ظهر الإنسان الحديث بشكله الحالي منذ حوالي مائتي ألف سنة مضت، في ذلك الوقت كانت معظم الوحوش الضارية التي عاشت على هذا الكوكب قد انقرضت منذ وقت طويل. لعل العالم فيما مضى كان أشبه بعوالم أفلام الرعب؛ حيث الوحوش الضخمة ترتع في كل مكان على الأرض، وفي البحار والسماء، ناشرة الفزع أينما تذهب . في المساحة التالية سنستعرض معاً بعضاً من تلك الكائنات المرعبة التي سادت على الأرض، ولم نعرف عنها إلا من خلال الحفريات التي عثرنا عليها.. إنها وحوش من الماضي .
اسمه العلمي Carcharocles megalodon، ويعني هذا الاسم "السنّ الكبير" باليونانيّة.. هو قرش منقرض هائل الحجم، عاش في الفترة من 25 إلى 1.5 مليون سنة مضت.
لعل الميجالودون هو أكبر وأقوى سمكة مفترسة عاشت على هذا الكوكب. وتدلّنا الحفريات على أن طوله يتجاوز العشرين متراً، وقد كان منتشراً في معظم أنحاء الكرة الأرضية؛ إذ وُجدت حفرياته في أماكن كثيرة متباعدة جغرافيا، أما وزنه فتشير بعض التقديرات إلى أنه يتجاوز المائة طن!
نيكولاس ستينو رسم رسماً تخيلياً يبين شكل القرش صاحب هذه الأسنان الاكتشاف لطالما وجدت حفريات الأسنان الهائلة مثلثة الشكل للميجالودون داخل تكوينات الصخور في أماكن مختلفة، وكان يُعتقد فيما مضى أنها أسنان التنانين والثعابين! إلى أن أتى عالِم الطبيعة الدنماركي نيكولاس ستينو عام 1667؛ ليعرّفها بأنها أسنان قرش، وقد رسم رسماً تخيلياً يبين شكل القرش صاحب هذه الأسنان.
عام 1835 أعطى العالم السويسري لويس أجاسيز القرش اسمه الحالي، وقد وضعه في نفس الفصيلة التي ينتمي لها القرش الأبيض العظيم؛ لأن بين أسنانهما تشابهاً كبيراً؛ لكن أسنان الميجالودون أكثر قوة ومشرشرة بشكل أكثر تنظيماً.
الحفريات أكثر العينات التي وصلتنا من الميجالودون عبارة عن أسنان، ويبلغ طول السن الواحد حوالي 18 سنتيمتراً!
لعل أكمل عيّنة وجدت من الميجالودون، هي تلك التي وجدت في بلجيكا عام 1926، وتتكون من عمود فقري شبه كامل للقرش؛ حيث تحتوي الحفرية على 150 فقرة، أكبرها يبلغ قطره 15.5 سنتيمتراً.
فكّان نظراً لأنه لم تصلنا حفريات كاملة للميجالودون، ومن ثم لسنا نعرف شكله الدقيق على وجه التحديد؛ فقد اعتمد العلماء على القرش الأبيض العظيم لمضاهاة شكل الميجالودون، باعتباره أقرب الكائنات تشريحياً له.
عام 1909 قام عالم الحيوان الأمريكي باشفورد دين بأول محاولة لإعادة تشكيل فكي الميجالودون (انظر الصورة)؛ لكن قياسات باشفورد تعتبر اليوم -بناء على المعلومات التي توافرت من الاكتشافات الحديثة- غير دقيقة.
عام 1989 تمّ اكتشاف حفرية جزئية للميجالودون في اليابان، وقد كانت أسنانها شبه كاملة ومرتبة في ترتيبها الأصلي، ثم تمّ اكتشاف حفرية جيدة جداً في الولاياتالمتحدة، وقد ساعدت هاتان الحفريتان علماء الحفريات، على عمل تصوّر صحيح لشكل فكيّ الميجالودون.. واليوم نعرف أن الميجالودون كان لديه 276 سِناً، وأن فكاه يفتحان بعرض حوالي مترين.
