عن دار كنوز المعرفة الأردنية صدر للباحث المغربي عبد الرحيم وهابي كتاب جديد عنوانه: «السرد النسوي العربي: من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية». وقد أماط الباحث عبد الرحيم وهابي اللثام، انطلاقا من مقدمة مؤلفه النقدي، عن تسلحه بعدة منهجية لا تبغي عن منهج الدراسات الأكاديمية وروحها حِوَلا، لذا، يبدو أنه أبى ولوج أسوار بحثه حول الخطاب السردي النسائي العربي، بدون تمحيص النظر، في مصطلحات الدراسة ومفاهيمها، أليست المصطلحات «مفاتيح العلوم»؟ لذا، استهل الناقد عبد الرحيم وهابي، كتابه الجديد، بتقديم مهم؛ حاول فيه مقاربة مفهوم/ مصطلح الأدب النسوي؛ وما يطرحه من إشكالات؛ تتعلق بتوزع الرؤى بين إنكار تميز الأنثى عن الرجل في السرد، أو الاعتراف بحضورها وكينونتها، والأمر الهام، في مقاربة المؤلف لهذه القضية، يتمثل في نأيه الكبير، بذاته عن توجيه تحليله وخلاصاته، لذا نجد الباحث وبموضوعية كبيرة، تنم عن تمرس بالدراسات العلمية المنهج؛ التي تترك مسافة واضحة بين الذات والموضوع، ينحو باتجاه استعراض الآراء المتباينة حول المفهوم، ليخلص إلى تميز الخطاب السردي النسوي. وقد تحكم انحياز المؤلف لفكرة فرادة الأدب النسوي العربي وخصوصيته، في منهج تحليله لذلك الخطاب واستكناه مستغلقاته، ما جعله يبتعد عن المعالجة الفردية للأعمال السردية النسوية ويتجاوزها، ويوثر بالمقابل، البحث عن الخيط الناظم بين مجموعة الأعمال. منذ البدء، لفت الباحث عبد الرحيم وهابي، الانتباه، إلى ما يميز السرد النسوي العربي بشأن كيفية تعامل كاتباته مع الأحداث والشخصيات؛ من حيث التقديم والتأخير، الاهتمام والإهمال . لقد قادت مسألة البحث عن الذات في السرد النسائي العربي، الباحث إلى استنتاج جنوح الساردات العربيات نحو الانشطار والتشظي. ومن أجل الاستفادة من أحياز كبيرة لحرية القول، جنحت الساردات العربيات إلى ما سماه الكاتب لعبة القناع؛ ليس» فقط لسبر عوالم التخييل، ولكن كآلية دفاعية عبرت من خلالها الشخصيات النسوية عن عدم قدرتها على مواجهة الواقع بوجهها السافر». إن صفات الشخصيات التي جرى حصرها من لدن الناقد – كما بينا أعلاه- جعلته يرصد جانبا مهما من حياتها، يتمثل في ميولها نحو التحول؛ لذا ألفيناه ينقب في تطور مسار الشخصيات في السرد العربي؛ من خلال ما عاشته تلك الشخصيات عبر السرد من تحولات… وهي أنواع تحولات بيولوجية تطرأ على فيزيولوجية الجسد، من خلال الانتقال من مرحلة الطفولة نحو مرحلة المراهقة، وصولا نحو مرحلة النضج والاكتمال. وتحولات نفسية واجتماعية لها علاقة وطيدة بوضعية هذه الأنثى التي تعتبر بطلة المحكي في المتن المدروس من قبل المؤلف. وقد انتقل عبد الرحيم وهابي بعد ذلك، للتبئير الداخلي في السرد النسوي العربي، حيث توقف عند الشكل الذي اعتمدته الساردات، وخلص إلى أن «الرؤيا المختلفة تستبطن شكلا مختلفا، ومن هنا لا يمكن للخصوصية النسوية للنص أن تكتمل إلا من خلال منظور جديد للكتابة «. وقد سجل المؤلف هيمنة ضمير الأنا في الخطاب السردي النسوي