في عام 2006 حينما أُعدم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وقف الملثّمون القائمون على عملية الإعدام يسخرون من الرئيس المخلوع، فما كان من الرجل إلا أن قال لهم جملته الشهيرة: "هاي.. هادي مرجلة؟!"، في سخرية واضحة ممن يستفزّونه في ذلك اليوم، بينما هو مكبّل وعلى وشك الموت، في حين أن الملثّمين يحاولون أن يظفروا من وراء استفزازه بانتصار رخيص. وعلى ما يبدو فإن التاريخ سوف يستعير كلمة صدام حسين الأخيرة، ويتوجّه بها رأساً إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالقول: "سيد أوباما.. هادي مرجلة؟!". الأمريكان حينما انسحبوا من العراق في اليوم الأخير من أغسطس الماضي، تركوه بلا حكومة تُدِيره، بل فشلوا في حسم الصراع على منصب رئيس الوزراء، وهو صراع لم يكن ليحدث لولا أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته يصرّ على أن يخالف نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، ويستمر في منصبه، مما يجعلنا نبحث عن ماهية الديمقراطية الأمريكية التي طالما قالت واشنطن إنها تحققت في العراق؛ فاليوم الأزمة السياسية في العراق هي أزمة حاكم يريد أن يستمرّ في عرشه.. مثله مثل الحكام العرب كافة. انسحب الأمريكان من العراق دون أن يُعدّوا جيشه بشكل جيد، فجعلوا من العراق دولة بلا جيش على الطراز الخليجي، دولة بلا جيش يحميها، وتعتمد بشكل كامل على الجيش الأمريكي المتواجد بشكل رسمي وقانوني بقواعد في طول وعرض التراب العراقي، ضمن الأمريكان تواجد 50 ألف جندي أمريكي في 94 قاعدة عسكرية بالعراق عبر مواثيق عراقية أمريكية بشكل قانوني لا يخالف بنود الأممالمتحدة، ومن ثمّ تركت شوارع العراق لبقايا تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات التي اتّخذت من العنف العشوائي منهجاً لها. ضَعف الجيش العراقي يجعل العراق دولة مخترقة دائماً، فلا عجب أن يعلن رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي تخوّفه من غزو إيراني للعراق في مثل هذه الظروف، خاصة أن الميليشيات الشيعية الموالية لإيران تجوب العراق في سهولة ويسر، ويأتي تصريح السفير الأمريكي بالعراق أن 25% من خسائر الأمريكان بالعراق ما بين عامي 2003 و 2010 كانت بسبب الميليشيات الإيرانية، فإن هذا التصريح يوضّح حقيقة القوى الضاربة الموجودة الآن في العراق، والتي سوف تعمل جاهدة لتحويل العراق إلى لبنان آخر.. مجرد ولاية إيرانية تتخذها إيران خط دفاع عنها في حربها الطويلة مع المجتمع الدولي. هكذا العراق الأمريكي الجديد.. دولة بها قواعد أمريكية.. بدون جيش.. الأمن الداخلي منهار.. ورئيس الحكومة متمسك بكرسي الحكم. ولكن كل هذا لا يهمّ السيد أوباما كثيراً، بالنسبة للأمريكان ليس مهماً أن يكون العراق دولة قوية أو يتمتع بحكومة مستقرة، بل إنه أمر مكروه، فاستمرار الفوضى في العراق يمثل عامل استقرار لبقاء 94 قاعدة عسكرية أمريكية تؤمّن المصالح الغربية في المنطقة العربية بأسرها. والانسحاب الأمريكي الأخير من العراق يُظهر أوباما بمظهر الساحر الأمريكي الذي أخرج الأمريكان من ورطة حرب العراق؛ الورطة التي أحدثها سلفه جورج بوش الابن، وتتأهب الولاياتالمتحدةالأمريكية لسيناريو مماثل في أفغانستان خلال يوليو 2011. لقد نفضت أمريكا يديها من الدولتين، ولم تعد مهتمة إلا بالهدف الحقيقي والمنشود من هاتين الحربين، وجود عسكري ضخم، وعقود قانونية تؤمّن للغرب الحصول على النفط من تلك البلاد، والأهم أنه بعد سنوات من الحروب والفوضى في تلك البلاد، فإنه من غير الممكن أن يشكّل العراق الأمريكي الجديد خطراً على إسرائيل، أو المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط، مثلما أصبحت أفغانستان اليوم بكل ما فيها من تمرّد ومقاومة؛ فهي غير قادرة على أن تهدد مصالح أمريكا في آسيا الوسطى والشرق الأدنى كما جرى مراراً، باستثناء باكستان التي أثبتت في السنوات العشر الماضية أنها دولة فاشلة لا تستحق إلا التقسيم! لقد تكبّدت أمريكا خسائر عسكرية فادحة بالعراق، ولكن الهدف الرئيسي من العملية العسكرية الخاص بإخراج العراق من معادلة الصراع بالشرق الأوسط قد نجح تماماً.