ينهمك العامل أبو محمود -في الثلاثينات من عمره- في مراقبة أنبوب ضخ الوقود من داخل نفق للتهريب، يعمل داخله على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، بينما القلق يبقى يساوره من مصير هذه المهنة في المستقبل القريب. هذه المهنة الغريبة المثيرة التي لن تجدها إلا في فلسطين، يتنفس العاملون بها -بل ومالكو أنفاق التهريب إلى غزة- الصعداء مؤخرا، مع شبه توقف للحملة الأمنية المصرية التي استهدفت إغلاق العشرات منها؛ في إطار خطة ضبط الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء. إلا أن القلق بقي يساور أبو محمود وأقرانه؛ خشية تجدد إجراءات مناهضة لعملهم في أي وقت. ويقول أبو محمود -الذي رفض ذكر اسمه لدواعٍ أمنية- إنه يعمل في التهريب داخل الأنفاق منذ عامين ونصف، لكنه طوال هذه المدة كان يغادر عمله وهو غير متأكد من استطاعته العودة في اليوم التالي. وأشار بينما كان يلوح بيديه للجانب الآخر من الشريط الحدودي: "قد يتوقفون الآن، لكنهم سيعودون مجددا؛ فهذا الوضع مؤقت، وهذا الشيء الوحيد الذي نحن متأكدون منه". ويضيف بنبرات من السخط: "الأمر الصعب هو أين نجد فرص عمل، ومصدر لتوريد البضائع؟". في الوقت نفسه فقد أكد مطّلعون على عمليات التهريب وعاملون في الأنفاق توقف الحملة المصرية ضد الأنفاق، ووقف عمليات تدميرها وإغلاقها على طول الحدود المصرية-الفلسطينية. ويقول أبو إبراهيم -وهو صاحب نفق- إن الجرافات والحفارات التي وصلت المنطقة الحدودية منذ أيام توقفت عن العمل، في حين خففت القوات المصرية من انتشارها على طول الحدود، وتراجعت عمليات التمشيط التي كان ينفذها الجنود المصريون. وأكد أبو إبراهيم أن الحملة أسفرت عن تفجير وإغلاق نحو سبعة أنفاق، وقلّصت عمليات التهريب لفترة، موضحا أن الأنفاق التي أُغلقت تقع في أماكن متفرقة من الشريط الحدودي، وعند توقف الحملة المصرية سرعان ما عادت وتيرة العمل في أنفاق التهريب لطبيعتها. لكن العاملين فيها يخشون كذلك أن تكون الحفارات ألحقت ضررا ببعض المناطق؛ خاصة أن عمليات الحفر كانت تنفّذ على أعماق بعيدة في باطن الأرض.
الأوضاع على طول الشريط الحدودي ما زالت تتسم بالتوتر وتسود مخاوف لدى العديد من مالكي الأنفاق والعاملين فيها؛ خشية أن تعاود الحفارات عملها مجددا في أية لحظة؛ خاصة أن معظمها ما زال متمركزا على الحدود ولم يتم سحبه. الشاب أحمد يونس -يعمل في نفق للتهريب- أكد أن الأوضاع على طول الشريط الحدودي ما زالت تتسم بالتوتر، وثمة الكثير من الشائعات حول إمكانية استئناف الحملة. وأعرب يونس والعديد من العمال ومالكي الأنفاق عن أملهم بانسحاب الجرافات المصرية، وتوقف الحملات التي قد تستهدف الأنفاق؛ لتعود لممارسة عملها بصورة طبيعية. وكانت عشرات الأنفاق عاودت ممارسة نشاطها المكثف بعد توقف الحملة؛ حيث غادرت منطقة الأنفاق خلال اليومين الماضيين أرتال من الشاحنات المحملة بمختلف أنواع السلع والبضائع؛ خاصة الأسمنت ومواد البناء. كما بدأ تجار الماشية في جلب المئات من رؤوس الأغنام والخرفان، استعدادا لعيد الأضحى، خاصة أن إسرائيل ما زالت تمنع هذه الأنواع من الماشية من دخول القطاع من خلال المعابر الرسمية. وقال أحد سائقي الشاحنات -وهو يهم بمغادرة منطقة الأنفاق بشاحنته المحملة بأكياس الأسمنت- إن الأنفاق عادت ونشطت مجددا بعد تراجع في عملها استمر عدة أيام. وأكد السائق محمود مصلح أن توقف الحملة المصرية وهدوء الأوضاع الأمنية؛ أسهما في عودة الأنفاق للعمل بصورة طبيعية، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة تهريب المزيد من السلع خاصة الماشية، وكذلك الوقود بمختلف أنواعه. والحقيقة أن الجيش المصري بدأ مؤخرا حملة أمنية واسعة النطاق في شمال سيناء؛ بغرض القضاء على جماعات إرهابية أثارت مشكلات عديدة في المنطقة. ولكن في الوقت نفسه فقد نفت مصر قيامها بحملة كاملة وعامة لإغلاق الأنفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي، موضحة أنها تقوم فقط بإغلاق بعض الأنفاق التي وصفتها بأنها تضر بالأمن القومي المصري.