العربي في العتبات الروائية (الأنا / المرأة، الأنا وانفعالات الذات، المرأة/الجسد، الأنا/ والآخر). الطريف في دراسة عبد الرحيم وهابي، تتمثل في إلمامها الفطن بجميع جوانب الخطاب السردي النسائي العربي، حيث لم تغلب جانبا على آخر، كما أنها لم تتعامل بانتقائية إيديولوجية مع المتن المدروس، لذا، ألفينا الباحث ينقب في الخطاب السردي النسائي العربي، عن خصوصية البوح الأنثوي، من خلال أشكاله الفنية طورا، وعبر ثيماته وموضوعاته الشائكة والحميمية… طورا آخر. وقد أسعف المنهج والرؤية اللذان تمتع بهما الباحث، في قيادة دراسته نحو المقاربة النسقية للموضوع، التي تنظر في مجموع الخطاب السردي النسائي العربي، بدل الاكتفاء ببعض أجزائه أو ثناياه، وكانت النتيجة الأخيرة التوصل الى استنتاج مهم، بشأن ما يجمع الخطاب السردي النسائي العربي من حيث الثيمات، أو ما يمكن تسميته في هذا السياق، بالقاسم المشترك بين السرود النسائية العربية، وهو ما سماه المؤلف ب» أزمة ميديا» التي عرفها بالقول «ومن خلال تأملنا للمتن الحكائي النسوي العربي، لاحظنا كثافة حضور: أزمة ميديا في حياة البطلات اللواتي عبرت المبدعات من خلالهن عن هموم المراة العربية، وتصوير مخاوفها وضياعها، في مجتمع يتخلى فيها عن أقرب المقربين إليها: زوجها أو حبيبها، ليتحول من شخص محبوب إلى شخص تكن له مختلف مشاعر الكراهية والاحتقار». وقد رصد الباحث استنكار الخطاب السردي النسائي العربي، التسلط الذكوري من خلال رفضهن وصايا الرجال الظالمة بحق النساء، كما عرض هجاء النساء للرجال، وتمرد النساء ضد بنات جنسهن، أي النساء اللائي سماهم الناقد، المسترجلات و»التي تمثلها في الغالب الأمهات والجدات، والعمات… المدافعات عن قيم الذكورة باستماتة قد تفوق في بعض الأحيان دفاع الرجال أنفسهم». ومن الثيمات الأساسية التي رصدها عبد الرحيم وهابي، في الخطاب السردي النسائي العربي، الجسد الذي وصفه بعد استقراء عميق ولاشك لبنياه العميقة والداخلية، بالجسد الآثم، لذا، شخص مؤلفنا رؤية النساء لهذا الجسد؛ حيث عبرن عن رفضهن الشديد ما سماه «الاختزال الجن سي»، وأبدين مقاومة شرسة من أجل تصحيح هذه الصورة النمطية، يقول الباحث «لقد كان لسيمياء الجسد حضور لافت في السرد النسوي العربي، حيث كتبت المرأة عن حرية الجسد واستعباده، وعن شهوته وإغراءاته، ومقاومته واستسلامه. الجسد العاشق والجسد الأمومي… فاستطاعت بذلك أن تفرض وجهة نظرها الخاصة حول جسدها، وفق تقنيات تخييلية متميزة منفلتة من قوانين النقاد وتنظيراتهم، فالبنيات السردية تدور في فلك المرأة، وهوية هذا السرد لا يمكن تحديدها خارج العالم الأنثوي». لقد دافعت الساردات في المتن المدروس عن الجسد، بسعيهن لإخراجه من منطقة الشبهة وسوء الظن الذي يصل درجة الاحتقار، إلى مقام الافتخار به، يقول المؤلف «فإن وظيفة السرد النسوي كانت هي المعارضة الساخرة لهذه النظرة من خلال جعل الجسد مصدرا للفخر، تجاهر المرأة بنزعته الإيروتكية». ومن الثيمات المتعلقة بجسد المرأة في الخطاب السردي النسوي العربي، ما