عمرو حافظ ما هي إلا ساعات قليلة (72 ساعة) ويُقرع ناقوس الانتخابات الرئاسية، ويغادر المصريون بيوتهم لقول كلمتهم الفصل بعد أشهر طويلة من الجدل والحوارات واللقاءات والخناقات والاشتباكات والمؤتمرات والجولات. أشهر طويلة فصلتنا عن هذه اللحظة الفارقة التي أسيلت في سبيلها دماء، كي يقرر المصريون للمرة الأولى منذ آلاف الأعوام من يحكمهم بما يرضى الله ويرضون عنه، بدون تزوير لإرادتهم، وبدون وسيط كان دائمًا يقوم بهذه المهمة نيابة عنهم. وعليه.. أردنا أن نقدم قراءة مجتهدة في فرص وعوامل نجاح وفشل كل مرشح من المرشحين الخمسة الكبار (أو هكذا أظهرت مؤشرات نتائج انتخابات المصريين بالخارج) وهم: عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسى وأحمد شفيق ومحمد مرسي. أبو الفتوح.. يصلح لكل المقاسات الميزة الأساسية التي يلعب عليها أبو الفتوح وحملته الانتخابية في حسم الجولة الرئاسية هي وجود عناصر مختلفة ومتعددة وغير متجانسة بين المؤيدين والمساندين له، فهناك اليساري الذي يدعم فكره ذا الملامح الاشتراكية، وهناك الليبرالي الملهم بفكره المدني واستماتته في الدفاع عن الحقوق والحريات وحرية الرأي والفكر والإبداع. وهناك الإسلاميون، سواء تلك الطيور التي هاجرت معه من جماعة الإخوان أو التي بقيت داخل الجماعة وبقيت أيضًا على دعمه، أو أتباع شيوخ السلفية الذين أعلنوا دعمه، أو حتى الجماهير العادية التي رأت فيه مشروعًا وسطيًا لا يستجيب للرياح المتأسلمة العاتية ولا ينجرف مع الليبرالية الهدامة التي لا تعير للدين وزنًا، وكان ضد نظام أذاقهم المر ومع الثورة وشهدائها. ولكن تلك الخاصية التي يراها كثيرون ميزة يعتبرها البعض الآخر عيبًا فادحًا، لأنه عندما يكون لديك جمهورًا غير متجانس ليس مرتبطًا بصورة مباشرة بالمرشح وبمواقفه يسهل التأثير عليه وتحويل مواقفه كما حدث وتحول بعض أنصاره إلى حمدين صباحي منافسه في الانتخابات. ولكن المؤشرات كلها حتى هذه اللحظة تقول إن أبو الفتوح سيكون ضيفًا في جولة الإعادة باعتباره المرشح الأوفر حظًا والأضخم في عدد المساندين، وإذا حدث ذلك وأصبح في جولة الإعادة في وجه أحد المرشحين المنتمين إلى النظام السابق ففرص نجاحه تكاد تكون محسومة لأنه سيوحد خلفه كل الأصوات المشتتة بين مرشح الإخوان وحمدين. حمدين صباحي.. للثورة مرشح يعبر عنها لا ينكر شخص مهما كان أن أسهم المرشح حمدين صباحي قد بلغت عنان السماء خلال الشهر الماضي فقط، وأن قاعدته الانتخابية قد توسعت بصورة بالغة الضخامة خلال هذه المدة فقط مستفيدًا في ذلك من عدد من الأمور. الأمر الأول هو إعلان مجلس شورى علماء الدعوة السلفية دعم أبو الفتوح في الانتخابات الرئاسية وما أثير عن اتفاق عقد بين أبو الفتوح والدعوة السلفية بالتطبيق المنهجي للشريعة الإسلامية عقب وصوله إلى المنصب الأكبر في البلاد، وما صاحب ذلك من