العديد من مالكي الأنفاق اتخذوا سلسلة من الإجراءات الاحتياطية لحماية أنفاقهم وكان العديد من مالكي الأنفاق اتخذوا سلسلة من الإجراءات الاحتياطية لحماية أنفاقهم من التدمير، فيما عمد عدد منهم إلى تقليص العمل في أنفاقهم في هذه المرحلة؛ خشية كشفها ومن ثم إغلاقها. وخلال الحملة المصرية تأثرت عمليات التهريب بصورة سلبية في بعض المناطق؛ خاصة تلك التي توجد فيها الحفارات، كما تسود مخاوف كبيرة لدى مالكي الأنفاق؛ خشية أن تسفر الحملة عن إغلاق الأنفاق بصورة نهائية. والواقع أن المئات من أنفاق التهريب تنتشر على طول الشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر؛ لتهريب البضائع إلى القطاع المحاصر إسرائيليا منذ سيطرة حركة حماس عليه منتصف يونيو عام 2007. والأنفاق تعتبر منفذا حيويا لبضائع مهمة لسكان القطاع؛ خاصة مواد البناء التي تحظرها إسرائيل، وكذلك المحروقات. ويقول علاء الدين الرفاتي -وزير الاقتصاد في الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس- إن السلطات المصرية لم تبلغنا رسميا بعزمها تنفيذ خطة أمنية لإغلاق أنفاق التهريب مع قطاع غزة، معتبرا أن قرار كهذا "سيكون ذا بعد أمني فقط، ولا يحمل أي أبعاد اقتصادية". وحذر الرفاتي بشدة من تداعيات "سلبية" لأي خطوة مصرية ضد أنفاق التهريب على الأوضاع في قطاع غزة، مشددا على أن هذه الأنفاق "وسيلة استثنائية لكسر الحصار عن القطاع". وقال وزير الاقتصاد في الحكومة المقالة إن الحصار على غزة مستمر، ويستوجب البحث عن بدائل رسمية قبل الإقدام على تدمير الأنفاق. وأكد أن الحكومة المقالة لا تمانع البحث عن أي بدائل رسمية مع السلطات المصرية؛ مثل: فتح معبر رفح البري تجاريا، أو إقامة منطقة تجارية حرة على الحدود بين قطاع غزة ومصر، داعيا السلطات المصرية إلى الوفاء بتعهداتها إزاء كسر الحصار كليا عن القطاع. وأشار إلى وجود وعود مصرية بإقرار سياسات مختلفة في التعامل مع الوضع في قطاع غزة قائلا: "لكننا سننتظر لنهاية العام حين تجُري الانتخابات في مصر، ويتم الانتهاء من ترتيب الملف الداخلي المصري، وهو ما سينعكس إيجابيا على القطاع". عن وكالة الأنباء الألمانية بتصرف