سماه المؤلف بعقدة البكارة عند الرجل؛ التي اعتبرتها الساردات، من الممارسات القاسية التي يقوم بها الذكور في حق أجسادهن تصل درجة الاغتصاب، البكارة التي يحتمي وراءها المجتمع الذكوري دفاعا عن الشرف، هي اختزال لقيمة المرأة التي ينظر إليها من زاوية ضيقة.. مسألة البكارة عند الرجال، لا تعدو كونها حسب الساردات، مناسبة لاستعراض الذكور عضلاتهم وتفوقهم من خلال وحشية الافتضاض التي لا ترى في المرأة إلا قطرات من الدم تستخرج بالقوة خلال طقوس عملية الزواج التي تنفر منها كثير من بطلات السرد النسوي. ثم يقف الناقد بعد ذلك، عند تعامل بطلات السرد مع أجسادهن من خلال ثنائية الغواية والمقاومة، ويبين كيف أن الأنثى تجد ذاتها مجبرة، حسب تقاليد المجتمع على الاستسلام للنزوات، أو الثورة وإثبات الذات من خلال التمنع والمقاومة، على الرغم من النتيجة الوخيمة أي التهميش والإقصاء. جسد المرأة في السرد النسائي العربي، كما شخصه الناقد في مؤلفه، معرض للتحولات، من الطفولة نحو المراهقة حيث تترصد الجسد الأنثوي العيون، وصولا إلى مرحلة الذبول، حيث يتوقف ذلك الجسد عن تقديم خدمات للرجل؛ الذي يبدأ تحت تأثير شهواته، في البحث عن أنثى جديدة، فالمرأة تختزل عند الرجل في الجسد. من هنا تسعى المرأة المبدعة حسب الناقد عبد الرحيم وهابي، إلى الثورة «ضد هذه النظرة التي ينظر بها الآخر لجسدها، وسلاح هذه الثورة هو اللغة». لذا، سعت كثيرات من المبدعات لتصحيح نظرة الآخر للأنثى، من كونها مجرد جسد مثير جنسيا، الى كونه يحمل قيمة ثقافية، ما جعل الناقد عبد الله محمد الغدامي يجزم في كتابه المرأة واللغة «بأن السعي إلى تحويل الجسد الأنثوي من قيمة جنسية إلى قيمة ثقافية، يعتبر جوهر الرؤية الإبداعية التي يتأسس عليها السرد النسوي العربي». وفي نهاية كتابه، أفرد الناقد عبد الرحيم وهابي فصلا لما سماه «ما وراء القص في السرد النسوي العربي» الذي اعتبره من خصائص روايات ما بعد الحداثة، وعرفه بأنه «نسج نص مواز، ما وراء قصصي، يتجاوز حدود السرد، إلى إنتاج خطاب يكشف عن الوعي الكتابي عند المبدعات». ختاما، نستخلص في ضوء ما عرضناه أعلاه باقتضاب، أن الباحث الأكاديمي عبد الرحيم وهابي، مارس قراءة جادة ورصينة للمتن السردي النسوي العربي، وحاول استكناه مستغلقات هذا الخطاب، متوسلا بالمنهج الموضوعاتي، وبعض مفاهيم النقد الثقافي، كما أنه أطر تحليلاته وتأويلاته القرائية بمقاربة نصية حاولت، كما صرح الباحث نفسه، أن «تنصت إلى الصوت الداخلي للنصوص، مادام تواتر الثيمات، وتشابه الموضوعات، قد فرضته النصوص نفسها»، ولعل اللافت في هذه الدراسة هو حرص الباحث الشديد على الإنصات بأمانة ووفاء، لنبض النصوص والساردات وبطلاتهن، لذا، تعذر علينا أن نصادف في رحلته المديدة مع الخطاب السردي النسوي العربي، ميلا أو هوى، لهما علاقة بجنس الباحث القارئ، أو بموقف أو نزعة إيديولوجية، إننا وبكل تجرد أمام دراسة وجهها المنهج العلمي الصارم بمقتضى الأعراف الصرفة التي لا تتزلف التلفيق والتأويل الفاسد. لقد قربنا الناقد