السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.. نلتقي مرة أخرى مع أسئلتكم.. السؤال يقول: ما حُكم العمل في القضاء بجميع فروعه من نيابة عامة لإدارية لمجلس دولة؛ لأني عَلمت أن الأحكام والقوانين المعمول بها في الحقيقة غير إسلامية.. فهل هذا صحيح؟ الحقيقة أن مصر لها تجربة عميقة ذَكَرتها في كتابي "التجربة المصرية"؛ أحكي فيها قصة هذا الموضوع، فقد حرص المصريون منذ أن دخلوا العصر الحديث في عهد الخديوي إسماعيل على ألا يخرجوا عن الشريعة الإسلامية، وأن تكون قوانينهم متسقة مع الشريعة الإسلامية الواسعة، وبمفهومها الراسخ عند المصريين؛ فإن حبّ الدين والتديّن جزء لا يتجزّأ من الشخصية المصرية، ولذلك ولأن غالب السكان من المسلمين اتجه المشرعون وواضعو القوانين المصرية إلى شرط مهم؛ وهو عدم الخروج على إسلامية الدولة ولا إسلامية القوانين، وأراد الخديوي إسماعيل أن يستقل تشريعيا عن الدولة العثمانية؛ إلا أنه أراد في نفس الوقت أراد أن يُشارك في المعاصرة في العالم الحالي، وأيضا ألا يخرج عن الإسلام. واقترح له العلماء أن القانون الفرنسي قد أخذ أساسا من الفقه المالكي، وللتأكُّد من ذلك كلّف رفاعة بك الطهطاوي بترجمة "كود نابليون" سنة 1810 إلى العربية، وقام بذلك مجدي باشا الذي كان يُتقن الفرنسية، وطُبعت ترجمة مجدي باشا في المطابع الأميرية في أواخر القرن التاسع عشر بعد رحيل إسماعيل، وقد عُرض هذا على مفتي الصعيد الشيخ مخلوف المنياوي العدوي، وقد قام الشيخ بمراجعة هذه الأكواد أو هذه المواد مع الفقه المالكي، وبيَّن مواضع الاختلاف مع هذا الفقه في مجلدين عن المقارنات التشريعية، وضعهما بعد ذلك في دار الكتب المصرية، ثم بعد ذلك طُبِع هذان المجلدان بتحقيقي وتحقيق الأستاذ الدكتور سراج عبد الهادي. وذلك حتى تكون هناك مستندات تُثبِت أننا لم نخرج عن الشريعة الإسلامية أبدا، وإنما أردنا أن نطلع على كل ما توصّل إليه أهل الأرض من العدالة التي هي أس الإسلام؛ بحيث ألا نخرج عن الشريعة الإسلامية في نفس الوقت فنجمع بين الحسنيين المعاصرة والأصالة، العدالة العالمية وألا نغيب عن المجتمع الدولي وفي نفس الوقت لا نخرج عن الشرع الإسلامي. وظلّ هذا الأمر معمولا به في منتجات قدري باشا الذي أنشأ ما يُوازي المجلة العدلية، ثم بعد ذلك في أعمال السنهوري باشا الذي وضع القانون المدني المصري، فلما اعترضوا عليه وقالوا إن هذا يُخالف الشريعة الإسلامية في مادة واحدة وهي مادة الفوائد؛ ألّف ستة مجلدات يثبت أن هذا الذي أثبته في القانون المدني ليس من باب الربا، وسمّى هذا الكتاب الماتع في ست مجلدات "مصادر الحق". إذن القضية في غاية الوضوح أن المصريين لم يُخالفوا أبدا الشريعة الإسلامية، وإنما طبّقوها بشروطها، قد نختلف مع المجلس التشريعي في بعضها أو في كلها، ولكنه في إطار الاجتهاد وليس في إطار الخروج عن الإسلام. إلى لقاء آخر أستودعكم الله،،، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إضغط لمشاهدة الفيديو: