محافظ القاهرة يوجه رؤساء الأحياء بالتواجد الميداني بين المواطنين يوميا    رئيس الوزراء الإسباني يحث تحالف اليسار الفرنسي على هزيمة لوبان    جاكبو يقود تشكيل منتخب هولندا ضد تركيا في ربع نهائي اليورو    بسبب خلافات بينهما.. المشدد لأب ونجله شرعا في قتل شخص بشبرا الخيمة    منافذ بيع تذاكر مهرجان العلمين 2024 وموعد انطلاقه    عمرو هندي: الحوار الوطني خلق حالة من الاصطفاف الوطني    احذر تشغيل تكييف السيارة في هذه الحالات.. تهددك بالاختناق وتضر المحرك    ضبط 371 ألف قرص مخدر بالقاهرة و السويس    إخلاء سبيل اللاعب أمام عاشور في تهمة التعدي على فرد أمن بالشيخ زايد    3 قرارات.. نتائج جلسة المناقشة الثانية لمجلس نقابة المحامين    «التنمية الحضرية»: الانتهاء من تطوير المنطقة الثقافية بتلال الفسطاط بنسبة 100%    احتجاجات في تل أبيب تطالب بإقالة حكومة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة    جميلة عوض تشارك جمهورها بلقطات من شهر العسل في فرنسا.. صور    حفيد محمود ياسين ناعيًا أحمد رفعت: «زعلان عليه ومبسوط بحب ربنا فيه»    كاتب سوداني: دور مصر متواصل وتعمل على تهيئة الحوار بين الفرقاء    أجمل رسائل التهنئة برأس السنة الهجرية 1446.. والأدعية المستحبة لدخول العام الجديد    بمناسبة رأس السنة الهجرية.. وكيل «صحة الشرقية» يوزع الهدايا على مرضى مستشفى أبو كبير    إستونيا تعلن تزويد كييف بمنظومات دفاع جوي قصيرة المدى    البابا تواضروس يشهد سيامة 24 كاهنًا جديدًا للخدمة بمصر والخارج    المروحة تبدأ من 800 جنيه.. أسعار الأجهزة الكهربائية اليوم في مصر 2024    محافظ القاهرة يتفقد أحياء المنطقة الجنوبية    جامعة أسيوط تنظم حفل تخرج الدفعة رقم 57 من كلية التجارة    وزير الأوقاف يصل مسجد السيدة زينب ويزور المقام قبل احتفالية العام الهجري الجديد - (صور)    توطين مليون يهودى فى الضفة «مخطط الشر» لإنهاء حل الدولتين    ضمن «حياة كريمة».. 42 وحدة صحية ضمن المرحلة الأولى من بني سويف    رانيا المشاط.. الاقتصادية    كلاكيت تاني مرة.. جامعة المنيا ضمن التصنيف الهولندي للجامعات    لأول مرة.. هروب جماعى لنجوم «الفراعنة» من أوليمبياد باريس    قافلة طبية مجانية.. الكشف على 706 مواطنين فى إحدى قرى قنا ضمن «حياة كريمة»    جنازة غريبة للمستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري السوري وأقاربها يرفضون دفنها في مسقط رأسها    عماد الدين حسين: الحوار الوطنى يحظى بدعم كبير من الرئيس السيسى    وزير التموين: نعمل على ضبط الأسعار بطرق مبتكرة ليصل الدعم للمستحقين    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 (صناعي وزراعي وتجاري).. خطوات الحصول عليها    تأجيل محاكمة 3 مسؤولين بتهمة سرقة تمثال من المتحف الكبير لجلسة 7 أكتوبر    ناجلسمان يتطلع للمنافسة على كأس العالم بعد توديع ألمانيا ليورو 2024    خلال جولة رئيس الوزراء فى حديقة الأزبكية .. الانتهاء من أعمال التطوير بنسبة 93%    وزير الصحة يستقبل وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية لمتابعة الخطة التدريبية للمسعفين المصريين    المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    طلب مفاجئ من ماجد سامي بعد وفاة أحمد رفعت| عاجل    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمبرتو إيكو كاتب الولع بالأسرار والغوامض
نشر في صوت البلد يوم 12 - 03 - 2017

في ذكرى رحيل السيميائي والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو نستعيد فعل الفكر في الثقافة، وكيف لهذا الفكر أنْ يتحوّل إلى قوة فاعلة وحقيقية؟ مثلما هو التحوّل الذي استغرقه في مجال السرديات، وفي نظرته لمفهوم الأدب ولتقنيات المعرفة، ولوظيفة العلامات في ترسيم مسارات الكتابة، وتأويل خطابها، عبر بلورة صورة ورسالة مختلفتين للكاتب والقارئ، وهذا ما أعطى لكتابات إيكو الواسعة في مجالات السرد والسيمياء والنظرية الأدبية شغفا في التعاطي مع ما هو غامض وسري في المعرفة والأفكار، وحتى في الدين، بوصفه خطابا يتضمن معرفة وعلامات وصراعات وحتى جرائم.
رواية استثنائية
لعل رواية “اسم الوردة” هي العتبة التي عرف من خلالها القارئ العربي إيكو، ووجد في سرديات هذه الرواية الغامضة مجالا لمعرفة ما يمكن تسميته بخفايا الأسرار وشفراتها من خلال “سردنة العلامات”، وهو مفهوم يمكن الاستعانة به أيضا للكشف عن الكثير من النسقيات الصراعية المضمرة في ثقافتنا العربية والإسلامية.
قد تبدو قراءة أمبرتو إيكو صادمة للقارئ العربي، ومثيرة لمزاجه القرائي، ليس لأن كتاباته السردية والسيميائية ذات حمولات معينة، بقدر ما تنطوي على معطيات مثيرة للجدل، تهدف إلى تمرير أفكار ومواقف ووجهات نظر متعددة ومختلفة، وهذا ما يضع فعل قراءة سيميائياته السردية تحت حافز يتجاوز الإثارة إلى ما يمكن أن تتمثله من أطروحات فكرية تجسدها نظرته التي يقول عنها “إن الأفكار التي لا تستطيع أن تقولها عليك أن تطرحها سردا”.
هذه النظرة المتعالية لحمولة السرد هي التي جعلت من نصوصه صعبة ومثيرة، فقراءة كتاباته تشبه قراءة خارطة من الكلمات المتقاطعة، إذ تتطلب وعيا مُستَفزّا بخفايا الذاكرة التاريخية والثقافية، وذخيرة فاعلة في المصطلحات والمفاهيم والمعلومات والطقوس وسرائر السياسة والأديان، وقدرة على ربط الأشياء والأفكار والشفرات بعضها بالبعض الآخر، فهو يضع كل تلك الأشياء التي يكتبها داخل متاهة، وفي مسارات تنشط فيها التقاطعات والصراعات السرية، وتتسع معها فكرة التأويل، لكنه بالمقابل يُخضعها إلى موجهاته المنهجية، ووظائفية مُعجمه الحاشد بالعلامات.
هذا التموضع يعني التحفيز على القراءة، القراءة التي تختلط فيها اللذة بالتحدي، والمغامرة بالمعرفة، مثلما يعني له البحث عن أشياء خبيئة في الأنساق المضمرة للنصوص والعلامات والآثار الفنية والفكرية، أو في الوثائق التي يتقصّى من خلالها أسرار الصراعات والجرائم السرية، والنزاعات الفلسفية والدينية، تلك التي عمد إلى إثارتها في كتابته عن مفهوم “البنية الغائبة”، والتي عدّها الكثيرون تأسيسا أوليّا لمشروعه الكبير، وتقعيدا نظريا لمنظوره السيميائي، والذي ارتبط به بشكل واضح منذ بدء حياته المعرفية، إذ تعلق بجماليات العصور الوسطى التي تجلت فيها الكثير من شفرات العوالم السرية في الكنائس، والصراعات التي انخرطت فيها جماعات دينية وثقافية وسياسية، وهو ما انعكس على طبيعة مشغله السيميائي والهرمونيطيقي، وعلى رواياته، من خلال اختيار أنماط سردياتها وترسيم ملامح شخصياتها.
إشكاليات وجودية
قد يكون مفهوم “البنية الغائبة” كما ترجمه سعيد بن كراد جوهرا في اشتغالات العقل العربي، بحكم هيمنة سطوة الغائب في الشعور الجمعي، وبخصوصية علاقته مع ميثيولوجيا الخلاص التي تشتغل عليها الكثير من الجماعات الدينية، وهذا ما يُعطي لسيميائيات إيكو حضورا مميزا في النظر إلى العلامة والتأويل والنص والخطيئة بوصفها محفزا للكشف عن الكثير من اللانهائي في الأفكار.