من متن ضخم، مكون من واحد وخمسين نصا روائيا، لست وثلاثين روائية عربية، وسبع وعشرين مجموعة قصصية، لاثنين وعشرين قاصة من المغرب العربي، والمشرق العربي، ودول الخليج العربي، والمثير أن الباحث أحاط بأبرز القضايا الشائكة في الخطاب السردي النسائي العربي في 224 صفحة، وهذا من الاجتهادات النادرة في تحليل الخطاب الروائي العربي… وقد تتبعنا ذلك الخطاب بالعودة إلى مظانه الأصلية، وسياقاته النصية، فألفينا الباحث لا ينتقي الكلام، ولا يلوي أعناق النصوص ولا يشتط في الحكم والقراءة، ولا يكتفي بالنظرة العابرة، والإطلالة المتعجلة، والوقوف المتقاعس عند العتبات، والاكتفاء بها إن هذا العمل، وبكل موضوعية، من الجهود المثمرة التي بإمكانها الارتقاء بعملية قراءة الأعمال الإبداعية، وتقويمها، دون هوى زائغ أو ميل منحرف. لقد التزم الباحث منذ تقديم الكتاب إلى خاتمته، بمنهجه العلمي المستند إلى الدلائل الرصينة، وأنصت بإمعان للمتن المدروس؛ الذي قاربه بما رَبَا عن مئة مصدر ومرجع عربي وأجنبي، فما أحوجنا في عالمنا العربي لنظير هذه الدراسات المستندة إلى رؤية ثاقبة، يؤازرها بعد النظر، والمنطق في الحجاج والاستدلال في الحكم… لقد كان الباحث قارئا حصيفا للمتن السردي النسائي، ومع ذلك ألفيناه لا يقدم نظرته ورأيه على العلماء بالسرد وأسراره ودروبه الملتوية والمتشابكة، وهذا مما يحسب للباحث الذي ظل وفيا للأعراف الأكاديمية لاسيما وموضوع السرد النسائي ليس يسيرا النفاذ لأعماقه. ..... ٭ كاتب مغربي عن دار كنوز المعرفة الأردنية صدر للباحث المغربي عبد الرحيم وهابي كتاب جديد عنوانه: «السرد النسوي العربي: من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية». وقد أماط الباحث عبد الرحيم وهابي اللثام، انطلاقا من مقدمة مؤلفه النقدي، عن تسلحه بعدة منهجية لا تبغي عن منهج الدراسات الأكاديمية وروحها حِوَلا، لذا، يبدو أنه أبى ولوج أسوار بحثه حول الخطاب السردي النسائي العربي، بدون تمحيص النظر، في مصطلحات الدراسة ومفاهيمها، أليست المصطلحات «مفاتيح العلوم»؟ لذا، استهل الناقد عبد الرحيم وهابي، كتابه الجديد، بتقديم مهم؛ حاول فيه مقاربة مفهوم/ مصطلح الأدب النسوي؛ وما يطرحه من إشكالات؛ تتعلق بتوزع الرؤى بين إنكار تميز الأنثى عن الرجل في السرد، أو الاعتراف بحضورها وكينونتها، والأمر الهام، في مقاربة المؤلف لهذه القضية، يتمثل في نأيه الكبير، بذاته عن توجيه تحليله وخلاصاته، لذا نجد الباحث وبموضوعية كبيرة، تنم عن تمرس بالدراسات العلمية المنهج؛ التي تترك مسافة واضحة بين الذات والموضوع، ينحو باتجاه استعراض الآراء المتباينة حول المفهوم، ليخلص إلى تميز الخطاب السردي النسوي. وقد تحكم انحياز المؤلف لفكرة فرادة الأدب النسوي العربي وخصوصيته، في منهج تحليله لذلك الخطاب واستكناه مستغلقاته، ما جعله يبتعد عن المعالجة الفردية للأعمال السردية النسوية ويتجاوزها، ويوثر بالمقابل، البحث عن الخيط الناظم بين مجموعة الأعمال. منذ البدء، لفت الباحث عبد الرحيم وهابي، الانتباه، إلى