خرجت النخبة المصرية من مولد الثورة بلا حمص.. ولا شك أن العقاب عادل وأن هذه النخبة قد جنت ما غرست حين تواطأت مع كل الجبهات ولعبت على كل الحبال وكانت النهاية المؤسفة. في الجانب الآخر لعبت جماعة الإخوان المسلمين مباراة سياسية في غاية البراعة مع كل القوى السياسية الأخرى، ارتكبت أخطاء فادحة حين تخلت عن الثوار في موقعة مجلس الوزراء ومحمد محمود وماسبيرو، ولكنها لم تفقد قدرتها على المقاومة والمناورة ونزلت إلى الشارع ولم تغادره لحظة واحدة منذ قامت الثورة، بينما اكتفت نخبة الليبراليين والعلمانيين ورفاق كل صاحب سلطة بالفضائيات والأحاديث والمهاترات والمعارك، وراهنت كما اعتادت دائما على السلطة ولم تراهن على الشعب. لقد أضاعت النخبة المصرية وقتا طويلا في الصراعات والمعارك وفقدت الكثير من مصداقيتها أمام تبديل المواقف، كنت أشاهد الثوار وأدعياء الليبرالية وهم يتنقلون على موائد رجال الأعمال من رموز العهد البائد ويجمعون الثمار من هنا وهناك وخرجوا جميعا بهزيمة ساحقة. لا أعتقد أن هناك هجمة إعلامية شهدها الإعلام بكل وسائله مثل تلك الحملة التي شنتها النخبة المصرية على الإخوان المسلمين والتيارات الدينية، لا أعتقد أن هذه النخبة خاضت هذه الحملة ضد إسرائيل أو الصهيونية العالمية. كانت الحملة تشبه حملات النظام السابق ضد معارضيه في أواخر أيامه، بل إنها كانت أكثر شراسة وتجريحا وكانت النتيجة أن الإخوان المسلمين كانوا أكثر صمودا وأكثر التحاما بالمواطنين حتى جاءت ساعة الحصاد.. هناك خلافات كثيرة يمكن أن نتوقف عندها في موقف الإخوان المسلمين والتيارات الدينية، وهناك سلبيات كثيرة ولكن ذلك لا يعطي أحدا الحق في رفضهم أو إقصائهم عن المشهد السياسي وكأنهم جنود احتلال. أخطأت النخبة حينما رفضت مجرد الحوار وعزلت التيارات الأخرى وزادها العزل شراسة وإصرارا على البقاء وكانت معركة الإعلام المصري في الأشهر الأخيرة أكبر إنجاز حققته التيارات الإسلامية في العصر الحديث، والآن على هذه التيارات التي تدعي المدنية أن تعيد حساباتها وتنزل إلى الشارع وتعيش بين المواطنين، فقد انتهى زمن السلطة وجاء زمن الشعوب.