إن كلمة مصر تعني أرض الجمال والبهاء، وهي مشتقة من الكلمة النوبية "مسّي" بتشديد السين، مصر المحروسة والتي ستظل محروسة إلى يوم الدين، أجمل بلاد الأرض رغم أنف من يحاولون نفي ذلك، الذين لم يصدّقوا بعدُ انهيار حائط الكذب مرة واحدة، وأن ما بُني في ثلاثين عاما انهار في ثوانٍ، وأن النيل ما زال يجري منذ آلاف السنين، وكم قامت على ضفتيه وكم انهارت عروش وأمم وامبراطوريات.. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا، لذا وجب عليهم قراءة التاريخ أكثر من مرة، ففي كتبه لا تتكرر صفحتان، فوالله الذي لا إله إلا هو يوجد بمصرنا العزيزة موارد تكفي لكي نحيا جميعا -وأكرر جميعا- في رخاء دائم، ولكن لا يوجد على أرضها -مع الأسف- ما يكفي لإرضاء جشع رجل واحد. فهناك واقع آخر من الممكن فرضه إذا أراد المصريون هذا بالطبع، فالعضلات الجديدة في عصرنا الآن هي العقل والحكمة والاعتدال والرشد والحوار... هذه هي العضلات التي تغير حال الأمم إلى الأحسن والأقوم، فالهنود منذ سبعين عاما كانوا أكثر أمية وتخلّفا منا، فانظر إلى أين وصلوا اليوم، رغم كثرة الديانات وتنوعها بها، فلا بد أن نؤمن بأن حرية تقرير المصير والمساواة في التعليم الحقيقي والرهان على المستقبل هم دعائم الطريق الوحيد للإصلاح وإرساء العدل، هذا التعليم الذي أتاح لهؤلاء المتخلفين الكسالى العيش سويا وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، وأصبحت لديهم القدرة على كفاية احتياجاتهم الأساسية على كل المستويات، سواء زراعي أو صناعي، حتى الرعاية الطبية، أصبح لديهم أبحاثهم واكتشافاتهم الخاصة بهم، والنابعة من تطوير موروثاتهم الثقافية. لا بد يا سادة من تحطيم نظرية "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، والتي يتبناها الذين يفضّلون الاحتفاظ بالوضع القائم عن تغيير مجهول من الجائز أن يكون أسوأ، ولهؤلاء أقول التغيير يأتي لا محالة، ويجب علينا أن نغيّر ونتغيّر، فليس هناك بديل آخر للتعايش. وبعدُ ألا يستحق منا هذا واقفة تفكير؟ ألا يستحق نوعا من التحرك؟ وأن نقف لهذه الفتن صفاً واحداً، وأن نجتمع على كلمة، وأن نتفق على رأي، وأن نتعاون وأن نستعد؟ أيها الشباب المخدوع لا تنسَقْ وراء هذا الحماس المفتعل؛ ظنا أنه حماس ديني.. بعض الوعي فقط في كل موقع، إنهم يريدون أن نُخرج الشواهد منا نحن ومما يجري على أرضنا، ومما نفعله بأنفسنا ليجعلوا من هذه الشواهد ذريعة ليفعلوا بنا ما يشاءون، يجب أن نصحو من سباتنا العميق، وأن نجلس معا جلسة رجال بدلا من التلويح بالسيوف الخشبية.. لنكن جبهة واحدة، فلنستعِد المليارات المغتربة، ونحوّلها إلى همة وإنتاج وعضلات تقرع الحديد بالحديد، فهل نحن أقل من الهند أم نحن معاقون ومصابون بتخلّف عقلي؟! وأحب أن أوضح أن تكرار مقارنتنا بتجربة الهند مرجعه تعرّضنا لنفس الاحتلال البريطاني، وتحررنا منه في نفس الفترة، وكذلك اشتراكنا في مشكلة التضخم السكاني. لتكن البداية أن يشعر كل مصري بأنه مسئول عما وصلنا إليه من حال متردية، وأن لديه القدرة على التغير، وإحداث فرق مهما كان صغيراً، وتاريخ أكثر من سبعة آلاف عام يعضد كلامي، فمن حكمونا تساقطوا بالأمس كأوراق الشجر الميتة غير مأسوف عليها، والذين بقوا منهم تبرؤوا من الحزب الحاكم، بل وبصقوا على الجمل والهلال، وقالوا لم نكن نعلم، كنا مخدوعين، بل وصل بهم الأمر إلى ترديد بيت الشعر الشهير: "عميان وعايزين لنا مجانين تسحبنا.. ولو يخوضوا بنا الأوحال يعجبنا". والذين كانوا يفتلون حبال المشانق أصبحت رقابهم من نصيب تلك الحبال، والذين حفروا القبور وقعوا فيها. يجب أن نتيقن من أننا أمة واحدة يظللها علم اعتمد في أكتوبر 1984 ويتكون من ثلاث مستطيلات عرضية متساوية، ويبلغ طوله ضعف عرضه، وهي حسب ترتيب الألوان من الأعلى: اللون الأحمر هو لون التوهّج، وهو أقوى الألوان وأكثرها تعبيراً عن القوة والأمل والإشراق والتقدم، ويرمز أيضا إلى دماء الشهداء. الأبيض في المنتصف، لون يعبر عن النقاء والصفاء، والشفافية، أو القطن طويل التيلة الذي انقرض مع الأسف. الأسود في الأسفل، يعبّر عن عصور التخلف والاستبداد والاستعمار، والتي ولّت بغير رجعة؛ وهي لتذكرة للأجيال بهذه الأيام الصعبة التي ناضل فيها الأجداد ضد الظلم والظالمين. وفي المستطيل الأوسط يوجد النسر المضموم الجناحين باللون الذهبي ويتوسط صدره درع عليه علم مصر، وهذا النسر هو رمز الدولة الأيوبية منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، وهذا النسر ينظر إلى اتجاه قاعدة العلم؛ للدلالة على حماية أرضه ويعبّر عن قوة مصر وحضارتها.