رسائل الطمأنة والتحذير    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يكشف عن المحافظة الأعلى في نسب الزواج    حوار| بدر عبد العاطي: مصر لن توقف جهودها في دعم أشقائها ب «فلسطين والسودان ولبنان»    وصول طائرة مساعدات أردنية إلى لبنان    بعد 5 جولات| مرموش يتألق ويتصدر هدافي الدوري الألماني    موعد حفل أنغام ضمن فعاليات «ليلة العمر»    طائرات الاحتلال تشن غارات مكثفة على ميناء الحديدة في اليمن    1640 شهيدا و8408 مصابين جراء عدوان إسرائيل على لبنان منذ أكتوبر الماضي    وسائل إعلام عبرية: حسن نصر الله توفى نتيجة الاختناق وفى مكان بدون تهوية    20 فرصة عمل في القليوبية (المؤهل وسن التعيين)    محافظ الإسماعيلية يتابع الحملة المكبرة للتفتيش على سوق السمك الجديد    أجواء معتدلة على مطروح والساحل الشمالي والحرارة 30° والرطوبة 50٪.. فيديو    «طب الإسكندرية» تنعى الطالبة سهيلة نصر.. وتؤكد: غير مقيمة بالمدينة الجامعية    مصرع عامل سقطت عليه قطعة حديدية بمدينة 6 أكتوبر    إخماد حريق محدود في محطة وقود سيارات بالشرقية    الجولة النهائية لبرنامج «قادة الهندسة» بحضور وزير التعليم العالي غدا    الأفلام المؤهلة للحصول على جائزة نجمة الجونة الخضراء    "تنشيط السياحة" بالإسكندرية تنظم احتفالية اليوم العالمى للسياحة    بطولة آيتن عامر.. فيلم عنب يفشل في تحقيق 100 ألف جنيه السبت    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    نائب محافظ قنا يشهد فعاليات "بداية" للكشف المبكر عن سوء التغذية بالمدارس    وزير المالية لممثلي المجتمع التجاري والصناعي: نمد إليكم «يد الثقة والشراكة والمساندة» بحلول عملية توفر حلولا متكاملة للتحديات الضريبية    مفتي الجمهورية ينعى شقيقة الدكتور أحمد عمر هاشم    طبيب قلب: تجنب التدخين والوزن المناسب والرياضة حلول تمنع تصلب الشرايين    حملة مكبرة لإزالة أماكن النباشين بمدينة الإسماعيلية    ميكالي يوقع عقود تدريب منتخب الشباب.. ويتفق مع اتحاد الكرة على تفاصيل المرحلة المقبلة    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    تعرف على إجراءات التقدم بطلب لشركة المياه لنقل ملكية العداد    وزير الطاقة الإسرائيلي: نبحث عن ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز مع لبنان    بنتايك: حصد السوبر الإفريقي شعور لا يوصف.. والقادم أفضل    «كوت أوفسايد»: الموسم الحالي قد يكون الأخير ل محمد صلاح في ليفربول    الكهرباء تزف بشرى للمواطنين بخصوص فواتير الاستهلاك لشهر سبتمبر    لمسات فنية.. معرض تشكيلي في ختام النشاط الصيفي بالإسماعيلية    الأزهر يناقش مفهوم التربية الجمالية: كيف يكون جمال المظهر والمخبر    حسام حسن يقرر استبعاد النني وأحمد حجازى من قائمة منتخب مصر لمباراتى موريتانيا في التصفيات المؤهلة لأمم أفريقيا    هل قصد ناصر منسي الرد باحتفاله على رامي ربيعة وعمر كمال؟.. اللاعب يوضح    بينها رفعت عيني للسما.. 12 فيلما تشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة بالدورة السابعة لمهرجان الجونة    مدير إدارة حدائق أكتوبر التعليمية تتفقد انتظام سير الدراسة بعدد من المدارس    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    ضبط مواد غذائية مجهولة المصدر بحملة تموينية فى العاشر من رمضان    رئيس حزب الاتحاد: الشرق الأوسط ينزلق إلى حرب شاملة    ماء الليمون الأبرز.. 6 مشروبات صباحية لتقليل الإمساك وتحسين الهضم    سيارات تويوتا وجيب وبيجو للبيع في مزاد علني.. الشراء بالرقم القومي    عادل السنهوري ل شريف مدكور: عبقرية سيد درويش أن ألحانه تعيش منذ 100 عام    احذر.. حبس وغرامة مليون جنيه عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    لتهالكها.. رفع 49 سيارة ودراجة نارية من الشوارع خلال 24 ساعة    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    رئيس أكاديمية الشرطة: الرئيس السيسي يقود مسيرة البلاد نحو التنمية والتقدم    توزيع 1000 شنطة سلع غذائية على الأسر الأولى بالرعاية في كفر الشيخ    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    أول تعليق من هانز فليك بعد رباعية اوساسونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفلام الحافظة الزرقاء.. راشومون
نشر في بص وطل يوم 29 - 01 - 2013