أقاويل أخرى من أنه مرشح الإخوان ولكن "بشَرطة" وأن عداء أبو الفتوح ضد المرشد وليس ضد الإخوان، وستنتهي العداوة برحيل المرشد أو تغير حسابات السياسة. وبالتالي أصبح حمدين هو المرشح الوحيد- أو هكذا هو الأمر في نظر كثيرين- الذي يستمد ثقله من الشعب وحده، بدون جماعة تدعمه، أو منصب رسمي أو دولي يثقله، فضلاً عن لهجته الرافضة لأسلمة الدولة، ولغته الثورية التي أبدًا لا تهدأ نبرتها. السبب الثاني هو المناظرة التي عقدت بين أبو الفتوح وعمرو موسى، ويمكن القول إنه لم يخرج منها فائز وخاسر بقدر ما خرج منها خاسر وخاسر بشدة، وقد كان أبو الفتوح في تلك الحالة هو الخاسر بشدة، بسبب تركيز موسى على خلفية أبو الفتوح الإسلامية وما وصفه بالتناقض بين خلفيته الإسلامية وبعض الآراء الأخرى المتعلقة بحرية الردة فضلاً عن فشل أبو الفتوح في الرد على تلك الاتهامات بصورة مقنعة جعلت المواطن العادي يخرج من المناظرة ناقمًا على الطرفين وأكثر ميلاً إلى صباحي. وإن كان هناك بطاقة رابحة سيستخدمها حمدين في حسم الانتخابات لصالحه فستكون أصوات أهالي الدلتا على ما سيستطيع جمعه من القوى الثورية التي توحدت أغلبها خلفه، بالإضافة إلى مراهنته على انسحابات اللحظة الأخيرة من قبل خالد علي مثلاً (الأقرب إليه في التوجهات السياسية) ولكن تبقى فرص حسمه المعركة من الجولة الأولى شديدة الصعوبة باعترافه هو بنفسه على الأقل. محمد مرسي.. المرشح المؤسسي ربما محمد مرسي هو الوحيد في الخمسة الكبار الذي تقف خلفه جماعة مؤسسية كاملة مثل جماعة الإخوان المسلمين التي تُسخِّر كل كوادرها من أجل إنجاح مرشحها خلال الانتخابات القادمة. وما يميز مرسي عن غيره من المرشحين أن مجموعة العمل التي تعمل خلفه لها خبرة قوية تمتد لعشرات السنوات في القدرة على جمع الأصوات واستنفار الطاقات من أجل دعم مرشحها، فهم يعرفون طريقهم إلى البلاد والمراكز والقرى والنجوع، ويخرجون الأصوات من بين الطين والحجر ومن وراء الشمس. ولكن هذه الميزة يقابلها عيبان أشد وطأة متمثلان في انقلاب المزاج العام ضد جماعة الإخوان خلال الفترة الأخيرة بسبب سلسلة من العوامل والأسباب والظروف لن يسعنا المجال لتسميتها ولكن يكفينا القول إنها أبعدت الجماعة كثيرًا عن أحضان قطاعات كبيرة وواسعة من الشعب المصري. أما العيب الثاني وهو الظروف التي تم فيها الدفع بمرسي كبديل عن المرشح الأساسي خيرت الشاطر وهو ما أعطى صورة سلبية عن أن الجماعة تسعى إلى اقتناء كرسي الرئاسة في مكتب الإرشاد بأي طريقة كانت وأن الهدف ليس المصلحة العامة كما يقولون، فضلاً عن تخوف نسبة كبيرة من الشعب المصري من أن يكون مرسي– في حال فوزه- مجرد محولجي رئاسي للمرشد الدكتور محمد بديع، وتتحول مصر إلى ولاية المرشد على غرار ولاية الفقيه في إيران. وكل ما سبق لا ينفي حقيقة أن مرسي سيكون منافسًا شرسًا وفرصة مشاركته في جولة