أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    أنباء عن اغتيال مسئول ب حزب الله في الغارة على منطقة الكولا ببيروت (فيديو)    حزب الله: لم نصدر بيانًا رسميًا عن إجراءات تنظيمية داخل قيادة الحزب    "شعر ببعض الآلام".. مصدر ليلا كورة: كهربا يغادر المستشفى بعد استقرار حالته    يلا كورة يكشف مدة غياب محمد هاني المتوقعة بعد إصابته    طبيب الزمالك يكشف آخر تطورات علاج أحمد حمدي    سيناتور أمريكي: إدارة بايدن مشلولة خوفًا من إيران مع تصاعد الأحداث بالشرق الأوسط    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    المثلوثي: عبدالله السعيد أسطورة مصرية.. وشيكابالا يعشق نادي الزمالك    أحمد محمود: سعيد بالعودة إلى بيتي من جديد.. وأتمني المزيد من البطولات مع الزمالك    عاجل.. الزمالك يعلن التعاقد مع الغيني جيفرسون كوستا لمدة 4 سنوات مقبلة    مقتل 3 أشخاص من عائلة واحدة في مشاجرة على ري أرض بأسيوط    ينتظرك الكثير من الرسائل والمكالمات.. توقعات برج الحمل اليوم 30 سبتمبر    «أمين البحوث الإسلامية» يقدم روشتة علاج للحماية من «خطر الإلحاد» (صور)    4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة    حزب الله يشن 11 هجوماً على مستوطنات جيش الاحتلال    إسرائيل تقصف 120 موقعًا لحزب الله، ولبنان يعلن استشهاد 53 شخصًا    ماذا بعد اغتيال نصر الله؟.. تحديات يواجهها الأمين العام الجديد لحزب الله    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024 (تحديث الآن)    أستاذ اقتصاد يوضح كيفية تطبيق الدعم النقدي ودور الجمعيات الاستهلاكية (فيديو)    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    وزير الإسكان يطمئن على جودة مياه الشرب بمحطة بمدينة طيبة الجديدة    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    رضا شحاتة: منصب مدير الكرة مهم في الأهلي    الرئيس السيسي: ندعم استقرار الصومال ولا علاقة لهذا بإثيوبيا    أمواج بارتفاع 4 أمتار.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الاثنين بدرجات الحرارة    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    مصرع سائق إثر تصادم توكتوك بسيارة تريلا على طريق قويسنا بالمنوفية    العثور على جثة حارس خاص مهشمة في أرض زراعية بمحافظة البحيرة    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    «عيار 21 الآن يثير الجدل».. أسعار الذهب اليوم الإثنين بيع وشراء بعد آخر قفزة سعرية (تفاصيل)    فصائل عراقية مسلحة تعلن تنفيذ هجوم على هدفين في إسرائيل    برج القوس.. حظك اليوم الاثنين 30 سبتمبر: تشعر بطاقة إيجابية    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يؤثر شرب الماء البارد على القلب؟.. الدكتور محمد عبدالهادي يوضح    غدا.. قطع التيار الكهربائي عن 3 أحياء بمدينة طور سيناء    لأول مرة في السوق المصرية.. هواوي توقع شراكة مع «طلعت مصطفى» لتقديم خدمات التكنولوجيا السحابية للمدن الذكية    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد    وزير الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 93 مليون و822 ألف خدمة مجانية خلال 59 يوما    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    السيسي: مصر من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا    نائب محافظ دمياط تبحث عملية تطهير خزانات المياه بمبانى الجهات الحكومية    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام المصري نحو التضييق أم مواجهة الأخبار المزيفة؟
نشر في صوت البلد يوم 22 - 03 - 2018

في مطلع العام الحالي، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن عن جوائز للأخبار الكاذبة، إذ قال في تغريدة على تويتر: «كان 2017 عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة ومعلومات كاذبة مخجلة»، وأعلن قائمته التي وصفها ب «الفائزين بجوائز الأخبار الزائفة»، وذلك تهكما على وسائل إعلام أميركية بينها «سي أن أن» و «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، متهما إياها بمحاولة إخراسه ومنعه من الوصول إلى البيت الأبيض.