ما يميز السرد النسوي العربي بشأن كيفية تعامل كاتباته مع الأحداث والشخصيات؛ من حيث التقديم والتأخير، الاهتمام والإهمال . لقد قادت مسألة البحث عن الذات في السرد النسائي العربي، الباحث إلى استنتاج جنوح الساردات العربيات نحو الانشطار والتشظي. ومن أجل الاستفادة من أحياز كبيرة لحرية القول، جنحت الساردات العربيات إلى ما سماه الكاتب لعبة القناع؛ ليس» فقط لسبر عوالم التخييل، ولكن كآلية دفاعية عبرت من خلالها الشخصيات النسوية عن عدم قدرتها على مواجهة الواقع بوجهها السافر». إن صفات الشخصيات التي جرى حصرها من لدن الناقد – كما بينا أعلاه- جعلته يرصد جانبا مهما من حياتها، يتمثل في ميولها نحو التحول؛ لذا ألفيناه ينقب في تطور مسار الشخصيات في السرد العربي؛ من خلال ما عاشته تلك الشخصيات عبر السرد من تحولات… وهي أنواع تحولات بيولوجية تطرأ على فيزيولوجية الجسد، من خلال الانتقال من مرحلة الطفولة نحو مرحلة المراهقة، وصولا نحو مرحلة النضج والاكتمال. وتحولات نفسية واجتماعية لها علاقة وطيدة بوضعية هذه الأنثى التي تعتبر بطلة المحكي في المتن المدروس من قبل المؤلف. وقد انتقل عبد الرحيم وهابي بعد ذلك، للتبئير الداخلي في السرد النسوي العربي، حيث توقف عند الشكل الذي اعتمدته الساردات، وخلص إلى أن «الرؤيا المختلفة تستبطن شكلا مختلفا، ومن هنا لا يمكن للخصوصية النسوية للنص أن تكتمل إلا من خلال منظور جديد للكتابة «. وقد سجل المؤلف هيمنة ضمير الأنا في الخطاب السردي النسوي العربي في العتبات الروائية (الأنا / المرأة، الأنا وانفعالات الذات، المرأة/الجسد، الأنا/ والآخر). الطريف في دراسة عبد الرحيم وهابي، تتمثل في إلمامها الفطن بجميع جوانب الخطاب السردي النسائي العربي، حيث لم تغلب جانبا على آخر، كما أنها لم تتعامل بانتقائية إيديولوجية مع المتن المدروس، لذا، ألفينا الباحث ينقب في الخطاب السردي النسائي العربي، عن خصوصية البوح الأنثوي، من خلال أشكاله الفنية طورا، وعبر ثيماته وموضوعاته الشائكة والحميمية… طورا آخر. وقد أسعف المنهج والرؤية اللذان تمتع بهما الباحث، في قيادة دراسته نحو المقاربة النسقية للموضوع، التي تنظر في مجموع الخطاب السردي النسائي العربي، بدل الاكتفاء ببعض أجزائه أو ثناياه، وكانت النتيجة الأخيرة التوصل الى استنتاج مهم، بشأن ما يجمع الخطاب السردي النسائي العربي من حيث الثيمات، أو ما يمكن تسميته في هذا السياق، بالقاسم المشترك بين السرود النسائية العربية، وهو ما سماه المؤلف ب» أزمة ميديا» التي عرفها بالقول «ومن خلال تأملنا للمتن الحكائي النسوي العربي، لاحظنا كثافة حضور: أزمة ميديا في حياة البطلات اللواتي عبرت المبدعات من خلالهن عن هموم المراة العربية، وتصوير مخاوفها وضياعها، في مجتمع يتخلى فيها عن أقرب المقربين إليها: زوجها أو حبيبها، ليتحول من شخص محبوب إلى شخص تكن له مختلف مشاعر الكراهية والاحتقار». وقد رصد الباحث استنكار الخطاب السردي النسائي العربي، التسلط الذكوري من خلال رفضهن وصايا الرجال الظالمة بحق