رئيس أكاديمية الشرطة يوجه رسالة للخريجين: "اجعلوا مصر أمانة في أعناقكم"    عميد "تمريض الإسكندرية" تتفقد قاعات المحاضرات لاستقبال الطلاب الجدد    استقرار نسبي في سوق العملات: الدولار يتراوح بين 48.28 و48.62 جنيه مصري    جهود محلية ناصر ببني سويف في ملفات النظافة والتعديات ومتابعة مستوى الخدمات    حسن نصر الله وحزب الله.. تاريخ المواجهة مع إسرائيل    روسيا: الدفاعات الجوية تسقط 125 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق روسية    سلطنة عمان تدعو لوقف القتال في المنطقة ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع    شريف عبد الفضيل يكشف أسباب هزيمة الأهلي أمام الزمالك    تحرير 170 محضرًا لمخالفات بالأسواق والمخابز في بني سويف    إصابة 14 شخصا في انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    الفنانة شيرين ضيفة برنامج "واحد من الناس" مع عمرو الليثي.. الإثنين    على هامش معرض كتاب "الصحفيين".. غدًا عرض فيلم "الطير المسافر.. بليغ عاشق النغم"    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    بث مباشر.. السيسي يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة أكاديمية الشرطة    الأول على كلية الشرطة 2024: الانضباط مفتاح النجاح    ملازم تحت الاختبار: التحاق شقيقي الأكبر بأكاديمية الشرطة شجعني لاتخاذ الخطوة    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمال ووسط قطاع غزة    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    الطماطم ب25 جنيهاً.. أسعار الخضروات في الشرقية اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    مباريات اليوم: «ديربي» ريال مدريد وأتلتيكو.. قمة اليونايتد وتوتنهام.. ظهور جديد لمرموش    «جهات التحقيق تدخلت».. شوبير يكشف تطورات جديدة بشأن «سحر مؤمن زكريا»    كلاكيت تانى مرة أهلى وزمالك بالسوبر الإفريقى.. قمة السوبر الإفريقى حملت «المتعة والإثارة» فى ثوب مصرى خالص    ننشر حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    "الحوار الوطنى" يستعرض آليات تحويل الدعم العينى لنقدى.. فيديو    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 30 سبتمبر    ضبط شاب يصور الفتيات داخل حمام كافيه شهير بطنطا    إصابة 14 شخصا في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    وزير الداخلية يوافق على استبعاد صومالي وأوزباكستاني خارج البلاد    تعرف على الحالة المرورية بشوارع القاهرة والجيزة اليوم    المشدد 10 سنوات لعامل لحيازته مخدرى الحشيش والهيروين بالإسكندرية    وزير الإسكان يؤكد مواصلة حملات إزالة مخالفات البناء والإشغالات بعدة مدن جديدة    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في بداية التعاملات    فاتن حمامة وحليم .. ملوك الرومانسية فى مهرجان الإسكندرية السينمائى    وفاة الحاجة فردوس شقيقة أحمد عمر هاشم.. وتشييع الجنازة ظهر اليوم من الزقازيق    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    استدعاء «التربي» صاحب واقعة العثور على سحر مؤمن زكريا    قرود أفريقية خضراء وخفافيش الفاكهة.. ماذا تعرف عن فيروس ماربورج؟    طبيبة تكشف أفضل الأطعمة للوقاية من الأمراض في الخريف    مسئول أمريكي كبير يرجح قيام إسرائيل بتوغل بري محدود في لبنان    ريهام عبدالغفور تنشر صورة تجمعها بوالدها وتطلب من متابعيها الدعاء له    المندوه: ركلة جزاء الأهلي في السوبر الإفريقي «غير صحيحة»    محمد طارق: السوبر المصري هدف الزمالك المقبل..وشيكابالا الأكثر تتويجا بالألقاب    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي.. أحمد موسى عن مناورات الجيش بالذخيرة الحية: «اللى يفت من حدودنا يموت»    نشوي مصطفي تكشف عن مهنتها قبل دخولها المجال الفني    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    احذر من إرهاق نفسك في الأحداث الاجتماعية.. برج القوس اليوم 28 سبتمبر    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    رؤساء الجامعات يوجهون الطلاب بالمشاركة في الأنشطة لتنمية مهاراتهم    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزيه أبو عفش: خوّنت لأنني بقيتُ ما كنتُه
نشر في صوت البلد يوم 24 - 02 - 2018

كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».