وثمة اتهامات وجهت إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومحرك البحث غوغل بكونها ضلعاً أصيلاً في ترويج «أخبار مزيفة» خلال انتخابات الرئاسة الأميركية بلغت حد استدعاء مجلس الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي مسؤولي «غوغل» و «فايسبوك» و «تويتر» للإدلاء بأقوالهم في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسة عبر التأثير في توجيه الرأي العام باستخدام تلك المنصات.
وأفادت دراسة صادرة عن معهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بأن استمرار انتشار الأخبار المزيفة في 2017 حمل تأثيراً كبيراً على الثقة في الأخبار الواردة على الإنترنت، وتوقعت الدراسة أن الرقابة والسيطرة على «الأخبار المزيفة» ستكون موضوعاً مهماً خلال 2018. وأشارت الدراسة التي استندت إلى مسح أجري على 70 ألف شخص من 36 دولة أن 24 في المئة يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور جيد في توضيح الحقائق، في مقابل 40 في المئة لمصلحة وسائل الأخبار التقليدية، بينما أكد 29 في المئة من العينة أنهم يتجنبون متابعة الأخبار لتأثيرها السيء في مزاجهم العام.
كما رصدت الدراسة اختلافاً كبيراً في الثقة في وسائل الإعلام بين البلدان التي شملها المسح، إذ حلت فنلندا في المرتبة الأولى في نسبة الذين يثقون بالأخبار حيث بلغت 62 في المئة، وتلتها المملكة المتحدة بنسبة 43 في المئة، ثم الولايات المتحدة 38 في المئة، وجاء في ذيل القائمة كوريا الجنوبية ب23 في المئة ، صارت الأخبار المضللة بمثابة ظاهرة تقض مضجع كثير من دول العالم التي انتفضت لتواجهها، إذ تبدو تلك المنصات مجرد أداة تستخدمها دول وأصحاب مصالح وأيدلوجيات لبث أفكارهم وترويجها.
عرض «مؤشرات الثقة»
ومن جهتها، تعمل كل من «فايسبوك» و «غوغل» و «تويتر» مع مشروع الثقة على نظام آلي لعرض «مؤشرات الثقة» إلى جانب المعلومات التي يتشاركها مع مرتاديه، بينما لجأت «غوغل» إلى إطلاق تطبيق جديد هو «نشرة» تعتمد خلاله على الأشخاص المحليين لمتابعة الأخبار لكنها مدعمة بالصور والفيديو تأكيداً للصدقية والاعتماد على أشخاص من قلب الحدث.
أما موسوعة ويكيبيديا فقررت أن يجمعها تعاون مع شبكة المحررين العالمية، عبر إطلاق مشروع «ويكيتريبيون»، وهو موقع للأخبار يعمل فيه صحافيون محترفون ومتطوعون بغرض تنقيح الكتابات والمقالات من الأكاذيب.
جهود جمة تبذل، لكن لا تستطيع مواجهة سيل الأخبار التي يتم تدجينها كسلاح في ترويج الأخبار المضللة، ما فتح الباب أمام بعض الحكومات لمحاولة السيطرة والرقابة على الشاشات والصحف ومواقع الإنترنت، وبينهم الرئيس الروسي بوتين الذي كان سباقاً في هذا الصدد، إذ أصدر قراراً عام 2000، باعتبار الإنترنت مسألة أمن قومي والأهداف الوطنية فوق الحريات الشخصية والأمن القومي فوق حرية الإعلام، وفي عام 2012 أصدر الدوما تشريعاً يخول له إصدار قوائم سوداء بمواقع الإنترنت لمواجهة المواقع الإباحية والمتطرفة إلا أن استخدامه امتد للتنكيل بمعارضين.
وفي المغرب، توشك وزارة الثقافة والاتصال على الانتهاء من مشروع قانون يهدف إلى تجريم الأخبار الزائفة، بينما تستعد تركيا لسن تشريع من شأنه توسيع سلطات هيئة الإذاعة والتلفزيون لفرض الرقابة على المواد السمعية والبصرية وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي أو الأفلام التي تعرضها شركات على الإنترنت ومنها نتفليكس، إذ تنظر إليها باعتبارها خطراً على الأمن القومي، ما عرض أردوغان لحملة واسعة من الانتقادات لكونها مساساً بحرية الرأي التعبير وتقويضاً للحريات.