عام 2008 قام فريق علمي بقيادة العالم "ستيفن رو" بعمل تجربة لتحديد قوة عضة الميجالودون، ووجدوا أن قوة عضة قرش الميجالودون -الذي يصل طوله إلى 20 متراً- تُقدّر بأكثر من 182 ألف نيوتن، وبهذا فإن عضة الميجالودون قد تكون أقوى عضة لكائن في التاريخ! وهذا يرجّح أيضاً أن الميجالودون كان يهاجم الحيتان الضخمة ويتغذى عليها.
يتمتع القرش بفكين هائلي القوة وقدرة على افتراس أي كائن حي ملك البحار كان الميجالودون يسود البحار في أنحاء الكرة الأرضية، ويتواجد في كل أنواع المياه تقريباً، في المياه الساحلية الضحلة، وفي المياه العميقة، وفي المياه العكرة، وفي البحيرات المالحة، وغيرها!
ويعتقد العلماء أن الميجالودون واحد من أكثر الحيوانات المفترسة قوة؛ فإضافة إلى حجمه الهائل؛ فهو يتمتع أيضاً بسرعة السباحة، وبفكين هائلي القوة، وهو قادر على افتراس أي كائن حي يتواجد في منطقته.
وتدلّنا الحفريات أن الميجالودون كان يفترس الحيتان بأنواعها، وخنازير البحر، والفقمات، والسلاحف الضخمة.. وبسبب حجمه الهائل؛ فإن الميجالودون كان يفضّل الفرائس الضخمة؛ ولهذا فإن الحيتان هي الوليمة المفضلة له كما تدلنا على ذلك الحفريات.
ومثله أيضاً مثل باقي القروش الحالية؛ فإن الميجالودون يمكن أن يهاجم بني جنسه ويفترسهم إذا سنحت له الفرصة؛ ممارساً بذلك نوعاً من الكانيباليزم.
تدل الدراسات التي أجريت على طريقة الميجالودون في الصيد -خاصة الطرائد الكبيرة كالحيتان- على أن الميجالودون كان يصطدم بقوة بفريسته من أسفل قبل أن يقتلها، وأنه كان يركز في هجومه على الأجزاء العظمية من الفريسة ليحطمها، معتمداً على قوة فكيه الهائلة، وبالنسبة للحيتان؛ فإنه كان يعمد إلى تحطيم زعانفها لتصبح عاجزة عن الحركة، قبل أن يفترسها.
الانقراض ليس من الواضح لماذا يمكن أن ينقرض كائن مثل الميجالودون بعد ملايين السنين من سيادته للبحار؛ لكن هناك عدة نظريات في هذا الصدد:
1. ربما كان أحد أهم عوامل الانقراض انخفاض درجة حرارة المحيطات، وتغير حركة التيارات البحرية في العالم، ودخول العالم في عصر جليدي. ولأن الميجالودون كان يُفضّل المياه الدافئة؛ فإن الظروف لم تكن مواتية لازدهاره.. أيضاً أدى العصر الجليدي إلى تكتّل كميات هائلة من المياه على شكل ثلوج، وانخفاض مستوى سطح البحر في العالم، وقد أدى هذا إلى تدمير الأماكن التي كان يفضل الميجالودون تربية صغاره فيها.
2. حدوث انخفاض ملحوظ في أعداد الطرائد الكبيرة التي يفضلها الميجالودون، فمعظم هذه الطرائد الكبيرة قد انقرضت في وقت ما، إضافة إلى حدوث هجرات إلى المناطق القطبية من قِبَل الحيتان، وبالتالي صار الطعام المتوفر أمام الميجالودون أقل بكثير من ذي قبل.
3. ظهور الحوت القاتل الذي يُعرف أيضاً بالأوركا أو الحوت السفاح، وهو حوت شديد الشراسة ويتميز بقيامه بعمليات الصيد الجماعي، التي تتميز بالتعاون بين أعضاء الفريق؛ حيث يراقب فريق الحيتان الطريدة ويفاجئها بهجوم جماعي يشلّ تركيزها. وربما كان لظهور الحوت السفاح دور آخر في تناقص الغذاء المتوافر أمام الميجالودون.