عندما تكلّم صبحي صالح فأخطأ، ثم حاول أن يصلح خطأه فأخطأ من جديد أمره الإخوان بأن يكف عن الحديث لوسائل الإعلام لأنه يضر أكثر مما يفيد، وحين تحدث عبد المنعم الشحات فأخطأ، ثم تمادى في الخطأ تبرأ حزب النور من تصريحاته وأعفاه من مسئولية التحدث الرسمي باسم الحزب.. ونحن الآن نرى أن قطاعات ثورية كثيرة تتكلم فتخطئ وتتصرف فتخطئ وتتنفس فتخطئ وتخطئ وتخطئ.. ألا يمكن لهؤلاء حفاظا على الثورة (التي يتحدثون باسمها بوصفهم صنّاعها) أن يصمتوا قليلا؛ لأنهم يضرّون بالثورة ويشوّهون وجهها الوضيء.. نعم لتصمت كل الائتلافات والحركات والاتحادات؛ لأن حديثها يضر بالثورة.. ليلزم بيته كل من يريد الخير لمصر.. وليمسك لسانه كل من يرغب في نقل السلطة للمدنيين.. وليمتنع عن التصريح كل من ينادي المجلس العسكري بأن يرحل؛ لأن هذا أوان العمل في صمت.. ولأن الكثيرين يستغلون هذا اللغط في تدمير الثورة من الداخل. حين وافقنا على مسار ديمقراطي منظم وسلس وسلمي لنقل السلطة تحدثنا عن انتخابات برلمانية فدستور فانتخابات رئاسية، وتحدد الحد الأقصى لذلك بآخر يوم في شهر يونيو القادم.. على هذا وضع الشعب يده، وبدأت الشجرة العقيم تؤتي ثمارها، وبدأت سفينة الوطن في السير في مجراها المحدد، لا أقول برضا الجميع أو بتأييد الجميع، ولكن لا أحد يملك أن يغيّر المسار ولا أن يتفلت منه؛ لأن لكل طرف قوة جذب تمكّن الجميع في النهاية من الحفاظ على المصلحة العامة من أن تنحرف في مسارات المصالح الخاصة.. أعترف أن وثيقة السلمي كانت تصبّ في مصلحة المجلس الأعلى، بقصد منه أو دون قصد، ولكن الإخوان ومعظم القوى الوطنية وقفت بقوة، فأقيل السلمي واحترقت وثيقته.. وأعترف بأن الدستور القادم حقّ للجميع وقد يكون مطمعا للإسلاميين، ولكن القوى الليبرالية ستتمسك بالمنطق في أن الدستور لا تشكّله أغلبية مؤقتة.. لكل طرف قوته، هذه القوى تحافظ على المسار السلمي والمنطقي للثورة، وفق إطار عام حدده الشعب في 19 مارس.. القوة الوحيدة التي تحاول أن تخترق هذا التوازن حاليا، وتملك بالفعل أن تحرّك الشارع وبقوة هي الحركات الثورية، فهي التي تملك الرصيد الثوري عند الشعب، وهي التي تملك الميدان -بحكم الواقع- ولذا فإنها إذا فكرت أن تقلب الطاولة وتطيح بالمسار الذي قبله الشعب وأيده فإن بإمكانها ذلك، ومن هنا تأتي خطورتها، أن توجّه قوتها في غير اتجاهها الصحيح، وتخرق المصلحة الوطنية العامة لتحقيق مصالح فئوية لأطراف بعينها، وهذا عينه ما تفعله الحركات الثورية هذه الأيام.. إذا كانت الرغبة في انتقال للسلطة فهذا الانتقال يحدث الآن بالتدريج، وبنجاح شهد له العالم كله عبر انتخابات برلمانية لم يستطع أو لم يُرِد المجلس العسكري أن يتفلّت منها، وبعدها سيأتي دور دستور منصوص على كل تفاصيله في استفتاء مارس، وبعدها سيتم انتخاب رئيس بإرادة شعبية حقيقية كما تمت انتخابات البرلمان بذات الطريقة.. إذا كانت القوى الثورية ترفض حكم العسكر فما الاختلاف في ذلك عن الإخوان والسلفيين والليبراليين واليساريين؟ الجميع يعرف أن العسكر لا يجوز لهم الاستمرار في الحكم، حتى العسكر أنفسهم يعرفون أن الحكم للشعب، وأن المدنية آتية رضي من رضي وأبى من أبى.. وإذا جاءت العاصفة فانحنِ لها.. ويعرف العسكر قبل غيرهم أن الدم خط اللاعودة، وقد تجاوزناه بحيث لا يمكن العودة من جديد إلى ما قبل فبراير 2011، ووداعا للحاكم العسكري بكل درجاته ومستوياته.. ولذا فالجميع متفق على ذات المطالب، بما لا يعطي الحركات الثورة مبررا للمزايدة على غيرهم في الوطنية والمدنية والديمقراطية.. الفارق الوحيد في رأيي بين الثوريين والسياسيين هو الخطة والمسار، والتدريج، أو السياسة بمعناها العام، فما يمارسه الثوار حاليا، هو الفوضى، ممنهجة أو متخبطة وإن كنت أؤيد أنها ممنهجة ومنظمة ومخططة بدقة، من أجل الإطاحة بالإجماع الشعبي ممثلا في قرار 19 مارس.. وهذا يدفعنا إلى التساؤل الحقيقي والملحّ حول البديل.. هل يملك الثوار بديلا عن المسار الديمقراطي الذي بدأ في وضع ملامح الفترة القادمة، مع معرفة كل طرف حقوقه وواجباته؟ ثم هل سيكون هذا البديل أسرع إنجازا من المسار الحالي، الذي أوشك على أن ينتهي؟ إذا كان لدى الثوار بديل فمن العبث أن يأتي بنشر الفوضى وإسقاط المجلس العسكري بالقوة، وإذا لم يكن لهم بديل فما الدافع إلى هذه الفوضى والاعتصامات في كل مكان؟ أجد هنا مداخلة مهمة حول أنني حمّلت الثوار المسئولية عن الفوضى التي اندلعت في مصر مؤخرا، والحقيقة أن الحقيقة لن تظهر لها حقيقة!! الجميع متخبط ولن أكون استثناء، وجزء كبير من هذا التخبط ناتج عن هلامية الإدارة ممثلة في مجلس عسكري يحكم لأول مرة في ظروف غير عادية، وثورة مضادة تتخفى وتحسب خطواتها جيدا، وأطراف لها حسابات خاصة ومصالح فئوية غير وطنية.. ولكن المتفق عليه من الجميع أن الثوار طرف مهم في حدوث الفوضى، إما بالتخطيط والمشاركة، وإما بالاستغلال والاستفزاز، وفي الحالتين هم متورطون في حالة الفوضى الجارية، ولذا كانت دعوتي في بداية المقال إلى الصمت؛ لأن وجودهم في الميادين وعلى الفضائيات قد تسبّب في الإضرار بالثورة والوطن واستغلهم البلطجية والفلول وبعض الأطراف لتحقيق مآرب غير وطنية وغير شريفة.. ولذا -لأنني أحبهم- أقول لهم كلمة قلتها من قبل لرجل أحبه هو صبحي صالح: اصمتوا يرحمكم الله!