وفي مصر، أصدر النائب العام المصري منذ أيام قراراً يقضي بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدعوى ملاحظة «محاولة قوى الشر النيل من أمن الوطن وسلامته عبر نشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها من إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية واتخاذ الإجراءات الجنائية حيالها».
ما بين مؤيد ومعارض، ومخاوف أن يحمل القرار المبهم في طياته وسيلة لمزيد من كبح الحريات أو التضييق على المعارضين، لا سيما أن عباراته جاءت مطاطة، كما لا يوضح القرار آليات وكيفية تطبيقه، وطرح القرار تساؤلات ومخاوف حوله كونه درءاً لبث الإشاعات والأكاذيب أم أنها مدخل للملاحقات الأمنية ومحاكم التفتيش على الصحف ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل رحب بعضهم بالقرار، إذ يرون أنه سيسيطر على حجم الإشاعات.
القرار جاء عقب أيام قليلة من تحقيق «بثته بي بي سي» عن الاختفاء القسري في مصر، والادعاء أن فتاة تدعى زبيدة تعرضت للسجن والتعذيب والاغتصاب من قبل الشرطة، ثم ظهور الفتاة لتكذب تلك الادعاءات ويتضح أنها تركت عائلتها وتزوجت وأنجبت.
وعلى رغم إعلان نقيب الصحافيين المصريين عبد المحسن سلامة التوافق مع القرار إلا أن عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ كان له رأي آخر، إذ قال ل «الحياة» إنه «يفترض أن نقابة الصحافيين هي المعنية بما يخص الصحف والمواقع الممثلة لمؤسسات إعلامية معتمدة لديها، إذ تعمل على ضبط إيقاع المهنة، ومن لديه شكوى فليتقدم بها إلى نقابة الصحافيين قبل التقدم إلى النيابة العامة كي تطبق ما جاء في ميثاق الشرف الصحافي، وتحيل أي مخطئ إلى التحقيق لاتخاذ الجزاءات والإجراءات المتعارف عليها». وأضاف عبد الحفيظ :»إذا فتحنا الباب أمام فكرة «المحتسب» سواء كانت جهة قضائية أم أمنية أم أياً من مؤسسات الدولة المختلفة، عبر التدخل في مراجعة المحتوى في الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو المسموعة أو المرئية، فهذا من شأنه أن يجعل الصحافي يعمل في أجواء من الخوف ومن ثم لن يقدم رأياً أو معلومة إلى الجمهور، مهما كان متحققاً منها وهذا يؤدي إلى تفكيك المهنة التي تعد مهنة «إخبار». أي إخبار الجمهور بما يحدث أو تفهيم الناس في الجزء المتعلق بالرأي والتحليل، وعليه سيكون على الصحافيين البحث عن مهنة أخرى».
وأوضح عبد الحفيظ: «لا يوجد صحافي يعمل في مؤسسة تحصل على تراخيصها من الدولة المصرية يمكنه في هذا التوقيت القيام بنشر أخبار كاذبة، وفي حال حدوث ذلك يتم التوجه إلى نقابة الصحافيين التي تتوافر لها إجراءات عقابية غير السجن، فما الذي يجعل صحافياً يمتهن مهنة تجعل سيف السجن مسلطاً على رقبته».
ويرى أن الغرض من مواقع التواصل الاجتماعي هو التنفيس والدردشة وتبادل الأحاديث، ومن ثم لا يمكن التعامل معها بوصفها وسيلة إعلامية لتناقل وبث الأخبار، كما لا يمكن السيطرة عليها لكون المؤسسات المالكة لتلك المنصات غير مصرية، كما أن القائمين عليها بدأوا في وضع وتطوير ضوابط للاستخدام بناء على ما يحدث من مستجدات لكننا لن نتدخل لنفرض عليهم قواعدنا.