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
هذا هو مبدأ الراوي الذي لا يوثق في كلامه.. ليس من يحكي القصة شريفًا صادقًا دائمًا.. ربما كان يتلاعب في الأحداث، وربما شهادته زائفة، المشكلة هي أننا لا نسمع القصة بكلماته ولكننا نراها رأي العين، وهذا يجعلنا مستعدين للتصديق..
تقنية الراوي الذي لا يوثق بكلامه Unreliable narrator تستعمل بكثرة في الأعمال الأدبية، ومن قرأوا رواية "مصرع روجر أكرويد" لأجاثا كريستي يعرفون أن الراوي كان يكذب عن طريق إغفال تفاصيل مهمة.. هناك مثال آخر قوي جدًا هو "المشتبه فيهم المعتادون" الذي قدّمناه منذ فترة.. الآن يأتي العبقري الياباني أكيرا كوروساوا ليقدم لنا عمله الشهير "راشومون" الذي يجعلنا في حيرة بالغة.. لا نعرف أبدا ما حدث فعلاً لأن كل الإجابات معقولة.. وهكذا دخل مصطلح "تأثير راشومون" إلى الأدب العالمي وإلى قاموس أكسفورد ليدل على حيرة الشخص إزاء عدة شهادات كلها تبدو صادقة.. هذا يجعل المرء قلقًا بصدد كتب التاريخ وشهادات شهود العيان كلها.

المخرج الياباني كوروساوا العظيم
نستعيد معًا ما قلناه عن كوروساوا العظيم عندما قابلنا فيلميه "الساموراي السبعة" و"أحلام"، فقلنا إن له عالمه الخاص الياباني جدًا، حيث تشعر أن كل كادر نقش ياباني أنيق.. وإن لم ينكر أنه تأثر بشكسبير كثيرًا.. وقد قدم هذا المبدع أفلامًا يعرفها الغرب جيدًا ويعرف قيمتها؛ ومنها "راشومون" و"كاجيموشا" و"ران" و"أحلام" و"الساموراي السبعة"... إلخ. ومع كل فيلم يفتح الغرب فمه في ذهول، ويقتبس شيئًا من عالم هذا العبقري.. لو لم يوجد كيروساوا لما وجد جورج لوكاس وستيفن سبيلبرج وروبرت ألتمان.. هم قالوا هذا بلسانهم..
لا كرامة لنبي في وطنه، لهذا واجه كيروساوا مشاكل عديدة في تمويل أفلامه في اليابان، لدرجة أنه حاول الانتحار ونجا بمعجزة، وهكذا قام تلاميذه الأمريكان المليونيرات المخلصون من عينة سبيلبرج ولوكاس بمنحه شيكًا على بياض ليخرج أي حلم يخطر بباله، وكانت هذه عودته مع فيلم "كاجيموشا" أو "ظل المحارب" الذي سوف نتكلم عنه في حلقة قادمة.
هذا هو فيلم "راشومون" الذي قدّمه عام 1950 بالاشتراك مع المصور السينمائي الرائع كازو مياجازا.. والفيلم عن قصة "في البستان" للأديب الياباني أكوتاجاوا.. نال الفيلم انبهار العالم الغربي على الفور، ولفترة طويلة كان نجاحه مضمونًا في أي مسابقة.
بالمناسبة يمكنك تحميل الفيلم كاملاً دون قرصنة من هنا:
إضغط لمشاهدة الفيديو:
راشومون هو ذلك المعبد في الأحراش الذي يتوارى فيه الحطاب والكاهن من الأمطار.. وحيث يتبادلان سرد القصص المخيفة التي تدل على فساد الطبيعة البشرية.. القصة التي يحكيها الحطاب تدور حول عثوره عل جثة محارب في الغابة، وكيف أنه أبلغ السلطات للبحث عن القاتل..

