يقول المحلل السياسي الإسرائيلي أمير بوحبوت: "بفضل الملحق العسكري لاتفاقية كامب ديفيد -الموقّعة بين مصر وإسرائيل في عام 1979 - تمتعت إسرائيل وحدها بصلاحية التعامل مع أية مخاطر في المنطقة منزوعة السلاح بسيناء، بينما بقي الجيش المصري خلف قناة السويس". في هذه الجملة القصيرة التي أتت بشكل عرضي في وسط موضوع تحليلي، كمُنت المشكلة الحقيقية التي يمكن أن نقول -ولن نكون خاطئين في الغالب- إنها السبب الرئيسي في كل القلق والحوادث الجارية بسيناء. فبعيدا عن كل بنود كامب ديفيد التي قد تتفق معها أو تكرهها، هناك ملحق عسكري به مواد منظمة لتواجد القوات والحماية داخل سيناء وعلى الحدود الإسرائيلية، وبنظرة سريعة يمكنك أن تكتشف الآتي:
خريطة توضح المناطق أ - ب - ج - د باتفاقية كامب ديفيد وفقا للخريطة المبينة؛ فإن هناك أربع مناطق يتم تحديد انتشار القوات بها، ثلاث منها داخل حدود مصر، والأخيرة داخل حدود إسرائيل. ولاحظ معي عزيزي القارئ عدّة أمور: 1- أن مناطق تحديد القوات شاملة شرق القناة بأكمله، أي أن سيناء بالرغم من تحررها في حرب أكتوبر؛ فإنها حتى هذه اللحظة منطقة منقوصة السيادة، لا تستطيع أعلى سلطة مصرية أن تقرّر أمرها دون الرجوع إلى تدخل أجنبي ينحصر في (أمريكا وإسرائيل). 2- عمق المناطق محددة القوات في مصر واتساعها، في مقابل شريط حدودي ضيق للغاية (يمثله الخط البنفسجي اللون على الخريطة) في إسرائيل فقط تمّ تحديد قواته؛ وهو ما يعني أن مساحات شاسعة مصرية منقوصة السيادة، في مقابل عدّة كيلومترات قليلة لدى إسرائيل. 3- تعالى هنا لننظر لتقسيم فهناك المنطقة (أ) أو (A)، وهي المنطقة القريبة للجانب المصري والملامسة لقناة السويس، هذه المنطقة فقط المسموح بتواجد قوات عسكرية بها هذه القوات محددة بكونها فرقة مشاة ميكانيكية واحدة، وحتى هذه الفرقة عددها محدد وتقسيم الأسلحة داخلها محدد، فلا يمكن للفرقة أن تحمل أسلحة سوى صواريخ فردية أرض/ جو، ولا يمكن أن يتواجد بها أكثر من 230 دبابة و480 مركبة أفراد مدرعة، على ألا يزيد عدد كل من يتواجدوا في منطقة على 22 ألف فرد. أما المنطقة (ب) أو (B) فهي المنطقة التي تقطع في المنتصف، وهذه المنطقة لا تدخلها قوات سوى حرس الحدود فقط، وعددهم لا يزيد أبدا على 4 آلاف فرد، كل أسلحتهم أسلحة خفيفة. أما المنطقة الأخيرة في مصر وهي المنطقة (ج) أو (C)، فلا يسمح لمصر أن يدخل بها ضابط جيش واحد؛ بل تبقى بها فقط شرطة عادية، والتي من المفترض بها أنها مدربة على حماية الداخل والتعامل مع المجرمين العاديين. نأتي للمنطقة الأخيرة (د) أو (D) والتي تقع داخل إسرائيل، وتمثّل شريطا حدوديا ضيقا يقع ملاصقا للحدود المصرية، وانظر عزيزي القارئ ما هو مسموح به من قوات في المنطقة (د) مقارنة لما هو مسموح به في المنطقة (ج)، وهما المنطقتان المتلاصقتان على الحدود بين الدولتين.. فالمنطقة (د) مسموح تواجد قوات عسكرية إسرائيلية بها، تتمثل في أربع كتائب مشاه مسلحة بصواريخ فردية أرض/ جو، و180 مركبة أفراد مدرعة، وعدد أفراد في هذه المساحة الضيقة يصل إلى 4 آلاف فرد. وهكذا لو راجعت كل الأرقام السابقة ستكتشف