إجراءات استثنائية
ويرى خبير الإعلام والعلاقات الدولية جلال نصار أن كل الدول تتخذ إجراءات استثنائية في زمن الأزمات، وقد أعلنت الدولة المصرية أنها في «حال حرب»، لكنها لم تعلن عن حزمة الإجراءات الموازية التي يفترض إعلانها مع بدء العمليات العسكرية وتنتهي بانتهائها والتي كان يتوجب الكشف عنها وتحديدها بحزم وقناعة، منوها بأن المجتمعات قد تقاوم ذلك أحياناً، لكن معظمها يقبله من الناحية الموضوعية بوصفه استثناء للقاعدة، وخلال مواجهة تحديات تمس الأمن القومي يتم اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية يتم قبولها على مضض ومن دون مقاومة. وأشار إلى أن في معظم التجارب الأميركية في كل حروبها كان يحدث نوع من التجاوزات لا يرضى عنها المجتمع، ومنها ممارسات عنصرية واعتقالات بلغت نحو 40- 50 ألف معتقل، لكن المجتمع كان لاحقاً يقوم بتصحيح التجربة وانتقادها».
ويرى نصار أن فترة الحرب هي لحظة وجود، أي أن ثمة معادلة صفرية بين الدولة وطرف آخر، وبدورها تتخذ كل الإجراءات ومنها العسكرية والإعلامية والقانونية، لكن المشكلة في الحال المصرية تكمن في أن السلطات أعطت التعليمات للجنود للاشتباك في معركة عسكرية، لكنها في المقابل لم تقم بإجراءات التوعية للمواطنين، في ظل منظومة إعلامية تفتقد الصدقية تماماً، فصار المواطن خلال هذه المرحلة مشوشاً لا يعرف ملامح دوره، لا سيما أن ثمة متغيرات طرأت على المجتمع، فعلى رغم كونه يمتلك خبرات الحرب والأزمات وداعماً دائماً للقوات المسلحة، إلا أن هناك جيلاً حالياً لم يعاصر أو يخض أي حروب، إضافة إلى أن المجتمع تسوده حال من الاستقطاب والحروب الإعلامية غير مفهومة التوجهات بالداخل والخارج.
ويتابع: «تلك الإجراءات لا يوجد كتالوغ يحدد معالمها، فكل دولة تتخذ ما تراه ملائماً لحالتها، وقد تطاول الإعلام والحريات العامة، فلا توجد دولة تخوض حرباً وتكون لديها حرية كاملة بل منقوصة لأن المقابل هو «سيادة منقوصة».
وأكد نصار أن الأخبار الكاذبة صارت تشغل العالم كله، لكنها تعمقت بصور أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكون التعامل يكون مع قائم بالاتصال مجهول، بينما ملخص العملية الإعلامية هو رسالة وصدقية، ما جدد الحديث عن صدقية الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام المؤسسية».
ويشير نصار إلى أن العالم كله بدأ يتشكك في مصادر المعلومات، وليس أنظمة العالم الثالث فقط، وصارت هناك حروب نفسية وإعلامية كاملة تقوض أنظمة ودولاً وتشرد شعوباً بسبب منظومة إعلامية صارت أشد قسوة من الذخائر، لافتاً إلى أن الدولة المصرية لا تملك أدوات ورؤية لمواجهة تلك الحرب حتى الآن، كما أن قرار النائب العام يحتاج إلى تفسير، وتوضيح آلية المراقبة والخطوط الفاصلة للتجاوزات، وعند معاقبة أحدهم لا بد من أن تعرفه واجباته أولاً وما جريمته وتوصيفها، لا سيما أن المواطن العادي ليست لديه أدوات التيقن من صدقية الخبر، إذ يبقى مجرد متلقٍ.
ويختم بقوله: «لا توجد وصفة سهلة للتوازن بين الحريات والمسؤولية في زمن الحرب فكل شعب له تجربته، ومصر لديها تجربة استثنائية ممتدة لكونها مرت بثورتين، كما أن ثوابت كثيرة اهتزت ومنها سياسية وقيمية، في ظل غياب نخبة حقيقية أو مكون ثقافي يمكن أن يجمع الناس حوله، فضلاً عن حال الاستقطاب السياسي، وأعتقد أن المجتمع ما زال يمر بمرحلة انتقالية لا يمكن توصيفها، وغياب التوصيف يؤدي إلى غياب الحلول والعلاج».
في مطلع العام الحالي، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن عن جوائز للأخبار الكاذبة، إذ قال في تغريدة على تويتر: «كان 2017 عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة ومعلومات كاذبة مخجلة»، وأعلن قائمته التي وصفها ب «الفائزين بجوائز الأخبار الزائفة»، وذلك تهكما على وسائل إعلام أميركية بينها «سي أن أن» و «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، متهما إياها بمحاولة إخراسه ومنعه من الوصول إلى البيت الأبيض.
