في كل مرة سنقرأ قصيدة، أو جزءاً من قصيدة، أو حتى بيتاً واحداً فقط لأحد الشعراء المعروفين أو غير المعروفين اسماً، وإن بقيت أشعارهم هذه أبداً.. نفعل ذلك بحثاً عن "شوية هوا" نتنفّسهم عبر كلمات معطّرة يبقى رحيقها طويلاً طويلاً. سيد حجاب شاعر سَبَح ضد التيار، وثار على الكلمة الهابطة، على الجملة الركيكة، حاول إصلاح أحواله لأنه عاصر جيل العمالقة وتتلمذ على يديهم، ثم شقّ لنفسه طريقاً خاصاً بعيداً عن الآخرين. كانت نشأته عاملاً مهماً في اتجاهه إلى كتابة الشعر؛ فكان والده بمثابة المعلم الأول عندما كان يشاهده في جلسات المصطبة الشعرية حول الموقد في ليالي الشتاء؛ حيث وُلد في مدينة "المطرية" بالدقهلية - المدينة الصغيرة الواقعة على ضفاف بحيرة المنزلة الباردة- وهو يلقي الشعر للصيادين في مباراة أشبه بالتحطيب الصعيدي؛ فكل صياداً يُلقي ما عنده، كان يدوّن كل ما يقوله الصيادون ويحاول محاكاتهم، وكان يُخفي عن والده ذلك؛ حتى أطلعه على أول قصيدة كتبها عن شهيد باسم "نبيل منصور"؛ فشجعه والده على المُضِيّ قُدُماً في هذا الاتجاه حتى دخل المدرسة.
مع تنامي موهبته واحتكاكه وقراءاته اكتسب العديد من الخبرات حتى تقابل مع الأبنودي في إحدى ندوات القاهرة، ومن هذه الندوة أصبحا صديقين، ثم تعرّف على أستاذه الثالث صلاح جاهين؛ فكان أول لقاء بينهما بعد أن سمع قصيدة ل"سيد"؛ فانتفض واقفاً يحضنه ويلفّ به حجرة الملحن "سليمان جميل" ليقول لفؤاد قاعود: "إحنا بقينا كتير يا فؤاد"، وتنبّأ له بأنه سيكون صوتاً مؤثراً في الحركة الشعرية. وصدقت نبوءة "جاهين"؛ ففي منتصف الستينيات من القرن الماضي احتفى المثقّفون بأول ديوان له "صياد وجِنّية"، وبعده انتقل إلى الناس عبر الأثير من خلال مجموعة البرامج الإذاعية الشعرية: "بعد التحية والسلام"، "عمار يا مصر"، "أوركسترا".. وكان الأبنودي يقدّم معه البرنامج الأول بالتناوب. وعندما دخل مجال الأغنية لم يتنازل عن جوهر الشعر؛ بل إن الشاعر حماه من الانزلاق وراء كلمات سهلة يلوكها المستمع، ثم تجد طريقاً لأقرب سلة مهملات... نتركم مع أبيات من شعره "الحلمنتيشي" كما يصفه.. سلوا قلبي وقولوا لي جواباً ****** لماذا حالنا أضحى هبابا لقد زاد الفساد وساد فينا ****** فلم ينفع بُوليس أو نيابه وكُنا خيرَ خلقِ الله صِرّنا ****** في ذيلِ القايمة وفِ غاية الخيابا وشاع الجهل حتى أن بعضاً ****** من العُلماء لم يفتح كتابا قفلنا الباب أحبطنا الشبابا ****** فأدمن أو تطرّف أو تغابى أرى أحلامنا صارت سراباً ****** أرى جناتنا أضحت خرابا وصرنا نعبد الدولار حتى ****** نقول له انت ماما وانت بابا وملياراتنا هربت سويسرا ****** ونشحت م الخواجات الديابه ونُهدي مصر حباً بالأغاني ****** فتملؤنا أغانينا اغترابا وسيما الهلس تُشبعنا عذاباً ****** وتُشبعنا جرائدنا اكتئابا زمان يطحن الناس الغلابة ****** ويحيا اللص مُحترماً مُهابا فكُن لصاً إذن أو عِش حُماراً ****** وكُلْ مِشًّا إذن أو كُلْ كبابا ودُس عَ الناس أو تَنداس حتى ****** تصير لنعلِ جزمتهم تُرابا أمير الشعر عفواً واعتذاراً ****** لشعرك فيه أجريت انقلابا وما نيلُ المطالب بالطيابه ****** دي مش دنيا يا شوقي بيه دي غابه شاهد الشاعر أثناء إلقائه للقصيدة إضغط لمشاهدة الفيديو: