قبل أن نتكلم عن السايبربانك، وحتى نقرب الموضوع للأذهان، دعونا نقول أولا إن سلسلة أفلام الماتريكس الشهيرة هي أوضح وأكمل نموذج لقصص السايبربانك، وبدرجة أقل قليلا أفلام مثل Blade Runner و Akira وThe Terminator. هل اقتربت الصورة قليلا؟ حسنا، فلنبدأ. السيايبربانك هو نوع من أنواع أدب الخيال العلمي، لكنه يركز على عالم التكنولوجيا والكمبيوتر. المصطلح هو مزيج من كلمتي Cybernetics، التي تعني دراسة تركيب الأنظمة المختلفة وطرق تنظيمها، وPunk، وهي نوع معين من الثقافة المتعلقة بموسيقى الروك والتي تتضمن أيضا ذوقا معينا في الفن والملابس والأدب والسينما. والمصطلح من ابتكار الكاتب بروس بيثك والذي كتب قصة بنفس الاسم عام 1983، ومن يومها وقد صار السايبربانك هو الاسم الرسمي لهذا النوع من القصص. ويرى بعض النقاد أن جذور السايبربانك تعود إلى ما هو أقدم بكثير من قصة بروس بيثك، حيث توجد بعض القصص التي يمكن تصنيفها ضمن هذه النوعية في أعمال قديمة لفيليب ديك وهارلان أليسون وصمويل ديلاني وآخرين، بعض هذه الأعمال يعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين! وتتميز القصص من هذا النوع بتيمات الذكاء الصناعي، والهاكرز، والمؤسسات الكبرى ذات الأنشطة المريبة، والهندسة الوراثية، وانقلاب النظم الاجتماعية، وسيطرة الآلات على البشر، وعادة ما تدور الأحداث في المستقبل القريب وليس البعيد. وعموما تهتم قصص السايبربانك بدراسة تأثير التطور التكنولوجي المتلاحق على حياة البشر. تميل القصص في معظمها إلى التشاؤم والسوداوية، بعض القصص تدور بالكامل على الإنترنت، وتميل إلى وصف عمليات الاتصال بين العقل البشري وأنظمة الكمبيوتر، كما تميل إلى إلغاء الحد الفاصل بين عالم الإنترنت أو العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، ويصل هذا الأمر إلى ذروته في فيلم الماتريكس حين يطغى العالم الافتراضي على العالم الحقيقي بحيث يصبح هو الواقع الوحيد. قصص السايبربانك عموما تحتوي على نزعة تمردية، وتحكي عن أشخاص مهمّشين أو أضداد أبطال يقفون وحدهم ضد الأنظمة السائدة والمسيطرة. مع الوقت توسعت قصص السايبربانك ونمت لتصبح جنسا أدبيا مستقلا بذاته، ثم تشعبت هي نفسها ليصبح لها أكثر من فرع! مثل قصص ال Biopunk التي تمتزج بعلوم البيوتكنولوجي، ويتطور فيها البشر ليس بطرق ميكانيكية ولكن عن طريق الطفرات الجينية، وقصص ال Steampunk التي تمزج السايبربانك بالتاريخ البديل، حيث تظهر أكثر التقنيات تقدما بأشكال تعود إلى عصور ما قبل التكنولوجيا. هناك أيضا Clockpunk الشبيه بالنوع السابق لكن التكنولوجيا المتقدمة فيه تعتمد على الشكل الميكانيكي الذي كان سائدا أيام الثورة الصناعية، كالتروس والزنبركات. أيضا Elfpunk الذي يمزج التكنولوجيا بعالم الجنيّات والأقزام والحكايات الخيالية، وMythpunk الذي يمزجها بالعالم الأساطير والميثولوجيا، وSplatterpunk الذي يتميز بالرعب والعنف الشديد، وغيرها. من أشهر من كتب هذا النوع من القصص في عالم الأدب الأديب ويليام جيبسون بروايته الشهيرة التي حصدت العديد من جوائز أدب الخيال العلمي Neuromancer، والصادرة عام 1984. تعتبر هذه الرواية اليوم النموذج الأوّلى لهذا النوع من الأدب. هناك أيضا بروس ستيرلينج، صاحب رواية Involution Ocean التي تحاكي رواية موبي ديك لكن أحداثها تدور بداخل فوهة بركان عميقة مليئة بالتراب بدلا من الماء، مع علاقة حب مستحيلة بين البطل وامرأة من جنس فضائي. وبات كاديجان التي تحوّل العقل البشري في قصصها إلى مكان قابل للاستكشاف. وباللغة العربية هناك سلسلة القصص www التي يكتبها د. أحمد خالد توفيق، والتي يقوم ببطولتها فيروس كمبيوتر يتنقل عبر الأسلاك من جهاز إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. بالنسبة للأفلام يعتبر فيلم Blade Runner الذي أنتج عام 1982 هو أول فيلم يقدم نوع السايبربانك بشكل واضح تماما، مع أن المصطلح نفسه لم يكن قد صُكّ بعد. والفيلم مأخوذ عن رواية لفيليب ديك بعنوان Do Androids Dream of Electric Sheep? أي هل تحلم الأندرويدات بأغنام كهربية؟ والأندرويدات هي روبوتات شديدة الشبه بالبشر. تدور الأحداث عام 2019 في عالم نقيض لليوتوبيا. كان الفيلم فاشلا في شباك التذاكر، وغالبا ما يكون هذا مصير الأعمال الرائدة، لكنه حصل على مكانته التي يستحقها بعد ذلك عند طرحه على شرائط فيديو. بعد ذلك بدأت أفلام السايبربانك تظهر على استحياء من خلال أفلام مثل New Rose Hotel و Robocop وThe Terminator و12 monkeys لتتأرجح بين النجاح والفشل، إلى أن وصلت ذروتها مع أفلام الماتريكس للأخوين واتشوسكي. أما في عالم الرسوم المتحركة فهناك أفلام Akira وGhost in the shell وBurst Angels وThe Animatrix وغيرها. وصل السايبربانك إلى عالم الموسيقى أيضا، حيث توصف العديد من الفرق الموسيقية بأنها تنتمي إلى هذا النوع بسبب المحتوى الموسيقي الذي يتحدث عن التيمات المستقبلية واليوتوبيات النقيضة وامتزاج علم البيولوجيا بالميكانيكا، ومنها فرق Covenant وFear Factory وLeft Spine Down وHeadscan. وتجد تيمات السايبربانك الكثير من الصدى في اليابان حيث تتمتع التيمات التكنولوجية بشعبية كبيرة، وقد انعكس هذا على كم مسلسلات الأنيمي (أو الكارتون الياباني) الذي تم إنتاجه في اليابان حول هذه التيمات، لعل أشهر هذه المسلسلات مسلسل Serial Experiments Lain والذي حقق نجاحا كبيرا وحصل على عدة جوائز. هذا ما كان من أمر السايبربانك!