أرسلت دار الإفتاء المصرية خطابا رسميا إلى اتحاد الناشرين المصريين، حرّمت فيه نشر الكتب على المواقع الإلكترونية مجانًا، بدون موافقة من صاحب الكتاب، ودار النشر التي صدر عنها الكتاب، وجاء ذلك الخطاب رداً على خطاب أرسله اتحاد الناشرين المصريين يطلب فيه رأي دار الإفتاء في حكم من يقوم بطبع أو نشر أو توزيع أو شراء كتاب لمؤلف أو دار نشر تملك حق طبع ونشر هذا الكتاب بأي صورة من صور النشر المقروءة أو المرئية أو الإلكترونية دون موافقة أو إذن كتابي من المؤلف صاحب العمل أو الدار الناشرة له، مما يطلَق عليه اعتداء على حقوق الملكية الفكرية. كما أوضحت دار الإفتاء في خطابها الذي توجهت به لاتحاد الناشرين أن نشر الكتب الإلكترونية بدون علم أصحابها انتحال لحقوق الملكية الفكرية وتعدٍّ عليها؛ لأنه تضييع لحقوق أصحابها وأكل لأموالهم بالباطل.
وأتساءل الآن.. ألم يحاول اتحاد الناشرين أن يعرف السبب الحقيقي وراء إقبال القرّاء على قراءة الكتب إلكترونياً بدلاً من شرائها؟ ألم يلحظوا ارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه؟ ثم ما رأي دار الإفتاء فيمن يقوم بالمبالغة في أسعار الكتب لدرجة تُعجز الكثيرين عن شرائها؟ أتذكر ندوة لكاتب كبير لمناقشة أحدث رواياته، وبعد انتهاء حديث الكاتب رفع شاب بسيط يده طالباً الكلمة -يبدو من ثياب الشاب أنه متوسط الحال- وقف هذا الشاب يتساءل: لماذا الرواية سعرها غالٍ إلى هذا الحد الذي لم يستطع معه شراءها؟ ثم فجّر سؤالاً آخر: ما رأي الكاتب في ارتفاع أسعار الكتب بشكل عام في الآونة الأخيرة؟ دعونا نتأمل نموذج هذا الشاب قليلاً، هذا الشاب مثل أي شاب بسيط، يحاول بشتى الطرق محاربة شبح البطالة الجاثم على أنفاسه، يحاول أن يتحدى ظروف البلد السيئة مثل أي شاب آخر.. هو لم ينحرف مثلما يفعل البعض، ولم يحاول الانتحار مثل الكثيرين، كل ما يتمناه هو كتاب يقرؤه علّه يتعلم منه شيئاً بعد انتهاء مرحلة المسرحية التعليمية الهزلية التي كان يلعب فيها دور الطالب، فيفاجأ بأن دور النشر لا ترحم، وتبالغ وتتمادى في رفع أسعار الكتب، بل وتحزن كثيراً من انتشار هذه الكتب بشكل إلكتروني في محاولة تحايل "مشروعة" للشباب للتصدي لهذا الغلاء الاستفزازي.
دعونا أيضاً نركّز على هذا النموذج الذي يلجأ إلى الكتب الإلكترونية كحلّ بديل لغلاء الكتب الورقية -أنا لا أتحدث بالطبع عن الشاب ميسور الحال الذي يستطيع شراء ما يحلو له من الكتب- إنه شاب مثل أي شاب، لديه وقت فراغ كبير، وأمامه عالم الإنترنت حافل بشتى أنواع المواقع، الإباحية منها والألعاب والدردشة ومعاكسة الفتيات والتسلية وتضيع الوقت... إلخ، ثم يأتي هو ويترك كل هذا، ويحاول أن يقرأ -في مجتمع لا يقرأ- ثم يأتي اتحاد الناشرين ويقول له: أنت معتدٍ على حقوق أصحاب هذه الكتب.. أنت تأكل أموال الناس بالباطل، ما تقرأه حرام حرام حرام!. ثم يتساءل المجتمع فيما بعد: لماذا ينتحرون؟ لماذا يُدمنون؟ لماذا يهاجرون هجرة غير شرعية ويعرّضون أرواحهم وأعمارهم للخطر؟ كيف نأتي بعد ذلك ونتهم الشباب ب"الهيافة" والضياع وقلة الثقافة وانعدام الوعي، كيف ننتظر منهم تقدماً ملحوظاً، وهم محرومون من كل شيء، التعليم السليم والعمل والمواصلات والزواج وحتى القراءة، ثم يجلس هذا الشاب المحروم من كل شيء أمام شاشة التليفزيون ليجد سيلاً من الإعلانات تشجّعه على القراءة!!!!، هل التشجيع على القراءة يأتي فقط من خلال الإعلانات عن حب الكتب وجمال الكتب وروعة الكتب؟ أم يأتي بالأساس من توفير الكتب بسعر معقول مناسب لكل طبقات المجتمع! أما فيما يتعلق بالإفتاء.. فنحن نعلم أن الفتوى لها أهلها ونحن نثق بهم، ولكن فتوى تحريم الكتب الإلكترونية مجاناً من حيث نتائجها تتشابه في رأيي كثيراً مع فكرة تشفير القنوات الفضائية وعدم السماح بالمشاهدة إلا بعد الدفع، وإذا تقبّلنا فكرة تشفير القنوات بصدر رحب، فكيف لنا أن نتقبل فكرة تشفير الكتب والقراءة والثقافة، أن تدفع لتقرأ لا أن تقرأ لتنفع وتبني أمة وحضارة ومستقبلاً!.