء، ولن نتهرب منها كشأن الضعفاء.
والسائق الواعي عندما يسير في الطريق لا ينشغل بغير القيادة؛ ليحمي نفسه من الحوادث.
وهو ما يفعله الناجحون، فيقاتلون للتركيز على أعمالهم ويحاربون أحلام اليقظة ويتذكرون قول أديسون صاحب 1098 براءة اختراع، أهمها اكتشافه للمصباح الكهربائي: العبقرية = 10% إلهام + 90% جهد ومثابرة..
والسائق المتمكن عندما يجهد سيارته لا يُنكر ذلك، ويتركها ترتاح قبل استكمال السير. وداعا للإرهاق! وعقولنا أولى بالراحة من السيارات، فلنعطها الراحة بالاسترخاء وبالتأمل الناعم في النعم التي تغمرنا مرتين يومياً لعدة دقائق؛ لنعيد شحن طاقاتنا بالرضا الجميل وبالتفاؤل الذكي وبتجديد حسن الظن بالرحمن والاسترخاء، ولو كنا مع الناس بإرجاع الكتفين للوراء، وتمديد البطن قليلا للأمام، وإغلاق الفم والمباعدة بين الفكين، والتنفس ببطء لعدة دقائق، ووضع القدمين على الأرض بثبات واعتدال القامة؛ لنطرد التوتر والإرهاق مع تكراره عدة مرات خلال ساعات العمل، فيتجدد نشاطنا.
ويمكن وضع اللسان في أعلى سقف الحلق لثوانٍ مع تهدئة ملامح الوجه واسترخاء الكتفين والاستمتاع بالهدوء.
يندمون وحدهم!! ونجد بعض من يمتلكون سيارات حديثة، ويكتفون بذلك ويستهترون بالقيادة وبالصيانة الدورية، فيستهلكونها سريعا ويندمون وحدهم.
وهو ما يفعله كثير من الشباب -مع الأسف- فلا يحترمون شبابهم ولا صحتهم وإمكاناتهم، فيبددون أعمارهم في السهر والشات والعلاقات العابرة، ويكتفون بقشور النجاح، ويسرقون فرصهم في النجاح والسعادة بأيديهم.
والسائق النبيه لا يشترط كي يقود سيارته أن يلتزم الجميع بحسن القيادة وبأخلاقها، ولا يضع ذلك شرطاً ليستمتع بالقيادة، ويكتفي بالانتباه الذكي دون توتر ولا تجاهل لغباوات الآخرين؛ ليتفاداها ثم يسعد بالقيادة. فلْنتجاهل الفاشلين بعد التعلم من أخطائهم، ونحتفل بعدم انضمامنا إليهم، ولا نسمح بذلك أبدا ولا نعطيهم الفرصة لتكدير صفونا. اكتسب هذه الثروة! ويحب السائق تدليل سيارته بتحديثها وشراء كماليات جديدة لها وطلاء الخدوش وتحديث الأساسيات...
فلنحرص على تنمية وعينا دائما، ومتابعة ما يدور حولنا في العالم عامة، وفي بلادنا خاصة.
فالوعي ثروتنا الحقيقية مع تحسين حياتنا بلطف ودون تعجل؛ حتى لا نصاب بالإحباط اللعين الذي يسرق منا رغبتنا في النهوض بحياتنا وبأوطاننا أيضاً.
فالناجح في مجاله والمطوّر لإمكاناته بالدورات والقراءات الواعية سيضيف لبلده، وينشر الوعي بين أصحابه بتدرّج ودون تقمص لدور الأستاذ؛ حتى لا يحصد النتائج العكسية.
وسيضاعف انشغالنا بأدوار أكبر من نجاحنا الشخصي من اتساع الأفق لدينا، وينمي الطاقات بشرط التوازن بين أدوارنا.
فتحسين الحياة من حولنا مثل تمهيد الطرق يحسن القيادة، فلنسع جميعا إليه، ولا نستعجل قطف الثمار ونعطيها وقتها لتنمو ولو بعد حين؛ فهذا أفضل من عدم وجودها. أعطال.. ولكن!! وأتمنى عند اضطرابنا في مشوار النجاح الاهتمام بالإصلاح حتى لا نهبط سريعا، ولنكن مثل السائق الذي يسارع بإصلاح العطل، فلا يتسع ويصعب إصلاحه، أو يكلفه الكثير من المال والوقت لتأخره في الاصلاح.
ويهتم السائق الواعي بتغيير فلتر البنزين كل فترة، وأتمنى فلترة أفكارنا والأشخاص الذين يتواجدون في حياتنا وتصرفاتنا؛ لنُبقي على ما يضيف إلينا، ونتخلص "برفق" مما يخصم منا.
ولنتمتع بفرامل قوية فلا نصطدم بالمشاكل، ونهتم بطرد ما يؤذينا أولا بأول ولا نتجاهله.
ولنضع أمامنا إشارات مثل إشارات المرور؛ فعندما يختفي الضوء الأخضر ويظهر الأصفر فلنسارع بالتوقف لمراجعة الموقف، ولا ننتظر الأحمر حتى لا تتفاقم الأمور.
وعندما يتعب السائق لا يتجاهل ذلك حتى لا يتعرض لحادثة، ويستريح، ويجدد نشاطه، ويقود ببطء؛ ليصل بأمان، ولنسترح عند شعورنا بالإجهاد، مع عدم السماح بتكرار الوصول للإجهاد الشديد؛ لاستنزافه الطاقات، ولبذلنا مجهوداً كبيراً لاستعادة قوانا، وحتى لا يصبح عادة فنهزم أنفسنا.
وكما نفرح بالسيارة الجيدة، فلنفرح بالنجاح، ونحافظ عليه، ونزيده، ونحتفل به "وحدنا" يوميا. أغلق الأبواب!! ولنتذكر أن القيادة ببطء شديد لفترات طويلة تضر المحرك، والسرعة الزائدة تعرض السائق للخطر، فخير الأمور الوسط.
ولنتوقف لنعرف هل يوجد طريق أفضل لنصل لأهدافنا ولا نصر على الطرق المألوفة فقط، ولنغلق أبواب عقولنا أمام أسباب الفشل، كحرصنا على إغلاق أبواب السيارات منعا لسرقتها.
وأتذكر شخصية عامة التقيت بها منذ سنوات، وأخبرني أنه بعد تقاعده من عمله المرموق راح يكتب يومياً مقالات وسكرتيرته تسأله: ماذا ستفعل بها؟ فرد: سيأتي يوم لأستفيد منها. وأخبرت عندئذ شاباً امتلك كل مقومات المستقبل الرائع بهذا الحديث فسخر منه.
ومضت أعوام فإذا بالعجوز المتقاعد ينجح في حياته الجديدة بأضعاف نجاحه السابق، بينما تراجع الشاب بصورة بشعة؛ لأنه "شبع" من النجاح المزيف، بينما من يذق النجاح الحقيقي لن يشبع منه أبدا.
فالنجاح للأبد مسئولية كل ناجح وحده -بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع- فالحياة لن تعطينا أكثر مما نعطيه لأنفسنا، فلنمنح أنفسنا ما نرى أننا "نستحقه"!.