تصدَّر حي الشيخ جراح في الآونة الأخيرة صدر الأخبار في مختلف أنحاء العالم نتيجة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الذي تعتزم سلطات الاحتلال تنفيذه في هذا الحي العربي الواقع في شرق مدينة القدسالمحتلة. فما هو هذا الحي؟ وهل المطامع الإسرائيلية به جديدة أم قديمة؟ هذا ما سنحاول استعراضه هنا في هذا المقال، خاصة أن هذا الحي ليس الأول الذي تحاول إسرائيل تهويده بالقدس، فقبله شاهدنا جبل أبو غنيم الذي تحوّل إلى مستوطنة أُطلق عليها (هار حوما)، ومستوطنة معاليه أدوميم الضخمة التي أُقيمت على أراضٍ زراعية وسهول عربية لتطويق القدسالشرقية، وعزل الأحياء العربية عن بعضها البعض؛ للقضاء عليها تدريجياً. الشيخ جراح حي الصفوة العربية بالقدس الشيخ جراح هو حي عربي تأسّس في حقبة العشرينيات على أرض عربية، وكان يقطنه الصفوة والطبقة الراقية العربية بمدينة القدس، وكانت من أشهر العائلات التي قطنته عائلتان من أكبر عائلات القدس هما عائلة نشاشيبي وعائلة الحسيني، ويقع الحي في منطقة استراتيجية وحيوية هامة ويطل على عدد من الطرق والشوارع المحورية في القدس. ويضم حي الشيخ جراح حالياً عدداً من القنصليات ومقرّات البعثات الأجنبية بالقدس مثل القنصلية البريطانية والتركية والبلجيكية والإسبانية والفرنسية والإيطالية واليونانية والسويدية والفاتيكان ومقر الأممالمتحدة، بالإضافة إلى وجود عدد من الفنادق والمطاعم الفاخرة. فندق شبرد أعلنت إسرائيل موخراً عن إقامة 20 وحدة استيطانية في حي الشيخ جراح، وهنا يجب أن نعلم أن هذه الوحدات الاستيطانية ستُقام في محيط فندق شبرد الواقع على طريق هام يربط عدة مناطق حيوية بمدينة القدس، ومُقام على أرض عربية تعود ملكيتها لعائلة الحسيني الشهيرة بالقدس. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأطماع الصهيونية في هذا المكان ليست بالجديدة، بل إنها تعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل كالتالي.. قام مفتي القدس الشيخ (أمين الحسيني) ببناء منزل ضخم له على قطعة أرض يمتلكها بحي الشيخ جراح كانت تُسمى ب(كرمة المفتي) يتكون من طابقين تحيطه حدائق شاسعة –حال جميع منازل الصفوة العرب بالقدس آنذاك- إلا أنه لم يُقِمْ به أبداً، بل قام بتأجيره لشخص مسيحي يُدعى جورج أنتونيوس يُعد من كبار دعاة القومية العربية، والذي أقامت به أسرته حتى عام 1947. بداية المطامع الصهيونية في المكان بعد مغادرة عائلة أنتونيوس المنزل استولت عليه العصابات الصهيوينة، وسرقت منه العديد من الوثائق المختلفة، وبعدها أخرجتهم القوات البريطانية منه، وسيطرت هي عليه، وحوّلته إلى ثكنة عسكرية إلى أن تم جلاء قوات الانتداب الإنجليزي عن فلسطين في عام 1948. بعد حرب 1948 قامت عائلة الحسيني ببناء مبنى جديد بجوار المنزل وضمّته إليه وحوّلته إلى فندق ضخم، وهو ما يُعرف بفندق شبرد. تم تحويل منزل المفتي لفندق ثم باعته إسرائيل لملياردير يهودي أمريكي مصادرة إسرائيل للمبنى بعد احتلالها للقدس بعد احتلال إسرائيل للقدس في عام 1967 ضمته سلطات الاحتلال إلى ما يسمى (صندوق رعاية ممتلكات الغائبين) مثله في ذلك مثل العديد من الممتلكات العربية في فلسطين التي طُرد أهلها العرب منها، وكان هذا الصندوق ستاراً لسلب ونهب تلك الممتلكات ومنحها لليهود. واستمر المبنى يُستخدم كفندق لفترة معينة، ثم بعد ذلك أُغلق، واستخدمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي حتى حقبة الثمانينيات كمبنى إداري مثل استخدامه مقراً لوزارة العدل الإسرائيلية ومقراً للحاكم العسكري للضفة الغربيةالمحتلة إلخ. أولى مراحل المخطط الإسرائيلي في المكان عام 1985 قامت إسرائيل في الخامس من نوفمبر 1985 ببيع المبنى وكامل الأرض المحيطة به للملياردير اليهودي الأمريكي (أروينج موسكوفيتش) –الذي يُوصف بأنه أبو الاستيطان الصهيوني بالقدسالمحتلة- وذلك في إطار خطة موسعة لإقامة وحدات استيطانية لليهود في الأحياء العربية بالقدسالشرقية، ولكن بسبب حساسية الموضوع امتنعت بلدية القدس طوال 20 عاماً عن إصدار تراخيص بناء لهذا المشروع، ومع نشوب الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 قامت قوات حرس الحدود الإسرائيلية باستخدام المبنى كمقر مؤقت لها لمدة 15 عاماً إلى أن تم بناء مقر دائم بالقرب من المكان، ومنذ ذلك الحين ومبنى فندق شبرد خالٍ ومهجور. وفي عام 2008 تم تقديم طلب جديد لاستصدار ترخيص بناء بالمكان، وبالفعل تم في يوليو 2009 إصدار ترخيص بناء يسمح ببناء 20 وحدة استيطانية مكان الفندق مكونة من طابقين وجراج أسفل الأرض، مع الاحتفاظ بمبنى منزل المفتي على حالته الأصلية وعدم هدمه. الأزمة الدبلوماسية بين أمريكا وإسرائيل بسبب هذا المشروع أثار إصدار ترخيص البناء هذا أزمة دبلوماسية حادة بين أمريكا وبريطانيا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهي الأزمة التي يصفها المتابعون بأنها الأعنف في تاريخ العلاقات بين تلك الدول، حيث تعارض الإدارة الأمريكية تنفيذ هذا المشروع الاستيطاني؛ لأنه سيؤدي إلى تغيير الميزان الديموجرافي بالقدسالشرقية، وفي المقابل تصرّ إسرائيل على موقفها من الموضوع. في الوقت نفسه أدى هذا القرار الإسرائيلي إلى نشوب مصادمات واشتباكات شديدة داخل إسرائيل بين اليمين المتشدد (المؤيد للمشروع)، واليسار الإسرائيلي (المعارض للمشروع)، والذي تظاهر العديد من نشطائه على مدار الشهور الماضية في حي الشيخ جراح احتجاجاً على المشروع الاستيطاني.