النساء، كما عرض هجاء النساء للرجال، وتمرد النساء ضد بنات جنسهن، أي النساء اللائي سماهم الناقد، المسترجلات و»التي تمثلها في الغالب الأمهات والجدات، والعمات… المدافعات عن قيم الذكورة باستماتة قد تفوق في بعض الأحيان دفاع الرجال أنفسهم». ومن الثيمات الأساسية التي رصدها عبد الرحيم وهابي، في الخطاب السردي النسائي العربي، الجسد الذي وصفه بعد استقراء عميق ولاشك لبنياه العميقة والداخلية، بالجسد الآثم، لذا، شخص مؤلفنا رؤية النساء لهذا الجسد؛ حيث عبرن عن رفضهن الشديد ما سماه «الاختزال الجن سي»، وأبدين مقاومة شرسة من أجل تصحيح هذه الصورة النمطية، يقول الباحث «لقد كان لسيمياء الجسد حضور لافت في السرد النسوي العربي، حيث كتبت المرأة عن حرية الجسد واستعباده، وعن شهوته وإغراءاته، ومقاومته واستسلامه. الجسد العاشق والجسد الأمومي… فاستطاعت بذلك أن تفرض وجهة نظرها الخاصة حول جسدها، وفق تقنيات تخييلية متميزة منفلتة من قوانين النقاد وتنظيراتهم، فالبنيات السردية تدور في فلك المرأة، وهوية هذا السرد لا يمكن تحديدها خارج العالم الأنثوي». لقد دافعت الساردات في المتن المدروس عن الجسد، بسعيهن لإخراجه من منطقة الشبهة وسوء الظن الذي يصل درجة الاحتقار، إلى مقام الافتخار به، يقول المؤلف «فإن وظيفة السرد النسوي كانت هي المعارضة الساخرة لهذه النظرة من خلال جعل الجسد مصدرا للفخر، تجاهر المرأة بنزعته الإيروتكية». ومن الثيمات المتعلقة بجسد المرأة في الخطاب السردي النسوي العربي، ما سماه المؤلف بعقدة البكارة عند الرجل؛ التي اعتبرتها الساردات، من الممارسات القاسية التي يقوم بها الذكور في حق أجسادهن تصل درجة الاغتصاب، البكارة التي يحتمي وراءها المجتمع الذكوري دفاعا عن الشرف، هي اختزال لقيمة المرأة التي ينظر إليها من زاوية ضيقة.. مسألة البكارة عند الرجال، لا تعدو كونها حسب الساردات، مناسبة لاستعراض الذكور عضلاتهم وتفوقهم من خلال وحشية الافتضاض التي لا ترى في المرأة إلا قطرات من الدم تستخرج بالقوة خلال طقوس عملية الزواج التي تنفر منها كثير من بطلات السرد النسوي. ثم يقف الناقد بعد ذلك، عند تعامل بطلات السرد مع أجسادهن من خلال ثنائية الغواية والمقاومة، ويبين كيف أن الأنثى تجد ذاتها مجبرة، حسب تقاليد المجتمع على الاستسلام للنزوات، أو الثورة وإثبات الذات من خلال التمنع والمقاومة، على الرغم من النتيجة الوخيمة أي التهميش والإقصاء. جسد المرأة في السرد النسائي العربي، كما شخصه الناقد في مؤلفه، معرض للتحولات، من الطفولة نحو المراهقة حيث تترصد الجسد الأنثوي العيون، وصولا إلى مرحلة الذبول، حيث يتوقف ذلك الجسد عن تقديم خدمات للرجل؛ الذي يبدأ تحت تأثير شهواته، في البحث عن أنثى جديدة، فالمرأة تختزل عند الرجل في الجسد. من هنا تسعى المرأة المبدعة حسب الناقد عبد الرحيم وهابي، إلى الثورة «ضد هذه النظرة التي ينظر بها الآخر لجسدها، وسلاح هذه الثورة هو اللغة». لذا، سعت كثيرات من المبدعات لتصحيح نظرة الآخر للأنثى، من كونها مجرد جسد مثير جنسيا، الى