الإعادة كبيرة للغاية لا سيما وقد حصد نتيجة لا بأس بها من أصوات المصريين بالخارج. عمرو موسى وتميمة الاستقرار هو مرشح ضمن مرشحين ينتمون إلى النظام السابق في السباق الرئاسي وهي اللعنة التي تطارده أينما ذهب بعد خدمته في حرم النظام المباركي لأكثر من 10 سنوات كاملة كوزير للخارجية، فضلاً عن إعلانه مبايعة مبارك لفترة رئاسية جديدة في وقت سابق، انتهاء بتصريحاته عقب خطاب مبارك الثاني الذي دعاه فيه لاستكمال ولايته حتى النهاية. ولكن على الرغم من كل ما سبق لكن موسى لا يعنيه بالدرجة القوية الأصوات الثورية التي يعرف جيدًا أنها أصوات ميتة بالنسبة إليه، فهو يلعب على شريحة أخرى، يلعب على شريحة المواطن المصري العادي، الذي بارك الثورة من أمام التليفزيون وسئم الانفلات الأمني، وضيق ذات اليد التي أصابته عقب الانهيار الجزئي للاقتصاد المصري. وهذه الشريحة التي نتحدث عنها هي شريحة كبيرة تكفل له المنافسة في الانتخابات بشراسة وربما تحجز له مكانًا في جولة الإعادة، ونضيف عليه تأييد عدد كبير من كبار زعماء وعواقل الصعيد له في الانتخابات القادمة، والصعيد كتلة تصويتية ضخمة ومنتظمة وحريصة على المشاركة، ربما بصورة أكبر من العاصمة وضواحيها ووجه بحري. أحمد شفيق وبونبوني الرئاسة الكروات الرابحة بالنسبة إلى موسى مشاهة إلى حد كبير لتلك التي يملكها شفيق في يمينه، فشفيق مرشح لا يوجد بينه وبين رموز الثورة أي عمار، وعاصر فترة عصيبة من تاريخ مصر، ويرى كثيرون أنه ساهم في تدهور المرحلة الانتقالية أو كان يعوق أساسًا فكرة الوصول إلى المرحلة الانتقالية، وكان يعمل على الإبقاء على المرحلة ما قبل الثورية. ولكن على المقابل هناك قطاعات تعتقد أن شفيق قبل مهمة إنقاذ مصر في وقت حرج رفض فيه كثير من المرشحين الحاليين أن يتولوا منصب رئاسة الوزراء حتى لا يصبحون كارتًا محترقًا يصعب عليهم مزاولة السياسة مرة أخرى. شفيق يتمتع بدعم واسع في القطاعات الأعلى اجتماعيًا واقتصاديًا في مصر والتي ترى فيه عقلية متفتحة لا تحمل ما يعتبرونه ضغائن ثورية ضد الأغنياء، والأغنياء على قلة عددهم يتمتعون بنفوذ واسع يمكن أن يرجح كفته في جولة الانتخابات. جانب لا بأس به من عائلات الصعيد أيضًا تعهد بدعم شفيق خلال الانتخابات القادمة وهو كما ذكرنا كتلة تصويتية كبيرة ومنتظمة. فئة أخيرة ربما تكون عاملاً مرجحًا له في الجولة الأولى في الانتخابات، ألا وهي أسر ضباط القوات المسلحة، سواء أولئك الذين ما زالو في الخدمة أو غيرهم ممن ترك الخدمة منذ فترة طويلة، وهي نسبة لا يمكن تهميشها، وستكون كتلة تصويتية ظاهرة ومؤثرة. كل ما سبق كان مجرد اجتهادات تؤكدها أو تدحضها إرادة الناخب المصري التي سيزاح عنها الستار يوم الأربعاء والخميس القادمين معبدين الطريق أمام الرئيس الجديد الذي أتى على أكتاف المصريين وحدهم وليس على ظهر دبابة أو بالوراثة.