وثمة اتهامات وجهت إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومحرك البحث غوغل بكونها ضلعاً أصيلاً في ترويج «أخبار مزيفة» خلال انتخابات الرئاسة الأميركية بلغت حد استدعاء مجلس الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي مسؤولي «غوغل» و «فايسبوك» و «تويتر» للإدلاء بأقوالهم في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسة عبر التأثير في توجيه الرأي العام باستخدام تلك المنصات.
وأفادت دراسة صادرة عن معهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بأن استمرار انتشار الأخبار المزيفة في 2017 حمل تأثيراً كبيراً على الثقة في الأخبار الواردة على الإنترنت، وتوقعت الدراسة أن الرقابة والسيطرة على «الأخبار المزيفة» ستكون موضوعاً مهماً خلال 2018. وأشارت الدراسة التي استندت إلى مسح أجري على 70 ألف شخص من 36 دولة أن 24 في المئة يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور جيد في توضيح الحقائق، في مقابل 40 في المئة لمصلحة وسائل الأخبار التقليدية، بينما أكد 29 في المئة من العينة أنهم يتجنبون متابعة الأخبار لتأثيرها السيء في مزاجهم العام.
كما رصدت الدراسة اختلافاً كبيراً في الثقة في وسائل الإعلام بين البلدان التي شملها المسح، إذ حلت فنلندا في المرتبة الأولى في نسبة الذين يثقون بالأخبار حيث بلغت 62 في المئة، وتلتها المملكة المتحدة بنسبة 43 في المئة، ثم الولايات المتحدة 38 في المئة، وجاء في ذيل القائمة كوريا الجنوبية ب23 في المئة ، صارت الأخبار المضللة بمثابة ظاهرة تقض مضجع كثير من دول العالم التي انتفضت لتواجهها، إذ تبدو تلك المنصات مجرد أداة تستخدمها دول وأصحاب مصالح وأيدلوجيات لبث أفكارهم وترويجها.
عرض «مؤشرات الثقة»
ومن جهتها، تعمل كل من «فايسبوك» و «غوغل» و «تويتر» مع مشروع الثقة على نظام آلي لعرض «مؤشرات الثقة» إلى جانب المعلومات التي يتشاركها مع مرتاديه، بينما لجأت «غوغل» إلى إطلاق تطبيق جديد هو «نشرة» تعتمد خلاله على الأشخاص المحليين لمتابعة الأخبار لكنها مدعمة بالصور والفيديو تأكيداً للصدقية والاعتماد على أشخاص من قلب الحدث.
أما موسوعة ويكيبيديا فقررت أن يجمعها تعاون مع شبكة المحررين العالمية، عبر إطلاق مشروع «ويكيتريبيون»، وهو موقع للأخبار يعمل فيه صحافيون محترفون ومتطوعون بغرض تنقيح الكتابات والمقالات من الأكاذيب.
جهود جمة تبذل، لكن لا تستطيع مواجهة سيل الأخبار التي يتم تدجينها كسلاح في ترويج الأخبار المضللة، ما فتح الباب أمام بعض الحكومات لمحاولة السيطرة والرقابة على الشاشات والصحف ومواقع الإنترنت، وبينهم الرئيس الروسي بوتين الذي كان سباقاً في هذا الصدد، إذ أصدر قراراً عام 2000، باعتبار الإنترنت مسألة أمن قومي والأهداف الوطنية فوق الحريات الشخصية والأمن القومي فوق حرية الإعلام، وفي عام 2012 أصدر الدوما تشريعاً يخول له إصدار قوائم سوداء بمواقع الإنترنت لمواجهة المواقع الإباحية والمتطرفة إلا أن استخدامه امتد للتنكيل بمعارضين.
وفي المغرب، توشك وزارة الثقافة والاتصال على الانتهاء من مشروع قانون يهدف إلى تجريم الأخبار الزائفة، بينما تستعد تركيا لسن تشريع من شأنه توسيع سلطات هيئة الإذاعة والتلفزيون لفرض الرقابة على المواد السمعية والبصرية وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي أو الأفلام التي تعرضها شركات على الإنترنت ومنها نتفليكس، إذ تنظر إليها باعتبارها خطراً على الأمن القومي، ما عرض أردوغان لحملة واسعة من الانتقادات لكونها مساساً بحرية الرأي التعبير وتقويضاً للحريات.
