"كوكاكولا" جابت نانسي عجرم لإعلانها.. "بيبسي" جابت دنيا سمير غانم.. "فودافون" جابت نص فناني مصر في الإعلان، لكن ردت عليهم "قطونيل" وجابت رئيس الوزراء بحاله لعمل إعلان لها. كانت هذه أكثر التعليقات التي أضحكتني على موقع "فيسبوك" الذي تناقل مستخدموه الكثير من الإفيهات اللاذعة والصور الكاريكاتورية الساخرة؛ تعليقا على بيان رئيس الوزراء دكتور هشام قنديل حول أزمة تكرار انقطاع التيار الكهربائي في مصر، وضرورة ترشيد استخدام الكهرباء في المنازل بارتداء الملابس القطنية والجلوس في غرفة واحدة، ليفجّر هذا البيان الحسّ الكوميدي الفكاهي المتأصّل في الجينات المصرية، بينما يُثير ضيق صاحب شركة "قطونيل" الذي أكّد لجريدة "الوطن" أن تصريحات رئيس الوزراء لا تستحقّ السخرية، وقد تُساهم في رفع مبيعات الأقطان، لتثبت مقولة صاحب الشركة صحة التعليق الساخر بأن رئيس الوزراء هو الوجه الإعلاني ل"قطونيل".
لكن أزمتي الشخصية تجاه بيان السيد رئيس الوزراء أنني لا أستطيع أن أُؤيّده بشكل كامل، أو أرفضه رفضا باتا مصحوبا بالسخرية مثلما فعل الكثيرون؛ فالجانب العقلاني المنطقي في البيان أنه بالرغم من وجود 218 محطة حرارية لتوليد الكهرباء في مصر بالإضافة إلى السد العالي والمحطات الكهرومائية، وضخ استثمارات حوالي 40 مليار جنيه خلال السنوات الخمسة الماضية؛ فإن القدرة المتاحة للمستهلك المصري من الكهرباء وصلت إلى حوالي 24 ألف ميجاوات، بينما وصل الحمل الأقصى هذا العام إلى 27 ألف ميجاوات خلال شهر أغسطس، بعجز 3 آلاف ميجاوات يقدّر بحوالي 10 : 12% في الطاقة الكهربية المطلوبة لتغطية احتياجات الصناعة والاستهلاك المنزلي والزراعة؛ فكيف تسدّ الدولة هذا العجز؟
لا حل سريع إذن إلا بترشيد استهلاك الكهرباء التي زاد استهلاكها هذا العام بنسبة 12% عن العام الماضي، بينما يحتاج بناء محطات جديدة للكهرباء من 40 إلى 50 شهرا على أقل تقدير، والترشيد بحسب ما جاء في البيان يعني أن المواطن المصري إذا أطفأ لمبة واحدة قدرتها 40 وات في وقت الذروة وكان عدد المشتركين الذين سيُشاركون في ذلك 25 مليون مشترك يُصبح ما يمكن توفيره حوالي 1000 ميجاوات؛ فماذا لو تمّ إطفاء 3 أو 4 لمبات؟
وإذا كان في مصر 6.5 مليون جهاز مكيّف؛ فإنه عند إطفاء جهاز مكيف واحد ممن يمتلكون جهازين أو أكثر نجد أن المليون جهاز مكيف يُوفّر حوالي 1500 ميجاوات، وهناك إجراءات أخرى كثيرة؛ مثل شراء أجهزة موفّرة أو تركيب لمبات موفّرة للطاقة، أو عدم وضع الأجهزة على وضع ""standby (الاستعداد)، والذي يستهلك الجهاز فيه 10% من الاستهلاك المقنن له، كما أن وضع مؤشر الحرارة للمكيّف عند درجة 25 درجة مئوية يقلّل حوالي 20 : 25% من استهلاك الجهاز.
كما أن أئمة المساجد إذا ما قاموا بتخفيض 50% من الإضاءة والمكيفات؛ فلن يشعر المصلّي بأي تغيير؛ حيث إن تخفيض استهلاكات المواطنين لن يجعل شركة الكهرباء مضطرّة لفصلها عنهم.
لكن ما لم يعجبني في البيان أن السيد رئيس الوزراء قد ساوى في خطابه بين جميع أفراد الشعب، رغم أن منهم مَن يعيش في شقة غرفتين وصالة، والبعض يعيش في غرفة وصالة، والبعض يعيش في غرفة واحدة فقط؛ فكيف نطلب من الجميع التقشّف والتوفير؟ هل هذه هي العدالة الاجتماعية؟!!
لماذا لا تتم محاسبة بعض المناطق الراقية وسكان المدن الفاخرة التي تتحفنا بها الإعلانات ليلا ونهارا عن وجود فيلل فيها بمقدّم مليون جنيه فقط بشكل عادل يتوازى مع رفاهيتهم وحياتهم الميسورة التي تجعل بيوتهم بها أكثر من جهاز مكيّف؛ بجانب العديد من الأجهزة التي تبتلع الطاقة سواء السخان الكهربي وغسالة الأطباق والمجفف؛ حيث إن استهلاكهم للطاقة مرتفع جدا.
لماذا لا يتم إلغاء التعريفة الموحّدة على فاتورة الكهرباء كما يحدث في معظم البلدان وتكون المحاسبة بنظام الشرائح؛ فإذا تعدّى الاستهلاك حدا معيّنا تتضاعف الفاتورة عدة مرات، وبالتالي سيحرص الناس على عدم استهلاك كهرباء ليست مهمة؟
كيف أصلا يبدأ السيد رئيس الوزراء بيانه الموجّه إلى الشعب قبل أن يحاسب المسئولين عن ترك أعمدة الإنارة التي تعمل نهارا، بالإضافة إلى ترك اللمبات مفتوحة في بعض المصالح الحكومية أحيانا، في حين أن الحكمة تقول: "إذا كان رَبّ البيت بالدف ضارب؛ فشيمة أهل البيت الرقص"، وأن الحكومة عليها أن تبدأ بنفسها؟
وماذا عن المكاتب الفخمة للمسئولين وقصور كبار رجال الدولة؛ هل تمّ فيها استبدال اللمبات العادية بالموفّرة للطاقة؟ هل تمّ فيها ترشيد الاستهلاك وتشغيل جهاز مكيّف واحد بدلا من جهازين؟ أم إنكم ينطبق فيكم قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}؟!!
وأخيرا وليس بآخر، فقد سئمنا من لقب "البلد الساهر"، وإذا كنتم تريدون ترشيد الاستهلاك وزيادة العمل والنشاط بين أفراد الشعب؛ فلتصدروا قوانين بشأن إغلاق المقاهي والمولات والأنشطة التجارية غير المهمة من بعد الساعة العاشرة مساءً، وإلا سيتمّ توقيع غرامات عليها ومحاسبتها بأسعار مرتفعة في الكهرباء؛ إذ لم نسمع عن أن أي دولة تقدّمت وقد سهرت محالها وشوارعها حتى الفجر في الوقت الذي تعانى فيه الدولة من أزمة كهرباء.