كسر الشاعر نزيه أبو عفش (1949) عزلته ليأتي من بيته في مرمريتا (60 كلم عن مدينة حمص) من أجل لقاء مفتوح معه في دمشق. واللقاء الذي نظمته جمعية «عين الفنون» جمع نخبة من المثقفين والفنانين وفتح الجدل واسعاً حول حال البلاد بعد سبع سنين من الحرب. أبو عفش افتتح اللقاء بقراءات من دواوين عدة، ثم افتتح الحضور النقاش مع صاحب «هكذا أتيت هكذا أمضي» وأجاب في مستهل كلامه: «في هذه الحرب لم أكتب الشعر، بل كتبتُ ما أسميته «يوميات ناقصة» ويبدو أنها ستظل ناقصة إلى وقت طويل. منذ فترة كتبتُ نصاً عنوانه «سورية التي كانت» وهي في الحقيقة ومنذ أربعين عاماً كان اسمها «سورية التي كانت» فما بالكم اليوم؟ الحلم مثل الأمل هو زوادة اليائسين والخاسرين الذين يحلمون والأمل لا يلزم إلا هؤلاء».
الحوار مع أبو عفش بحث في معنى الهزيمة الثقافية وتجلياتها على الأرض السورية: «عدم الاستسلام سهل، هذا أسميه «تيسنة»... لن أستسلم ولا أريد أن أستسلم، نعرف بعضنا أننا تيوس، المشكلة أننا نعرف أننا لن نستسلم، لكن المشكلة بأن نعرف بأننا انتهينا. قبل أن نفتح هذا الحوار كنت أتكلم مع الأصدقاء عن هذا الشيء الصغير على الخارطة الذي اسمه سورية. وكانت أنطاكية وفلسطين ولبنان والجولان في سورية الكبرى. كما كانت إدلب والقامشلي أيضاً في سورية! بعد قليل نقول لن نستسلم، الله يشفينا بأننا لا نريد أن نستسلم! هنا لا أتكلم عن الجغرافيا، هل أكشف لكم سراً: إنني ومنذ أن بدأت الأحداث في سورية ألتزم الحذر الشديد عندما أصعد على سلّم البناء الذي أسكن فيه بدمشق؟ هذا الحذر ليس جغرافياً».
وجهة نظر إنسان
«كم من البلاد أيتها الحرية» ليست نبوءة، يجيب الشاعر مؤكداً قناعاته القديمة في العدالة والحرية: «لقد كان هذا الكتاب مجرد وجهة نظر إنسان وليس الشاعر فقط كما يصفه البعض بأنه يستشرف ويتنبأ. الشاعر هو من يرى، وأنا كأي إنسان رأيتُ ما يحدث اليوم قبل سنوات، كما أنني أرى في هذه اللحظة سورية عام 2040، أراها الآن بكل وضوح. على العكس لم أغير قناعاتي القديمة، وما زلت حتى الآن أكتب «كم من البلاد أيتها الحرية؟» حتى الآن أكتب: «تعالوا نعرّف هذا اليأس» و «ما ليس شيئاً». إنني بهذا المعنى أعيدُ كتابةَ ما كتبتُه منذ عقود. أقلّدُ نفسي، وأعيد وأكرر نفسي، لكنني لم أقل أن ما يحدث اليوم هو ثمن الحرية، ما يحدث اليوم هو ورطة أوقعنا فيها من ظنوا أن الطريق إلى الحرية لا يكون إلا على هذا النحو. لماذا لم ينتبه أحد إلى أنني كتبتُ وفي الصفحة الأولى من كتاب «كم من البلاد أيتها الحرية» وبعد العنوان مباشرة: «وأما أنا فأرى أن الحرية قضيةٌ عظمى تستحق أن يعفى الإنسان من الموت في سبيلها. لم أتغير أيها الأصدقاء، فهذه ديانتي من الأساس».
وأضاف في ردوده على الأسئلة: «لقد نسيتُ هذه الصناعة التي يسمونها الشعر، فبدأت بكتابة «يوميات ناقصة» تحديداً منذ أواخر آذار (مارس) من عام 2011. وقتها لم تكن قد بدأت ما تسمى الثورة السورية، ولم تكن قد بدأت أيضاً الحرب على سورية، لكنني شممتُ الرائحة في تونس وليبيا، وصادف ذلك موعد أمسية شعرية لي في مسرح المدينة في بيروت، فاعتذرتُ من الحضور وقتذاك، وقلتُ لهم بأنني لن أقرأ لكم شعراً، بل سأقرأ لكم من اليوميات التي أكتبها هذه الأيام، وفعلاً وأنا أقرأ قلتُ لهم أن النسخة الثانية من السيناريو الليبي هو ما يحدث اليوم في بلادي. عاتبوني وقتذاك بأنني تنكرتُ للثورة وتنكرتُ لكلامي وقصائدي عن الحرية والعدالة. لقد رأيتُ وشممتُ دماً، ليس لأنني تنبأتُ، بل لأنني شممتُ الرائحة بقراءة بسيطة للغاية، فالأميركيون الذين يصنعون الأسلحة والأوبئة والأمراض والإيدز لن يسمحوا لنا نحن السوريين بأن ننال حريتنا. هل تعلمون أنه لو استطعنا أن ننال حريتنا ماذا كانت ستفعل أميركا بنا؟ كانت ستقتلعنا من جذورنا، لماذا؟ لأنه ممنوع علينا ذلك. بكيتُ عندها في مسرح المدينة وبحضور أصدقائي غسان مطر وسماح إدريس ووزير الدفاع الحالي في لبنان يعقوب الصراف. ونلت حقي من الشتائم والتخوين وأكثر من هذا، فقط لأني بقيتُ ما كنتُه. كل شيء كتبته وقتها: «ليتها لا تحدث هذه الحرية». لقد رأيتُها في تونس ورأيتُها أكثر في ليبيا، لتبدأ ألاعيب الفيس بوك فكتبت: «البيت على وشك الانهيار، دعونا نوقف الاقتتال على من يحمل المفتاح»، ليرد عليَّ شخص هو ابن رئيس جمهورية سورية السابق وابن من أبناء الحزب الحاكم ليقول لي: هذا ليس بيتاً! حسناً! ليس بيتاً...إنه كوخ! ولكن هل نسمح أن ينهار فوق رأسي ورأسك ورأس الجميع؟ وأنت وسواك يعرفون أنه سوف ينهار. من وقتها حتى الآن».
