كتب: عبد الرحمن الراشد هبّت كتائب الإخوان المسلمين المصرية تحاول التكسّب من تعاطف الرأي العام العربي مع ضحايا المجزرة البشعة التي ارتكبها نظام بشار الأسد في الغوطة الشرقية بريف دمشق، عندما هزّت العالم من جديد صور الأطفال والنساء الذين ماتوا مختنقين بالغازات السامّة. الإخوان في مصر، ومحازبوهم خارجها، حقا لا يخجلون من استخدام كل شيء للوصول إلى السلطة، ولو بليّ عنق الحقائق، من رفع شعارات وأعلام تنظيم القاعدة الإرهابي، إلى الاستنجاد بالقوى الغربية. يدّعون الديمقراطية، ويزعمون استعدادهم للتعايش مع الليبرالية، ويتحدّثون عن الإخوة مع أتباع الأديان الأخرى، وهم في الوقت نفسه يخربون النظام الذي جاء بهم إلى الحكم للهيمنة عليه، ويقيدون الحريات، وكانت الكنائس أوّل أهداف قاموا بحرقها! وعندما انتشرت صور ضحايا الغوطة الشرقية في سوريا لفّق الإخوان دعوة أنهم ضحايا النظام المصري الحالي، مثلما أن الشعب السوري ضحية النظام هناك! لكن شتان بين أطفال سوريا الأبرياء وجماعة خيرت الشاطر المتوحّشين.. كما أن الفارق كبير بين الفريق أول عبد الفتاح السيسي في مصر الذي عزل الرئيس مرسي، وبشار الأسد في سوريا الذي يقف ضد التغيير. الفروقات كثيرة؛ فالأسد يحكم الغالبية ممثّلا لأقلية صغيرة من السكان، والسيسي يمثّل غالبية الشعب المصري التي استكتبت رأيها في حملة تمرد الشعبية، وخرجت إلى الشوارع في الثلاثين من يونيو في أضخم حشد عرفته مصر في تاريخها كله، تطالب بإسقاط نظام الإخوان. بخلاف نظام الأسد في سوريا، يمثّل النظام في مصر اليوم أيضا غالبية القوى السياسية المصرية، من ناصريين، ووفديين وطنيين، وشباب، ويسار، وسلفيين، وليبراليين، أمّا الإخوان فيمثّلون أنفسهم فقط، وكانوا قد عجزوا في الانتخابات الرئاسية عن الفوز إلا بدعم من قوى اليسار والشباب الذين انقلبوا ضدهم اليوم.. وفي سوريا نظام الأسد لا يمثّل إلا نفسه. أيضا حزب الأسد، البعث الفاشي، يماثل تماما جماعة الإخوان الدينية الفاشية التي لا علاقة لها بقوى الثورة السورية. وبخلاف الأسد الذي واجه المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي، كان الجيش المصري يحمي متظاهري الإخوان لأكثر من عامين، وعندما تحوّلت تظاهراتهم واعتصاماتهم إلى العنف، وحشد السلاح، والتحريض على القتل في سيناء وضد الكنائس، ثمّ قطع الطرق، ومحاصرة المباني العسكرية والأمنية، بات مِن الطبيعي فضّ اعتصامهم بالقوة ومحاسبتهم. الإخوان -تحت قيادتهم المتطرفة الحالية- جماعة فاشية دينية لا تنوي، ولن تقبل، العمل وفق نظام مدني ديمقراطي، بخلاف ما تزعم للغرب، وما قطعته من وعود في وقت الانتخابات. إذا كانت ثمة مقارنة صحيحة، فهي أن الدكتور محمد مرسي -الرئيس المصري الإخواني المعزول- أقرب عقلا وفعلا إلى الرئيس السوري.. الدكتوران المزعومان يمثّلان ثقافة شمولية وتاريخا مظلما.. إن داخل كل واحد منهما، الأسد ومرسي، مِثل رواية الدكتور جيكل والسيد هايد، يدعيان -أعني الأسد ومرسي- الخير والبراءة، لكن في داخل كل منهما رغبة عميقة في الشر. ولا وجه للمقارنة بين الأسد والسيسي الذي حمى الإخوان لأكثر من عام، واضطرّ لعزلهم عندما أصبح الشارع المصري يغلي ويهدّد بمواجهتهم. قتلى الإخوان في ميدان رابعة سقطوا نتيجة رغبة قيادات التنظيم الفاشي في حشد أتباعهم مع أطفالهم ونسائهم كحاجز لمنع الاقتحام، وبحثا عن تعاطف العالم معهم وتأليب الرأي المحلي ضد التغيير، وأصرّ الإخوان على الجلوس هناك لأكثر من شهر رغم التحذيرات. أمّا قتلى سوريا، فمعظمهم أطفال كانوا نائمين في مخادعهم عندما قذفتهم قوات الأسد بغاز السارين. نُشر بموقع جريدة الشرق الأوسط