أن إسرائيل من حقها في المنطقة الملاصقة لحدودنا أن تضع قوات جيش على بعد أمتار من حدودنا، هذه القوات محملة بصواريخ، ومن حق طائرات الاستطلاع الخاصة بها أن تحوم فوق حدودنا، في المقابل أن المنطقة الملاصقة لحدودها لدينا خالية إلا من قوات الشرطة، ولا يسمح بها إلا بالسلاح الشخصي، ولا توجد أية وسائل استطلاع أو طائرات لتكشف لنا ما يدور حولنا. الواقع أنه من الغريب أصلا في ظل هذا التقسيم الظالم وهذا الاستهتار بجزء مهم من أرضنا وهذه السيادة المنقوصة؛ أن نتعجب من كون سيناء منطقة قلاقل. ويمكن ببساطة أن تعِدَ عدد الإغراءات التي تغري أي إرهابي أو جندي أو دولة أو منظمة أو جهاز مخابرات بأن يقوم بعمليات في سيناء: 1- منطقة لم تدخلها المدنية والتعمير بشكل كبير (يأتي هذا كناتج أيضا لاتفاقية كامب ديفيد ولممارسات النظام السابق في سيناء). 2- منطقة -كما وضحنا أعلاه- محددة القوات، وشبه منزوعة السلاح، يعرف كل من يقترب منها أن يد القوات المسئولة عن تأمينها مغلولة باتفاقية محددة. 3- منطقة متاخمة لإسرائيل التي لها عدد كبير من العداوات، ومحتلة لدولة أخرى، وكثيرون من تنظيمات ودول يعنيها كثيرا إيقاع أضرار بإسرائيل، وكان من الأولى في ظل مجاورتنا لدولة احتلال أن نشدّد من تواجد قواتنا على الحدود بيننا وبينها. 4- إسرائيل على الرغم من وجود اتفاقية سلام رسمية بيننا وبينها؛ فإن العلاقات بين الدولتين على المستوى الشعبي ليست جيدة، وما زال أغلب المصريين يعتبرون إسرائيل هي العدو الأول؛ وهو ما يعني أنه على حدودنا دولة يعتبرها غالبية السكان عدوهم، ورغم ذلك لا توجد قوات كافية على هذه الحدود. 5- هناك نزاع فلسطيني-إسرائيلي نظرا لاحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، مما لا شك به أن مصر عامل مؤثر وفعّال في العلاقة بين البلدين، وأن نوعية النظام السياسي المصري القائم ستؤثر كثيرا في علاقة الفلسطينيين بالاحتلال الإسرائيلي والعكس، وعلى ذلك فيهم الطرفين؛ الفلسطينيين بكل فصائلهم (المقاوم والجهادي والمتحالف مع العدو والرسمي)، وكذلك فيهم الإسرائيليين أن يؤثروا في القرارات المصرية، سواء كان ذلك عن طريق السياسية، أو عن الطريق العسكري المختبئ خلف اسم العمليات الإرهابية. 6- وأخيرا الطبيعة البدوية والقاسية لأغلب مناطق سيناء، والتي تغري الكثير من التنظيمات المتطرفة بأن تسكنها، وأن تقوم بعمليات عن طريق أراضيها. ولكل ما سبق.. فإنه لا يمكن أن تبقى سيناء وكل هذه المشكلات والتعقيدات محيطة بها وهي منطقة محددة السلاح؛ وفقا لاتفاقية وضعت في اعتبارها فقط مصلحة إسرائيل، فبتطبيق بنود الملحق العسكري باتفاقية كامب ديفيد؛ كأننا نهدي سيناء لكل من أيدي إسرائيل ومخابراتها، والإرهاب المتطرف على حد سواء. ولذلك فحتى من يوافقون على اتفاقية كامب ديفيد؛ يعتبرون أن موقفهم برجماتي بحت يهدف الصالح المصري أولا، فبعد الهجوم الأخير على رفح أثبتت التجربة أنه بالتأكيد ليس من الصالح المصري أن تبقي مصر على مثل هذا الإجحاف، وأنه يجب أن تكون هناك صيغة أخرى تضمن أمن سيناء التي هي خط الدفاع الأول والضامن لأمن مصر بأكملها.