في الماضي كانت برامج التوك شو الفنية تستضيف مشاهير نجوم الفن وسط عدد كبير من الجمهور في الاستديو ليقوموا بالتصفيق والتصفير من أجل إضفاء "السوكسيه" على الحلقة التي يتابعها عدد كبير من المشاهدين، ويتهافت عليها المعلنون لبثّ إعلاناتهم، فهل هناك أي فارق بين التوك الشو الفني وما يحدث حاليا في التوك شو السياسي الذي يستضيف مقدّموه مرشحي الرئاسة وسط جمهورهم ومؤيديهم الذين يملأون الدنيا تصفيقا وصراخا مع كل تصريح أو إجابة من المرشح الرئاسي المحتمل حتى وإن كانت إجابته لا تستحق كل هذا الضجيج؟ قبل أن تبادر بالإجابة، فكّر في إجابات لأسئلة أخرى أكثر أهمية، لست وحدي من فكر فيها، بل سبقني إليها أساتذة وخبراء الإعلام في مصر وعلى رأس هذه الأسئلة: لماذا تستضيف بعض الفضائيات مرشحين بعينهم وتقوم بتلميعهم على حساب مرشحين آخرين لم يظهروا حتى الآن، ولا يعرف عنهم الجمهور شيئا؟ وما الذي يضمن ألا تكون هذه البرامج مدفوعة الأجر من بعض المرشحين؛ للتأثير على الجمهور والتلاعب في قناعاتهم؟ وأين العدالة الإعلامية حين تتحالف الفضائيات مع وكالات الإعلان لاستضافة المرشح الذي تأتي عليه إعلانات كثيرة، بينما تتجاهل المرشحين الآخرين الذين لا يحظون بقبول المعلنين، رغم أنهم قد يملكون برامج مميزة وآراء جديرة بالعرض والاستماع؟ في تصريحات مهمة نشرتها جريدة "اليوم السابع" للدكتور صفوت العالم -أستاذ الإعلام، ورئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي على انتخابات الرئاسة- والتي تم تشكيلها من اللجنة القضائية للإشراف على الانتخابات الرئاسية؛ لمراقبة ومتابعة ما يحدث في الإعلام المصري سواء الخاص أو الحكومي أكد د.صفوت أن الأداء الإعلامي في هذه الأيام أخطر عامل من شأنه أن يؤثر سلبا على المناخ السياسي، وعلى الأخصّ انتخابات الرئاسة، في ظل عدم توفير آلية دقيقة وحاسمة وموضوعية لضبط الأداء الإعلامي؛ لكشف المخالفات التي تحكمها علاقات وكالات الإعلان مع الفضائيات والمصالح الخفية التي قد تخفى على اللجنة العليا للانتخابات، وهو من شأنه أن يهدد نزاهة الانتخابات، ويعمل على تحويل آراء الناخبين من مرشح إلى آخر، إلى جانب أن الوكالات الإعلانية تفرض على الفضائيات مرشحين بعينهم حسب المبالغ التي تتقاضاها من كل مرشح، بخلاف بعض مذيعي التوك شو الذين يعملون لحساب حملات بعض المرشحين أو في حالة تحالف ما معهم. وأشار د.صفوت العالم إلى احتمالية وجود مخالفات جسيمة على رأسها العلاقات الخفية بين وكالات الإعلان والفضائيات؛ لتلميع مرشحين بعينهم مقابل مبالغ مالية أو خدمات ومجاملات، بجانب سطوة وتحكّم وكالات الإعلان في فرض استضافة مرشحين معينين بطريقة إيجابية مقابل منح الفضائيات المزيد من الإعلانات، وبالتالي المزيد من المكاسب والأرباح بهدف التأثير على قناعة الناخبين. من ناحية أخرى قالت لي د.ليلى عبد المجيد -العميد السابق لكلية الإعلام جامعة القاهرة- بشكل شخصي إن عدم الحياد الإعلامي ومحاورة المرشحين الرئاسيين بأداء سيئ وغير منضبط، من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على نزاهة نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر، خاصة أن هناك استطلاعات رأي أشارت إلى أن هناك نسبة كبيرة تتراوح من 40 إلى 50% من الناخبين لم يحسموا اختياراتهم حتى الآن، رغم أن المدة الزمنية المتبقية لإجراء أول انتخابات رئاسية لا تتجاوز الأسبوعين، مما قد يؤثر على قناعة الناخبين الذين لم يحسموا قراراتهم بعدُ. وأضافت د.ليلى عبد المجيد أنه لا أحد يمكنه أن يجزم بالتأكيد أو النفي أن هناك احتمالية لانضمام مقدمي التوك شو بشكل خفي لحملات مرشح رئاسي بعينه، والعمل على تلميعه، أو على الأقل احتمالية أن هناك تحالفات بينهم من أجل أهداف مختلفة ومتنوعة بعضها مادي وبعضها سياسي، لكن من الملاحظ بشكل واضح أن بعض المقدمين تبدو في طريقة كلامهم التأييد الخفي لمرشح بعينه سواء من طريقة توجيه السؤال، أو الإيماءات والملامح وحركات الجسد. والآن وبعد الاستماع لرأيين مهمّين من خبيرين كبيرين في مجال الإعلام، ألم يسترعِ انتباهك -قارئي العزيز- تركيز بعض الفضائيات على مرشحين معينين يظهرون في كل البرامج، بينما ما زال هناك مرشحون آخرون لا تتم استضافتهم إطلاقا، وما زال الناخبون والجمهور لا يعرف عنهم شيئا رغم اقتراب موعد الانتخابات، مما يؤكد أن هناك غيابا للعدالة في التساوي بين المرشحين؟! إذن تحوّلت استضافة مرشحي الرئاسة إلى "بيزنس" يصبّ في صالح الفضائيات ووكالات الإعلانات؛ للعبث في العقول بدلا من كشف الحقائق لها مستندا على خلط الإعلام بالإعلان؛ ليأتي رئيس مصر الجديد برعاية علب السمن ومساحيق الغسيل بناء على أجندات بعض الفضائيات التي يملكها أشخاص معينون يريدون رئيسا بعينه! في العديد من المولات التجارية يقولون لك "الحفاظ على متعلقاتك مسئوليتك الشخصية"، وبعد أن صار الأمر لعبة رخيصة، وتحوّل الإعلام إلى أكذوبة للتضليل والتوجيه الخبيث، أصبحت "دماغك" مسئوليتك الشخصية التي لن يحميها أحد لك مهما كان ثوريا أو وطنيا في ظلّ المزايدة على الثورة والوطن.. حكّم عقلك ولا تنظر لنصف الصورة الموجودة على الشاشة، فهناك نصف آخر تم إخفاؤه عمدا مع سبق الإصرار والترصد، والحصول عليه أو الوصول له يقع عبئه على من يملكون القدرة على "تشغيل المخ"، ولا عزاء لمن يبيعون أدمغتهم!