ليتها لم تحدث
ومما قال: «العام الفائت صديقي وحبيبي منذر مصري كتب «ليتها لم تحدث»، صفقوا له، أما أنا فعندما كتبت: «ليتها لا تحدث» شتموني وأنا من قلتها قبل ست سنوات مثلما قلتها لمحمد ملص. اليوم إذا جلبنا جثث الأموات الذين سقطوا في هذه الحرب الحرة العظيمة ألن يكون المشهد أهم من مشهد تحرير لينينغراد؟ لكنّ الذين ماتوا فيها، هؤلاء الذين رأيناهم على الشاشة هم أموات فعلاً، وأُمَّهاتهم حتى الآن يغصصن كلما تذكّرنهُم. أعرف أمهات يمكن أن يبكين لمجرد ان يسمعن أغنيةً لفيروز، هؤلاء ألا يوضعن في الحسبان؟ هؤلاء الكذا مئة ألف رجل وامرأة وطفل الذين ماتوا في هذه الحرب إذا وضعناهم في نسق طولاني، ألا يشكلون طريق ذهاب وإياب من دمشق إلى القامشلي؟ هؤلاء ألم يفكر بهم أحد؟ هؤلاء أليس لهم أمهات وآباء وأبناء؟ هذه الحرية أليس لي نصيب منها بأن لا يشهّر بي لهذه الدرجة؟ ألا تظلمني الحرية الى هذه الدرجة؟ ألا تهدر دمي؟ بعد لقائي مع منذر مصري كتبت: «اليوم الثلثاء في 28/9/2017/ استعدتُ صديقاً. بالنسبة لي اليوم انتهت الحرب».
«قبّح الله الحرية، أنا أخاف من هذه الحرية، يضيف أبو عفش ويعقب. أحتاج اليوم نظاماً، أريد ستالين، أريد القيصر إيفان الرهيب؟ زادوا الهجوم علي، كل ما سجلوه على ستالين من فاتورة القتلى لا يعادل من تقتلهم أميركا في ساعات على مستوى العالم. الخوف أن تطرق بابي هذه الحرية ليلاً وتستجوبني. لن أغش، أنا في السنوات الأخيرة لم أعد أعرف ما هو الشعر من سواه؟ صدقاً لم أعد أعرف أين يقع الشعر؟ لدرجة أنه في كثير من الأوقات صرت أقرأ أشعاراً لامرئ القيس ولمالك ابن الريب والصعاليك، فأقول لنفسي هل يكون الشعر كما يكتب هؤلاء؟ وأعود واقرأ لواحد من النكرات الذين لم يمض على كتابتهم للشِّعر سوى أيام، فأرسل له تحيات على الملأ، وأفرح لهذا النص الذي يولد. أتساءل اليوم: يا ترى فيما لو تعافيت كإنسان، ولو لم تمر عليّ هذه السنوات السبع العظيمة كيف كان ممكنا أن أكتب الشعر؟ وكيف كان لنصي أن ينمو أو يتغير؟ لا أعرف؟ لكن أظن أنني لن أكتب كما أكتب الآن. فالآن أكتب الغصّة بصيغتها الخام، أما الشعر فأكيد سوف أكتبه في شكل آخر. اليوم أحن إلى قصائدي التي كتبتها من مثل :ساعة الذئب، كاليغولا، القلعة، نوتردام... أحن إلى هذه القصائد، لكن العافية العصبية والروحية لا تساعدني على كتابة مثلها، لقد كان حلمي أن أبقى هناك مع تلك القصائد، ولكن من يسمح لك اليوم أن تبقى مع أحلامك؟ يبدو أن هذا ليس من حقك، الآن أعيش مع الكوابيس».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.