وفي مصر، أصدر النائب العام المصري منذ أيام قراراً يقضي بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدعوى ملاحظة «محاولة قوى الشر النيل من أمن الوطن وسلامته عبر نشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها من إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية واتخاذ الإجراءات الجنائية حيالها».
ما بين مؤيد ومعارض، ومخاوف أن يحمل القرار المبهم في طياته وسيلة لمزيد من كبح الحريات أو التضييق على المعارضين، لا سيما أن عباراته جاءت مطاطة، كما لا يوضح القرار آليات وكيفية تطبيقه، وطرح القرار تساؤلات ومخاوف حوله كونه درءاً لبث الإشاعات والأكاذيب أم أنها مدخل للملاحقات الأمنية ومحاكم التفتيش على الصحف ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل رحب بعضهم بالقرار، إذ يرون أنه سيسيطر على حجم الإشاعات.
القرار جاء عقب أيام قليلة من تحقيق «بثته بي بي سي» عن الاختفاء القسري في مصر، والادعاء أن فتاة تدعى زبيدة تعرضت للسجن والتعذيب والاغتصاب من قبل الشرطة، ثم ظهور الفتاة لتكذب تلك الادعاءات ويتضح أنها تركت عائلتها وتزوجت وأنجبت.
وعلى رغم إعلان نقيب الصحافيين المصريين عبد المحسن سلامة التوافق مع القرار إلا أن عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ كان له رأي آخر، إذ قال ل «الحياة» إنه «يفترض أن نقابة الصحافيين هي المعنية بما يخص الصحف والمواقع الممثلة لمؤسسات إعلامية معتمدة لديها، إذ تعمل على ضبط إيقاع المهنة، ومن لديه شكوى فليتقدم بها إلى نقابة الصحافيين قبل التقدم إلى النيابة العامة كي تطبق ما جاء في ميثاق الشرف الصحافي، وتحيل أي مخطئ إلى التحقيق لاتخاذ الجزاءات والإجراءات المتعارف عليها». وأضاف عبد الحفيظ :»إذا فتحنا الباب أمام فكرة «المحتسب» سواء كانت جهة قضائية أم أمنية أم أياً من مؤسسات الدولة المختلفة، عبر التدخل في مراجعة المحتوى في الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو المسموعة أو المرئية، فهذا من شأنه أن يجعل الصحافي يعمل في أجواء من الخوف ومن ثم لن يقدم رأياً أو معلومة إلى الجمهور، مهما كان متحققاً منها وهذا يؤدي إلى تفكيك المهنة التي تعد مهنة «إخبار». أي إخبار الجمهور بما يحدث أو تفهيم الناس في الجزء المتعلق بالرأي والتحليل، وعليه سيكون على الصحافيين البحث عن مهنة أخرى».
وأوضح عبد الحفيظ: «لا يوجد صحافي يعمل في مؤسسة تحصل على تراخيصها من الدولة المصرية يمكنه في هذا التوقيت القيام بنشر أخبار كاذبة، وفي حال حدوث ذلك يتم التوجه إلى نقابة الصحافيين التي تتوافر لها إجراءات عقابية غير السجن، فما الذي يجعل صحافياً يمتهن مهنة تجعل سيف السجن مسلطاً على رقبته».
ويرى أن الغرض من مواقع التواصل الاجتماعي هو التنفيس والدردشة وتبادل الأحاديث، ومن ثم لا يمكن التعامل معها بوصفها وسيلة إعلامية لتناقل وبث الأخبار، كما لا يمكن السيطرة عليها لكون المؤسسات المالكة لتلك المنصات غير مصرية، كما أن القائمين عليها بدأوا في وضع وتطوير ضوابط للاستخدام بناء على ما يحدث من مستجدات لكننا لن نتدخل لنفرض عليهم قواعدنا.