دأب إيكو على ملاحقة تلك الأفكار، من خلال ما تثيره من صراعات، وإشكاليات وجودية، ومن خلال ما تُحفّزه على الانشداد إلى محفزات القراءة العميقة، وعلى ما تستدعيه من أسئلة ملتبسة، وعلى ما تفترضه من علامات لها قابلية التَمثّل اللساني والتصوري، تبعث على تأويل فائق للوجود والتاريخ والقيم والرسائل الدينية، فهي محشوة بالكثير من المقاربات السيميائية، أو قريبة مما سُمّي ب”السميوز” أي السيرورة المنتجة للدلالات وتداولها كما سماها سعيد بن كراد، تلك التي تطورت مع جماليات التلقي، والتي أرهص إيكو بأطروحاته لفهمها أولا، ولتجلية ما يمكن أن يتبدى من جماليات مضادة تفترضها العلاقة غير المحددة ما بين النص والقارئ، خاصة من خلال كتابه “الأثر المفتوح”، حيث كرّس فيه منهجه النظري والإجرائي لدراسة النص وتمثّلاته، ولتنشيط مسار الفعل التأويلي الذي قد تثيره القراءة، إذ يقول إيكو في الكتاب “كل أثر فني حتى وإن كان مكتملا ومغلقا من خلال اكتمال بنيته المضبوطة بدقة، هو أثر “مفتوح” على الأقل من خلال كونه يؤول بطرق مختلفة، دون أن تتأثر خصوصيته التي لا يمكن أن تختزل، ويرجع التمتع بالأثر الفني إلى كوننا نعطيه تأويلا ونمنحه تنفيذا ونعيد إحياءه في إطار أصيل”.
أغنى إيكو المكتبة العربية بكتابات شكلت مفارقة كبيرة في مسارات تلقي المعرفة، وفي التعاطي مع أسئلتها، فمن خلال روايات “بندول فوكو”، و”باودولينو”، و”اعترافات روائي شاب”، و”مقبرة في براغ”، و”العدد صفر”، وضعنا إيكو أمام القراءة المفارِقة، القراءة التي تُحيل إلى المعرفة، وإلى ما يحيط العالم من رهاب تساكنه الأقنعة، واللغة المُدجّجة بالغموض.
تظل استعادة إيكو الروائي والسيميائي محاولة في البحث عن اللاسياق في المعرفة، حيث تُمارس الأفكار وظائف غير آمنة لمواجهة الغامض والمجهول واللامُفكر به.
في ذكرى رحيل السيميائي والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو نستعيد فعل الفكر في الثقافة، وكيف لهذا الفكر أنْ يتحوّل إلى قوة فاعلة وحقيقية؟ مثلما هو التحوّل الذي استغرقه في مجال السرديات، وفي نظرته لمفهوم الأدب ولتقنيات المعرفة، ولوظيفة العلامات في ترسيم مسارات الكتابة، وتأويل خطابها، عبر بلورة صورة ورسالة مختلفتين للكاتب والقارئ، وهذا ما أعطى لكتابات إيكو الواسعة في مجالات السرد والسيمياء والنظرية الأدبية شغفا في التعاطي مع ما هو غامض وسري في المعرفة والأفكار، وحتى في الدين، بوصفه خطابا يتضمن معرفة وعلامات وصراعات وحتى جرائم.
رواية استثنائية
لعل رواية “اسم الوردة” هي العتبة التي عرف من خلالها القارئ العربي إيكو، ووجد في سرديات هذه الرواية الغامضة مجالا لمعرفة ما يمكن تسميته بخفايا الأسرار وشفراتها من خلال “سردنة العلامات”، وهو مفهوم يمكن الاستعانة به أيضا للكشف عن الكثير من النسقيات الصراعية المضمرة في ثقافتنا العربية والإسلامية.
قد تبدو قراءة أمبرتو إيكو صادمة للقارئ العربي، ومثيرة لمزاجه القرائي، ليس لأن كتاباته السردية والسيميائية ذات حمولات معينة، بقدر ما تنطوي على معطيات مثيرة للجدل، تهدف إلى تمرير أفكار ومواقف ووجهات نظر متعددة ومختلفة، وهذا ما يضع فعل قراءة سيميائياته السردية تحت حافز يتجاوز الإثارة إلى ما يمكن أن تتمثله من أطروحات فكرية تجسدها نظرته التي يقول عنها “إن الأفكار التي لا تستطيع أن تقولها عليك أن تطرحها سردا”.
هذه النظرة المتعالية لحمولة السرد هي التي جعلت من نصوصه صعبة ومثيرة، فقراءة كتاباته تشبه قراءة خارطة من الكلمات المتقاطعة، إذ تتطلب وعيا مُستَفزّا بخفايا الذاكرة التاريخية والثقافية، وذخيرة فاعلة في المصطلحات والمفاهيم والمعلومات والطقوس وسرائر السياسة والأديان، وقدرة على ربط الأشياء والأفكار والشفرات بعضها بالبعض الآخر، فهو يضع كل تلك الأشياء التي يكتبها داخل متاهة، وفي مسارات تنشط فيها التقاطعات والصراعات السرية، وتتسع معها فكرة التأويل، لكنه بالمقابل يُخضعها إلى موجهاته المنهجية، ووظائفية مُعجمه الحاشد بالعلامات.
