تباينت المهن والصناعات في مصر على مر الزمن، تبعا لمتطلبات المجتمع والحاجة إليها، وهناك العديد من الصناعات التي ظهرت منذ عقود، واختفت في ظل التطور الحادث، ومنها ما زال حيا حتى الآن. سنلقي الضوء على بعض هذه المهن والصناعات المنسية، مثل: الطرابيشي (صانع الطرابيش)، مبيّض النحاس، مكوجي الرجل، سمكري بواجير الجاز، سروجي الأحذية، وسنبدأ اليوم بالطرابيشي، ومبيض النحاس. * الطرابيشي: انتشر استعمال الطربوش في مصر منذ سنوات عديدة، وكان زيا أساسيا للرجال في المناسبات الرسمية، حيث كان يضفي وقارا وحُسنا على من يرتديه، ويدل على التميّز وارتفاع المستوى المعيشي، وهو شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية. ومنذ ما يقرب من 60 عاما اختفى الطربوش وانزوى نهائيا ولم يعد أحد يرتديه، ولم يبق له سوى الصور التذكارية، وقد اشتهر أفراد العائلات المصرية العريقة بارتدائه، مثل: عائلة سعد زغلول، وطه حسين، ومصطفى لطفي المنفلوطي. وكان صانعو الطرابيش ينتشرون في منطقة الحسين والصاغة وحارة اليهود، كما كان الأبناء يتوارثونها عن آبائهم وأجدادهم، وكانت لهم ورش خاصة لتصنيعه. الطربوش يُصنع من الورق المقوّى والقماش الأحمر الفاتح أو الغامق، ويتخذ شكلا مخروطيا غير مكتمل، وتتدلى من الجانب الخلفي منه حزمة من الخيوط الحريرية السوداء. وصناعة الطرابيش ليست بالمهنة السهلة كما يعتقد البعض، بل إنها شاقّة وتتطلب مجهودا كبيرا، وتتنوع أشكال وأنواع الطربوش، فمنه: المصري، والتركي، والمغربي.
يستعمل مبيّض النحاس أدوات خاصة في عمله * مبيض النحاس: تعددت أشكال الأواني النحاسية على اختلاف أنواعها، فمنها ما كان يستخدم في طهي الطعام ومنها ما كان مخصصا لغسيل الملابس، ومنها ما كان يستخدم في غسيل الأيدي، وتُقاس مدى ثراء الأسرة أو فقرها بعدد أواني النحاس التي يمتلكونها. وكانت مهنة مبيّض النحاس لها مكانة كبيرة في المجتمع، وكانت تُدرّ ربحا كبيرا على من يعمل بها، فقد كان له يوم محدد يمر فيه على الحي أو القرية ويتجمع الأهالي محضرين معهم أوانيهم النحاسية، ويقوم مبيّض النحاس باستعمال أدواته، وغالبا ما كانت تشاركه زوجته العمل. يحضر مبيض النحاس معه كمية من الرماد الأحمر الناتج عن تصنيع الطوب الأحمر وماء النار، ليضعهما داخل الأواني النحاسية، ويضع طبقة كبيرة من الخيش ويقوم بالوقوف داخلها، ويدعكه بقدميه بحركة دائرية منتظمة إلى أن يلمع النحاس وتُزال من فوقه الطبقة الخضراء. ثم يقوم بعد ذلك بغسل الأواني جيدا وتسليمها لأصحابها جميلة وبرّاقة، ويقوم الأهالي بإعطائه ما يجودون به عليه من خيرات البيت، لكن مع مرور الزمن توارت هذه المهنة، وبدأت تنتشر الأواني المُصنّعة من الألومنيوم. وبذلك نكون قد تناولنا بعض هذه المهن والصناعات المنسيّة، وسنستكملها في الحلقة القادمة إن شاء الله، انتظرونا،،،