كونه يحمل قيمة ثقافية، ما جعل الناقد عبد الله محمد الغدامي يجزم في كتابه المرأة واللغة «بأن السعي إلى تحويل الجسد الأنثوي من قيمة جنسية إلى قيمة ثقافية، يعتبر جوهر الرؤية الإبداعية التي يتأسس عليها السرد النسوي العربي». وفي نهاية كتابه، أفرد الناقد عبد الرحيم وهابي فصلا لما سماه «ما وراء القص في السرد النسوي العربي» الذي اعتبره من خصائص روايات ما بعد الحداثة، وعرفه بأنه «نسج نص مواز، ما وراء قصصي، يتجاوز حدود السرد، إلى إنتاج خطاب يكشف عن الوعي الكتابي عند المبدعات». ختاما، نستخلص في ضوء ما عرضناه أعلاه باقتضاب، أن الباحث الأكاديمي عبد الرحيم وهابي، مارس قراءة جادة ورصينة للمتن السردي النسوي العربي، وحاول استكناه مستغلقات هذا الخطاب، متوسلا بالمنهج الموضوعاتي، وبعض مفاهيم النقد الثقافي، كما أنه أطر تحليلاته وتأويلاته القرائية بمقاربة نصية حاولت، كما صرح الباحث نفسه، أن «تنصت إلى الصوت الداخلي للنصوص، مادام تواتر الثيمات، وتشابه الموضوعات، قد فرضته النصوص نفسها»، ولعل اللافت في هذه الدراسة هو حرص الباحث الشديد على الإنصات بأمانة ووفاء، لنبض النصوص والساردات وبطلاتهن، لذا، تعذر علينا أن نصادف في رحلته المديدة مع الخطاب السردي النسوي العربي، ميلا أو هوى، لهما علاقة بجنس الباحث القارئ، أو بموقف أو نزعة إيديولوجية، إننا وبكل تجرد أمام دراسة وجهها المنهج العلمي الصارم بمقتضى الأعراف الصرفة التي لا تتزلف التلفيق والتأويل الفاسد. لقد قربنا الناقد من متن ضخم، مكون من واحد وخمسين نصا روائيا، لست وثلاثين روائية عربية، وسبع وعشرين مجموعة قصصية، لاثنين وعشرين قاصة من المغرب العربي، والمشرق العربي، ودول الخليج العربي، والمثير أن الباحث أحاط بأبرز القضايا الشائكة في الخطاب السردي النسائي العربي في 224 صفحة، وهذا من الاجتهادات النادرة في تحليل الخطاب الروائي العربي… وقد تتبعنا ذلك الخطاب بالعودة إلى مظانه الأصلية، وسياقاته النصية، فألفينا الباحث لا ينتقي الكلام، ولا يلوي أعناق النصوص ولا يشتط في الحكم والقراءة، ولا يكتفي بالنظرة العابرة، والإطلالة المتعجلة، والوقوف المتقاعس عند العتبات، والاكتفاء بها إن هذا العمل، وبكل موضوعية، من الجهود المثمرة التي بإمكانها الارتقاء بعملية قراءة الأعمال الإبداعية، وتقويمها، دون هوى زائغ أو ميل منحرف. لقد التزم الباحث منذ تقديم الكتاب إلى خاتمته، بمنهجه العلمي المستند إلى الدلائل الرصينة، وأنصت بإمعان للمتن المدروس؛ الذي قاربه بما رَبَا عن مئة مصدر ومرجع عربي وأجنبي، فما أحوجنا في عالمنا العربي لنظير هذه الدراسات المستندة إلى رؤية ثاقبة، يؤازرها بعد النظر، والمنطق في الحجاج والاستدلال في الحكم… لقد كان الباحث قارئا حصيفا للمتن السردي النسائي، ومع ذلك ألفيناه لا يقدم نظرته ورأيه على العلماء بالسرد وأسراره ودروبه الملتوية والمتشابكة، وهذا مما يحسب للباحث الذي ظل وفيا للأعراف الأكاديمية لاسيما وموضوع السرد النسائي ليس يسيرا النفاذ لأعماقه. ..... ٭ كاتب مغربي