الدستور أولاً أم الرئيس أولاً جملة سمعناها كثيراً الفترة السابقة، بل كانت لفترة من الوقت هي حديث الكل بلا استثناء. وخرجت التظاهرات لتهتف "الرئيس قبل الدستور مش هاستنى ستّ شهور"، و"استفتاء مارس بيقول الرئيس قبل الدستور". وعلقت اللافتات التي تؤكد أنه "مطلوب رئيس" و "لا دستور تحت حكم العسكر". والسؤال الذي سيطرح نفسه على الفور هو: ما الفرق بين كتابة الدستور في البداية أو انتخاب الرئيس أولا؟ وما هي وجهة نظر كل فئة من الفئتين لتؤيد هذا الرأي أو ذاك؟ الرئيس أولاً: أصحاب رأي الرئيس أولاً يستندون إلى نقطتين في الأساس: الأولى: هي أن إخراج الدستور قبل انتخابات الرئاسة يعني عدم إعطاء الدستور حقه في الكتابة والنقاش، فلو أردنا أن نستعرض سوياً الخطوات المتبعة لكتابة الدستور فسنجد: - وضع أسس اختيار الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. - اختيار الأعضاء المائة للجمعية التأسيسية. - التصويت بالبرلمان لاختيار المائة. - مباحثات المائة المختارين لوضع مواد الدستور والمناقشات حول المواد الخلافية. - الخروج بمسوّدة الدستور وعرضها لتحظى بنقاش مجتمعي من الخبراء السياسيين والقانونيين والناشطين والأحزاب. - إجراء أي تعديلات مطلوبة وعرض الشكل النهائي للدستور. - عرض الدستور على الشعب في استفتاء عام. وعلى هذا فإن حصر كل هذه الخطوات لتتم في أقل من 50 يوماً، قبل إجراء انتخابات الرئاسة هو إهدار لفكرة أخذ الدستور حقه من الوقت؛ ليخرج بشكل لائق بكونه دستور مصر. الثانية: أصحاب وجهة النظر هذه يقولون إن كتابة الدستور في ظل فترة انتقالية وتحت حكم عسكري لا مدني أمر غير مفضّل، فبعد وثيقة السلمي ومحاولات إيجاد وضع خاص للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالوثيقة، أدى لخوف لدى البعض من كتابة الدستور في ظل حكم العسكر، مما يؤدي لخروج الدستور بشكل غير محايد، أو يحوي مواد توضع خصيصى من أجل المجلس العسكري. ولذلك فإن الأفضل لديهم أن يوضع الدستور بعد أن ينتخب الرئيس المدني، وبذلك فإنه سيكون قد كتب تحت سلطة مدنية منتخبة من الشعب، فلا تشوبه أي شائبة. وللتدليل على وجوب اختيار الرئيس أولاً، فقد أكد أصحاب هذا الرأي بأن الترتيب الطبيعي الذي نصّ عليه استفتاء مارس 2011 هو البرلمان - الرئيس - الدستور. وعلى ذلك فإنه من الطبيعي أن ينتخب الرئيس أولاً، ثم يوضع الدستور بعد ذلك؛ وفقاً لما استفتي عليه الشعب، ووافق عليه المصوتون بنسبة 77%. والواقع أن هذه الرؤية قد رد عليها المخالفون فقالوا إن استفتاء مارس لم يؤكد على هذه الخطوات، ولكنه حدد فترة زمنية وهي 6 أشهر بعد اجتماع مجلسي الشعب والشورى لوضع الدستور، ولكنه لم يشترط (صراحة) على وضعه بعد انتخاب الرئيس. إلا أنه سيظل شرح د.طارق البشري -الذي رأس لجنة تعديل مواد التعديلات الدستورية المستفتى عليها بمارس 2011- لخارطة الطريق السليمة للفترة الانتقالية حاضراً؛ حيث أكد أنها البرلمان - الرئيس - الدستور، وقد قال الرجل شرحه (هنا)، مما يوضح أن البشري أدرى بما صاغه في الاستفتاء، وبما أنه يؤكد على خارطة الطريق هذه فهي الأصح. الدستور أولاً: أصحاب هذا الرأي يرون أنه لا يصحّ ولا يجوز أن يأتي رئيس الجمهورية دون وضع دستور، متسائلين؛ كيف سيأتي الرئيس دون قوانين ولوائح تنظّم عمله وسلطاته؟ وكيف سننتخب الرئيس ونحن لا نعرف هل سيقرر الدستور أن تكون البلاد تبعاً للنظام الرئاسي أم البرلماني أم المختلط؟ وعلى هذا فنحن نحتاج للدستور أولاً كي يحدد لنا كيف سيأتي الرئيس وما هي صلاحياته بالضبط. والواقع أن هذه الرؤية قد ردّ عليها المخالفون فقالوا إن البرلمان قد انتخب في عدم وجود دستور ينظّم صلاحياته وطريقة انتخابه، ولكن تم اتباع الخطوات التي نصّ عليها في الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 والتي تنظّم سلطات البرلمان. وعلى ذلك فيمكن ببساطة أن يُنتخب الرئيس بنفس الطريقة التي انتخب بها البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى). يضاف إلى ذلك أن المواد ال11 المستفتى عليها في التعديلات الدستورية بشهر مارس 2011 قد شملت 5 مواد من أصل 11 مادة (هي المواد 75 و 76 و 77 و 139 و 189) تتكلم عن كيفية اختيار الرئيس ونوابه، وكذلك تنظيم صلاحياته، وهي المواد التي أضيفت إلى الإعلان الدستوري الصادر في مارس أيضاً، والذي شمل كافة ما يُحتاج إليه لاختيار الرئيس. وعلى ذلك فأتباع الرأي المخالف للدستور أولاً يرون أنه لو لم يكن من المفترض اختيار الرئيس قبل وضع الدستور لما وجدت كل هذه المواد في التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري التي ينظّم عملية انتخاب الرئيس وصلاحياته، ولكان من الطبيعي أن ينتظر المواد النهائية التي ستوضع في الدستور النهائي لو كان الدستور سيوضع أولاً. وفي النهاية قد يسأل سائل عن الوضع الحالي، وهل تمت الموافقة على فكرة الرئيس أولاً أم التأكيد على فكرة الدستور أولا؟ والإجابة -مع الأسف- هي أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة، بل تم الترويج لفكرة أن يبدأ مجلسا الشعب والشورى في اختيار اللجنة المسئولة عن صياغة الدستور والتي ستبدأ عملها بمجرد تشكيلها، بشكل موازٍ لإجراء انتخابات الرئاسة. وبذلك نترك الأمر للحظّ فأيّ من الآخر ينتهي أولاً سيتم اعتماده.. لو انتهت لجنة الدستور من عملها خلال ال50 يوماً القادمة، وتم استفتاء الشعب على الدستور الجديد فبذلك سيكون قد تحقق لطالبي الدستور أولاً مرادهم. أما لو تأخرت لجنة صياغة الدستور وقدّمت مقترح الدستور الخاص بها بعد انتخاب الرئيس فسيتم استفتاء الشعب على الدستور الجديد في عهد الرئيس الجديد، وبذلك يتحقق مراد أصحاب الرئيس أولاً. وعلى ذلك فكل دور المنتمين لهذه الفئة أو تلك أن يكثروا من الدعاء بأن يلعب الحظ لعبته معهم فيتحقق مرادهم بأن يكسبوا إما.. الدستور أولاً أو الرئيس أولاً وهذا أمر لم يعد لأحد يد بإقراره بل دارت عجلة الحظ لتقرره