إجراءات استثنائية
ويرى خبير الإعلام والعلاقات الدولية جلال نصار أن كل الدول تتخذ إجراءات استثنائية في زمن الأزمات، وقد أعلنت الدولة المصرية أنها في «حال حرب»، لكنها لم تعلن عن حزمة الإجراءات الموازية التي يفترض إعلانها مع بدء العمليات العسكرية وتنتهي بانتهائها والتي كان يتوجب الكشف عنها وتحديدها بحزم وقناعة، منوها بأن المجتمعات قد تقاوم ذلك أحياناً، لكن معظمها يقبله من الناحية الموضوعية بوصفه استثناء للقاعدة، وخلال مواجهة تحديات تمس الأمن القومي يتم اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية يتم قبولها على مضض ومن دون مقاومة. وأشار إلى أن في معظم التجارب الأميركية في كل حروبها كان يحدث نوع من التجاوزات لا يرضى عنها المجتمع، ومنها ممارسات عنصرية واعتقالات بلغت نحو 40- 50 ألف معتقل، لكن المجتمع كان لاحقاً يقوم بتصحيح التجربة وانتقادها».
ويرى نصار أن فترة الحرب هي لحظة وجود، أي أن ثمة معادلة صفرية بين الدولة وطرف آخر، وبدورها تتخذ كل الإجراءات ومنها العسكرية والإعلامية والقانونية، لكن المشكلة في الحال المصرية تكمن في أن السلطات أعطت التعليمات للجنود للاشتباك في معركة عسكرية، لكنها في المقابل لم تقم بإجراءات التوعية للمواطنين، في ظل منظومة إعلامية تفتقد الصدقية تماماً، فصار المواطن خلال هذه المرحلة مشوشاً لا يعرف ملامح دوره، لا سيما أن ثمة متغيرات طرأت على المجتمع، فعلى رغم كونه يمتلك خبرات الحرب والأزمات وداعماً دائماً للقوات المسلحة، إلا أن هناك جيلاً حالياً لم يعاصر أو يخض أي حروب، إضافة إلى أن المجتمع تسوده حال من الاستقطاب والحروب الإعلامية غير مفهومة التوجهات بالداخل والخارج.
ويتابع: «تلك الإجراءات لا يوجد كتالوغ يحدد معالمها، فكل دولة تتخذ ما تراه ملائماً لحالتها، وقد تطاول الإعلام والحريات العامة، فلا توجد دولة تخوض حرباً وتكون لديها حرية كاملة بل منقوصة لأن المقابل هو «سيادة منقوصة».
وأكد نصار أن الأخبار الكاذبة صارت تشغل العالم كله، لكنها تعمقت بصور أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكون التعامل يكون مع قائم بالاتصال مجهول، بينما ملخص العملية الإعلامية هو رسالة وصدقية، ما جدد الحديث عن صدقية الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام المؤسسية».
ويشير نصار إلى أن العالم كله بدأ يتشكك في مصادر المعلومات، وليس أنظمة العالم الثالث فقط، وصارت هناك حروب نفسية وإعلامية كاملة تقوض أنظمة ودولاً وتشرد شعوباً بسبب منظومة إعلامية صارت أشد قسوة من الذخائر، لافتاً إلى أن الدولة المصرية لا تملك أدوات ورؤية لمواجهة تلك الحرب حتى الآن، كما أن قرار النائب العام يحتاج إلى تفسير، وتوضيح آلية المراقبة والخطوط الفاصلة للتجاوزات، وعند معاقبة أحدهم لا بد من أن تعرفه واجباته أولاً وما جريمته وتوصيفها، لا سيما أن المواطن العادي ليست لديه أدوات التيقن من صدقية الخبر، إذ يبقى مجرد متلقٍ.
ويختم بقوله: «لا توجد وصفة سهلة للتوازن بين الحريات والمسؤولية في زمن الحرب فكل شعب له تجربته، ومصر لديها تجربة استثنائية ممتدة لكونها مرت بثورتين، كما أن ثوابت كثيرة اهتزت ومنها سياسية وقيمية، في ظل غياب نخبة حقيقية أو مكون ثقافي يمكن أن يجمع الناس حوله، فضلاً عن حال الاستقطاب السياسي، وأعتقد أن المجتمع ما زال يمر بمرحلة انتقالية لا يمكن توصيفها، وغياب التوصيف يؤدي إلى غياب الحلول والعلاج».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.