إضغط لمشاهدة الفيديو:
الأمر يتعلق كذلك باغتصاب زوجة.. زوجة الساموراي.. هكذا إذن نحن نتكلم عن جريمة قتل وجريمة اغتصاب، تقبض المحكمة على المتهم الأول: قاطع الطريق البلطجي تاجومارو الذي يبدو كذئب أشعث شرس جعجاع.. الممثل توشيرو ميفون نجم محبب لدى كيروساوا، وقد قضى ساعات يدرس سلوكيات الأسد قبل أن يقوم بالدور:

إضغط لمشاهدة الفيديو:
القصة التي يحكيها البلطجي قاطع الطريق للمحكمة تدور حول أنه استدرج الساموراي وزوجته الشابة، وهناك قيد الساموراي لشجرة.. وهدد المرأة بالخنجر لينالها، طلبت المرأة من قاطع الطريق أن يحرر زوجها ويدخل معه في مبارزة.. هكذا سوف يموت أحد رجلين يعرفان عارها.. بالفعل يتم ذلك ويقتل قاطع الطريق الساموراي..
تحكي الزوجة قصتها.. قالت إن البلطجي تركها بعد الاغتصاب، أطلقت سراح زوجها وتوسلت له أن يقتلها لكنه لم يفعل.. لم تدر كيف ولا متى فعلت ذلك، لكنها وجدت أنها قتلت زوجها وأن خنجرها مغروس في قلبه، كأنها لم تتحمل جبنه ونذالته...
الآن يحكي الساموراي القتيل قصته، إن الاتصال بعالم الأرواح سهل جدًا في الثقافة اليابانية وله مفرداته الشهيرة.. لا بد من كاهنة شامان تأتي وتحاول استحضار الروح.. روح الزوج تأتي في مشهد مرعب فعلاً لكنه مفعم بالتقاليد اليابانية:

إضغط لمشاهدة الفيديو:
القصة التي تحكيها الروح مختلفة جدًا.. بعد اغتصاب الزوجة طلبت هذه من قاطع الطريق أن يقتل زوجها ليموت سر عارها معه.. لا يفعل قاطع الطريق هذا ويفضل أن يطلق سراح الزوجة، وفي النهاية ينتحر الزوج بأن يغرس الخنجر في صدره.
هنا نكتشف أن هناك شاهدًا آخر رأى كل شيء، لكنه كتم شهادته حتى لا تحتجزه المحكمة.. هذا الشاهد هو الحطاب.. في قصة الحطاب نرى أن قاطع الطريق وقع في حب الزوجة لكنها أطلقت سراح زوجها.. حاول زوجها ألا يشتبك مع قاطع الطريق، لكنها أعلنت اشمئزازها من هذين الرجلين اللذين لا يتصارعان من أجل امرأة يحبانها.. في النهاية انتصر قاطع الطريق تاجومارو ففرت الزوجة مذعورة..
هنا يتوقف سرد القصص لأن الحطاب والكاهن وعابر سبيل يجدون طفلاً رضيعًا في سلة.. ويحاول عابر السبيل سرقة أشياء كانت مع الطفل في سلته.. لكن الحطاب يمنعه.. الحقيقة هي أن الحطاب نفسه سرق خنجر الساموراي القتيل.. هكذا يستنتج عابر السبيل أن الإنسان مخلوق أناني شرير ويغادر راشومون.. لكن يقرر الحطاب أن يأخذ الطفل معه ليربيه.. هذا يمنح الكاهن إيمانا جديدا بالبشرية وبطيبة قلب الناس، وهنا تتوقف الأمطار التي لم تكن قد توقفت منذ بداية الفيلم:

إضغط لمشاهدة الفيديو:
ما هي القصة الحقيقية؟ ماذا حدث فعلاً؟ لا أحد يعرف.. كلهم كاذبون.. أو أحدهم صادق..
الفيلم قطعة من الفن الرفيع وكل شيء فيه مختلف. هناك ابتكارات تقنية كثيرة، منها أن الاعتماد على أشعة الشمس كامل في كل اللقطات مع استعمال مرايا ضخمة، ومنها أن المطر كان غير ظاهر لذا أضافوا للماء الساقط من أعلى بعض الحبر، ومنها استعمال الكاميرا المحمولة خلال المطاردات في الأحراش.. هناك تقنية مهمة في المونتاج هي استعمال عدد هائل من اللقطات القصيرة الخاطفة لإعطاء التأثير المطلوب.. هكذا يحوي هذا الفيلم ضِعْف عدد لقطات أي فيلم آخر.
اتهم كثيرون كوروساوا بأنه تأثر بتحفة أورسون ويلز "المواطن كين" في هذا الفيلم، والحقيقة أنه لم يكن قد رأى الفيلم بتاتًا قبل إخراج راشومون.. خضع الفيلم لدراسات مطولة وتحليلات عديدة ليس هنا مكانها على كل حال، لكن كثيرين قالوا إن الفيلم يرمز لحيرة اليابان وفقدان هويتها بعد الهزيمة والقنبلة الذرية.
فاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز، ومن أجله ابتكرت لجنة جوائز أوسكار جائزة "أفضل فيلم أجنبي".. حاول أن تشاهده في أقرب فرصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.