هذا التموضع يعني التحفيز على القراءة، القراءة التي تختلط فيها اللذة بالتحدي، والمغامرة بالمعرفة، مثلما يعني له البحث عن أشياء خبيئة في الأنساق المضمرة للنصوص والعلامات والآثار الفنية والفكرية، أو في الوثائق التي يتقصّى من خلالها أسرار الصراعات والجرائم السرية، والنزاعات الفلسفية والدينية، تلك التي عمد إلى إثارتها في كتابته عن مفهوم “البنية الغائبة”، والتي عدّها الكثيرون تأسيسا أوليّا لمشروعه الكبير، وتقعيدا نظريا لمنظوره السيميائي، والذي ارتبط به بشكل واضح منذ بدء حياته المعرفية، إذ تعلق بجماليات العصور الوسطى التي تجلت فيها الكثير من شفرات العوالم السرية في الكنائس، والصراعات التي انخرطت فيها جماعات دينية وثقافية وسياسية، وهو ما انعكس على طبيعة مشغله السيميائي والهرمونيطيقي، وعلى رواياته، من خلال اختيار أنماط سردياتها وترسيم ملامح شخصياتها.
إشكاليات وجودية
قد يكون مفهوم “البنية الغائبة” كما ترجمه سعيد بن كراد جوهرا في اشتغالات العقل العربي، بحكم هيمنة سطوة الغائب في الشعور الجمعي، وبخصوصية علاقته مع ميثيولوجيا الخلاص التي تشتغل عليها الكثير من الجماعات الدينية، وهذا ما يُعطي لسيميائيات إيكو حضورا مميزا في النظر إلى العلامة والتأويل والنص والخطيئة بوصفها محفزا للكشف عن الكثير من اللانهائي في الأفكار.
دأب إيكو على ملاحقة تلك الأفكار، من خلال ما تثيره من صراعات، وإشكاليات وجودية، ومن خلال ما تُحفّزه على الانشداد إلى محفزات القراءة العميقة، وعلى ما تستدعيه من أسئلة ملتبسة، وعلى ما تفترضه من علامات لها قابلية التَمثّل اللساني والتصوري، تبعث على تأويل فائق للوجود والتاريخ والقيم والرسائل الدينية، فهي محشوة بالكثير من المقاربات السيميائية، أو قريبة مما سُمّي ب”السميوز” أي السيرورة المنتجة للدلالات وتداولها كما سماها سعيد بن كراد، تلك التي تطورت مع جماليات التلقي، والتي أرهص إيكو بأطروحاته لفهمها أولا، ولتجلية ما يمكن أن يتبدى من جماليات مضادة تفترضها العلاقة غير المحددة ما بين النص والقارئ، خاصة من خلال كتابه “الأثر المفتوح”، حيث كرّس فيه منهجه النظري والإجرائي لدراسة النص وتمثّلاته، ولتنشيط مسار الفعل التأويلي الذي قد تثيره القراءة، إذ يقول إيكو في الكتاب “كل أثر فني حتى وإن كان مكتملا ومغلقا من خلال اكتمال بنيته المضبوطة بدقة، هو أثر “مفتوح” على الأقل من خلال كونه يؤول بطرق مختلفة، دون أن تتأثر خصوصيته التي لا يمكن أن تختزل، ويرجع التمتع بالأثر الفني إلى كوننا نعطيه تأويلا ونمنحه تنفيذا ونعيد إحياءه في إطار أصيل”.
أغنى إيكو المكتبة العربية بكتابات شكلت مفارقة كبيرة في مسارات تلقي المعرفة، وفي التعاطي مع أسئلتها، فمن خلال روايات “بندول فوكو”، و”باودولينو”، و”اعترافات روائي شاب”، و”مقبرة في براغ”، و”العدد صفر”، وضعنا إيكو أمام القراءة المفارِقة، القراءة التي تُحيل إلى المعرفة، وإلى ما يحيط العالم من رهاب تساكنه الأقنعة، واللغة المُدجّجة بالغموض.
تظل استعادة إيكو الروائي والسيميائي محاولة في البحث عن اللاسياق في المعرفة، حيث تُمارس الأفكار وظائف غير آمنة لمواجهة الغامض والمجهول واللامُفكر به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.