بعد هزيمة يونيو 67 كان الواجب الرئيسي للقيادة العامة للجيش هو إعادة تنظيم وتدريب القوات المسلحة بعد حالة الانهيار التي أصابتها في حرب يونيو، ويمكننا أن نقول إن وضع خطة تحرير الأراضي المحتلة قد بدأ عام 1967 وبالتحديد في شهر يوليو، بناء على توجيه القيادة العامة للقوات المسلحة، وبالطبع لم توضع الخطة في يوم وليلة، بل أخذت أياما وسنوات من التطوير والتعديل حتى وصلنا للخطة "بدر". ففي البداية وُضِعت خطة دفاعية في الفترة ما بين يوليو 1967 و 16 مايو 1971، أطلق عليها "الخطة 200"، وذلك أثناء تولي الفريق عبد المنعم رياض، ثم المشير "أحمد إسماعيل"، ثم الفريق أول "محمد أحمد صادق" لرئاسة الأركان.
ويقول الرئيس الراحل أنور السادات عن هذه الخطة: "إنها خطة دفاعية سليمة 100%، ولكن لا وجود لخطة هجومية".
وقد حاول الفريق أول "محمد أحمد صادق" -رئيس الأركان- وضع خطة هجومية وكانت تهدف إلى تدمير جميع قوات العدو في سيناء والتقدم السريع لتحريرها هي وقطاع غزة في عملية واحدة ومستمرة، ولكن اعترض الفريق "الشاذلي" على الخطة؛ لاحتياجها لإمكانات كبيرة حتى لو توفّرت فستحتاج إلى سنوات للتدريب عليها.
ولما كانت وجهة نظر الفريق "الشاذلي" صحيحة فقد تم الاتفاق على وضع خطتين، خطة تهدف إلى الاستيلاء على المضايق، وأخرى تهدف إلى الاستيلاء فقط على خط بارليف، وكان تنفيذ خطة الاستيلاء على المضايق يتوقّف على مدى ما سيقدّمه الاتحاد السوفيتي من أسلحة ومعدات، وقد أكد الخبراء والمؤرخون العسكريون أن تنفيذ الخطة التي وضعها الفريق "صادق" نسبة إلى الإمكانيات التي كانت تتوفر للجيش المصري وقتها تعدّ مستحيلا من الناحية العملية.
لهذا بدأ التفكير في خطة "المآذن العالية" لتكون أول خطة هجومية متكاملة يتم وضعها بعد حرب يونيو.
كان الهدف النهائي لهذه الخطة التي وضعها الفريق سعد الدين الشاذلي مقصورا على عبور قناة السويس، وتحطيم خط بارليف، ثم التوقّف على مدى من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة، وقد أكّد الخبراء والمؤرخون العسكريون أنه برغم المميزات الكثيرة للخطة فإنها كانت تشتمل أيضا على الكثير من العيوب؛ فهي لن تُحدِث أي تغيير استراتيجي مؤثّر بل سيبقى أكثر من 90% من سيناء في يد إسرائيل، بما تشمله من مناطق آبار البترول، ولن تتيح لمصر فتح قناة السويس، وهي كانت أهمّ ورقة سياسية في يد مصر.
ثم جاء الدور على الخطة "جرانيت 2" أثناء تولي الفريق سعد الدين الشاذلي لرئاسة الأركان، لتكون خطة هجومية تهدف لعبور قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف، ثم الوصول إلى منطقة المضايق كهدف استراتيجي، إلا أن الفريق "أحمد إسماعيل" رأى عدم قدرة القوات المسلحة المصرية على تنفيذها.
مراحل "بدر" وأهدافها الاستراتيجية ثم تنتهي التعديلات بالخطة "بدر"؛ فنظرا لبعض الأوضاع الاستراتيجية والجغرافية قرّرت هيئة العمليات الحربية المصرية برئاسة اللواء عبد الغني الجمسي تجهيز خطة جديدة تشمل تقدّم القوات إلى منطقة المضايق بعد العبور، ونظرا لأن الخطة الجديدة كانت بالضبط هي الخطة "جرانيت 2" مع إدخال بعض التعديلات عليها، لذلك فقد سمّيت باسم "جرانيت 2 المعدلة"، ثم تمّ تغيير اسمها قبل العبور بشهر واحد -أي في سبتمبر 1973- ليكون "بدر"، وكانت على مرحلتين:
المرحلة الأولى وتشمل العبور والاستيلاء على خط بارليف، والتقدّم لمسافة 10 إلى 12 كيلومترا في عمق سيناء.
المرحلة الثانية وتشمل تقدّم القوات شرقا والاستيلاء على منطقة المضايق.
وفي 7 يونيو 1973 جرت في القيادة العامة بمدينة نصر عملية تنظيم التعاون للخطة الهجومية المشتركة بين القوات المصرية والسورية، والتي حضرها الفريق أحمد إسماعيل، والفريق سعد الدين الشاذلي، واللواء "بهي الدين نوفل"، وعدد من الضباط المصريين والسوريين، وتم تحديد أهداف الخطة على الجبهتين بحيث تصل القوات المسلّحة السورية إلى خط نهر الأردن، والشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية.
أما القوات المسلحة المصرية فكان هدفها الوصول إلى خط المضايق الاستراتيجي شرق قناة السويس.
أما عن تدريب القوات على التنفيذ واقتحام العائق المائي وخط بارليف، فهذا في حلقة الغد إن شاء الله.. فتابعونا،،،