بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه وسلّم.. فأهلا ومرحبا بكم في هذا اللقاء الطيّب للجواب عن أسئلة قرّاء موقع "بص وطل"... أمّا بعد.. فالسؤال الذي ورد إلينا يقول: ما حكم عمل المرأة في منصب القضاء والمناصب العليا؟ في الواقع نقول في الجواب عن هذا السؤال: إن المرأة مِثل الرجل في سائر التكاليف الشرعية، بل كل خطاب ورد في نص شرعي من قرآن أو سنّة إنما هو على العموم؛ أي يشمل الذكر والأنثى، ولا يختصّ به واحد منهما إلا بدليل، فإذا دلّ الدليل أو إذا استثنى الشارع من الخطاب واحدا منهما من الذكر أو الأنثى، سرنا إلى ما استثناه الشارع، وخصّصنا ما خصّصه الشارع. وعلى هذا الأساس، وردت كثير من الآيات القرآنية الشريفة ووردت الكثير من الأحاديث النبوية المطهّرة تُخاطب الذكر والأنثى بلفظ "المؤمنين"، بلفظ "الناس"، بلفظ "الذين آمنوا"، بأي لفظ.. حتى وإن وردت بلفظ التذكير؛ فالأنثى داخلة في ذلك كما حقّقه الكثير من العلماء؛ فكل تكليف للذكر هو تكليف للأنثى. القضاء والولايات، وإن عُبّر عنها في الوقت المعاصر بأنها حقّ من الحقوق للأفراد، إلا أن هذا الحقّ يكتنفه التكليف؛ أي أنه لا بد أن توجد هذه الولايات في المجتمع حتى يرقى المجتمع، وحتى يحقّق العدل والإنصاف والقيام على حوائج الناس؛ فلا بد من وجود الولايات في المجتمع. ولذلك عبّر كثير من العلماء بأنها ولايات دينية، تَولّيها يمكن أن يدور في إطار الحق والإباحة، لكن هذا الحقّ والإباحة إنما يأتي من الشارع؛ يعني وجود الحق الذي للفرد إنما يُبحث عن وجود هذا الحق ويثبُت للفرد بناءً على إثبات الشارع -من قرآن أو من سنّة- بناءً على إثباته لهذا الحق. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نُثبت حقا لأحد أو أن ننفي هذا الحق عن أحد إلا بوجود دليل، وهذا ما سار عليه العلماء في تقسيمهم للحقوق، بل إن الإمام الشاطبي –رحمه الله تعالى- لمّا ذَكَر تقسيم الحقوق، وذَكَر أن العلماء اطردوا على أن الحق يمكن أن ينقسم إلى أربعة أقسام، هو قال بأنه لا يتصوّر هذا القسم الرابع الذي هو حق محضّ للعبد. بل إن هذا الحق داخل ضمن الحقوق الأخرى التي هي لله سبحانه وتعالى محضة، أو التي هي للعبد ولله سبحانه وتعالى وحق العبد غالب، أو أنها لله سبحانه وتعالى وللعبد وحق العبد غالب، قال: لا يوجد حق للعبد محض.. ليه؟ لماذ؟ قال: لأن الشارع -سبحانه وتعالى- لو أراد أن ينزع هذا الحق عن العبد لنزعه، فهو أثبته، فإثباته لم يكن إلا به أي بنص الشارع سبحانه وتعالى. وعلى هذا الأساس، وبصرف النظر عن هذه القسمة الفقهية، إلا أننا نقرّر مبدأ عامّا أننا إذا أردنا أن نبحث عن حقّ مِن حقوق للأفراد فينبغي أن نبحث عنه في إطار نص الشارع، وورد الخطاب الشرعي للجميع، لكن ورد في خصوص المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أُخبر بأن أهل كسرى ولّوا على أمرهم امرأة، قال صلى الله عليه وسلم: "لم يُفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة"، ومِن هنا اختلف الفقهاء، هل نقف عند مورِد النص ونقول إن هذه واقعة حال ولا تتعدّى إلى غيرها من الأمور، ونقول بأن هذا قاصر على أهل كسرى فقط، ومِن ثمّ يجوز للمرأة أن تتولّى كما هو الخطاب العام، أو نقول بأن العبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا نعوّل على سبب النزول أو سبب ورود هذا النص، وإنما نعوّل على عموم هذا اللفظ، بهذا أخذ كثير من العلماء، وانتهى الكثير منهم بأنه بناءً على هذا النص الشريف، لا يجوز للمرأة أن تتولّى منصب القضاء. وذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- فيما نُسِب إليه إلى أن المرأة يجوز لها أن تتولّى القضاء فيما يجوز لها أن تشهد فيه، وذهب الإمام ابن جرير الطبري إلى جواز أن تتولّى المرأة القضاء بإطلاق فيما نُسِب إليه أيضا، وهذا القول نُسِب أيضا أو قال به ابن حزم ونُسِب إلى ابن القاسم من المالكية. فعلى كل حال، أمام تعداد هذه الأقوال الفقهية، لأن النص يحتمل هذا الخلاف، نقول بأنه يمكن للدولة المسلمة أن تتبنّى قولا من هذه الأقوال؛ فإذا ما تبنّت الدولة قولا من هذه الأقوال، أصبح هذا القول هو واجب التطبيق، ولا حرج في هذه الحالة أن تتولّى المرأة القضاء إذا ما تبنّت الدولة قول الإمام أبو حنيفة أو ما نُسِب إليه، أو القول الذي نُسِب إلى الإمام ابن جرير الطبري. دار الإفتاء المصرية تسير على الجواز وعلى الإباحة للمرأة أن تتقلّد منصب القضاء، بل وأن تتقلّد سائر الولايات التي في الدولة. والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، فضيلة المفتي يحدّثنا عن حكم عمل المرأة بمناصب القضاء إضغط لمشاهدة الفيديو: