لا تزال الحكومة المصرية تواجه انتقادات واسعة النطاق لتقاعسها عن إدارة الأزمات التي واجهت البلاد خلال السنوات الأخيرة، من أزمة رغيف العيش إلى إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وأخيرا أزمة السيول التي واجهتها البلاد قبل شهرين. ففي يناير الماضي داهمت سيول شديدة منطقة شبه جزيرة سيناءوأسوان، وتسببت السيول في عزل شطري مدينة العريش بعدما غمرت السيول الوادي الذي يفصل شرقها عن غربها، وامتدت السيول من وسط سيناء حتى مدينة شرم الشيخ التي غمرتها السيول بدورها، مسببة دمارا واسعا في طرق ومنشآت المدينة السياحية الحيوية، وتسببت في انهيار سقف مطار شرم الشيخ الدولي وتوقف الملاحة الجوية لساعات طويلة، وقامت سلطات الطيران بإغلاق المبنى القديم لمدة ثلاثة أسابيع للصيانة وإصلاح الانهيارات، وفي وسط سيناء عزلت السيول آلاف المواطنين الذين فروا من مواجهة السيول إلى المرتفعات، مواجهين خطورة البرد الشديد. وجاء تدخل القوات المسلحة المصرية للمشاركة في عمليات الإيواء والإغاثة والإنقاذ, وصرف المواد الغذائية للمتضررين في وقته، مما ساهم في وقف الكارثة قبل تفاقمها، كما قامت بإصلاح كل ما اخترقته السيول ودمرته وتخصيص أراضٍ لبناء منازل بديلة للمضارين. الغضب الشعبي بدا واضحاً خلال زيارة أحمد نظيف رئيس الوزراء لمدينة العريش، حيث تظاهر الأهالي ضد نظيف ورفضوا مقابلته، وغادر نظيف المدينة بعد دقائق من وصوله إليها. فسرت الحكومة كالعادة حدوث الكارثة بأنها لم تكن متوقعة، وصرح المتحدث باسم وزارة الصحة بأن السيول تسببت في وفاة 4 أشخاص وإصابة41 آخرين. وأكد الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية أن السيول التي تعرضت لها البلاد فاقت كل المعدلات التي شاهدناها من قبل, وهي لم تحدث منذ 29 عاما مما تسبب في حدوث أضرار وخسائر كبيرة, مشيرا إلى أن المحافظات المتضررة قامت بجهود سريعة للتعامل مع الكارثة, حيث تم فصل التيار الكهربائي عن الأبراج والأعمدة لتأمين المواطنين, وسحب المياه المتراكمة بمناطق السيول وحول القرى والنجوع, مع تقديم الإعانات والمساعدات العاجلة من بطاطين وخيام لإيواء المضارين, وتسكينهم بالمدارس ومراكز الشباب, وتوفير الغذاء لهم إلى جانب تحويل بعض الطرق التي جرفتها السيول مثل طريق الزعفرانة رأس غارب, فضلا عن إصلاح خطوط المياه علي طريق سفاجا قنا, وشفط المياه من الطرق الداخلية. على إثر الخسائر التي لحقت بالأشخاص والممتلكات أمر الرئيس مبارك بصرف 15 ألف جنيه لكل من تهدم منزله كليا بمحافظات أسوان وشمال وجنوب سيناء، بالإضافة إلى تخصيص قطع أراضٍ مساحة كل منها300 متر لبناء منازل بديلة. كما أمر الرئيس مبارك المحافظين بتوفير الرعاية الصحية لجميع مصابي السيول, وكذلك المساعدات الغذائية للأسر المنكوبة, وتقديم سبل الإعاشة لها. الشاهد أن السيول ليست مفاجأة غير متوقعة؛ فخلال العصر الحديث تكررت السيول ودمرت بعض قرى الصعيد وغيرها في دورات متكررة في أعوام: 1975، 1979، 1980، 1981، 1982، 1987، ودمرت طريق الطور نويبع بجنوب سيناء عام 1990، وتعرضت القاهرة نفسها إلى السيول عام 1994، وتزامن ذلك مع سيول أخرى في أسيوط والمنيا، ثم الغردقة عام 1997. إذن فالسيول ليست كارثة غير متوقعة، بل التاريخ الحديث والقريب يؤكد احتمال وقوعها، لكن الحكومة تجاهلت كل هذه الاحتمالات وشاركت في تحقيق الكارثة بإنشائها مباني ومنشآت حكومية في مرمى السيول، الأمر الذي شجع الأهالي أنفسهم على فعل المثل متناسين خطر السيول المتوقعة في أي وقت. سيناريو الفشل الذريع الذي أدارت به الحكومة المصرية أزمة السيول في مصر لا يعد غريبا من حكومة فشلت من قبل في التعامل مع الأزمات خلال الأعوام الماضية: من أزمة طوابير العيش الشهيرة إلى الإخفاق في مواجهة إنفلونزا الخنازير، وحتى التعامل مع أزمة مباراة مصر والجزائر في أم درمان، والتي فشلت فيها الحكومة حتى في الحصول على اعتذار جزائري رسمي يحفظ كرامة المصريين.