الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة لمناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت    البنتاجون: أمريكا لم تتلق إخطارا مسبقا عن الضربة الإسرائيلية في بيروت    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    هيئة الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأسبوع الجاري    مايكروسوفت تتصدى لهلوسة الذكاء الاصطناعي    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي.. تعرف على موعد الجنازة    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    «الأصيلة المحترمة».. مجدي الهواري يوجه رسالة رومانسية لزوجته دنيا عبدالمعبود    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    من الأطباء إلى أولياء الأمور.. «روشتة وقائية» لعام دراسي بلا أمراض    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في صفد ومحيطها    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    عاجل - قصف إسرائيلي جديد على الضاحية الجنوبية في بيروت    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة ضد النظرة الذكورية في الرواية
نشر في صوت البلد يوم 21 - 12 - 2016

عن دار كنوز المعرفة الأردنية صدر للباحث المغربي عبد الرحيم وهابي كتاب جديد عنوانه: «السرد النسوي العربي: من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية».
وقد أماط الباحث عبد الرحيم وهابي اللثام، انطلاقا من مقدمة مؤلفه النقدي، عن تسلحه بعدة منهجية لا تبغي عن منهج الدراسات الأكاديمية وروحها حِوَلا، لذا، يبدو أنه أبى ولوج أسوار بحثه حول الخطاب السردي النسائي العربي، بدون تمحيص النظر، في مصطلحات الدراسة ومفاهيمها، أليست المصطلحات «مفاتيح العلوم»؟
لذا، استهل الناقد عبد الرحيم وهابي، كتابه الجديد، بتقديم مهم؛ حاول فيه مقاربة مفهوم/ مصطلح الأدب النسوي؛ وما يطرحه من إشكالات؛ تتعلق بتوزع الرؤى بين إنكار تميز الأنثى عن الرجل في السرد، أو الاعتراف بحضورها وكينونتها، والأمر الهام، في مقاربة المؤلف لهذه القضية، يتمثل في نأيه الكبير، بذاته عن توجيه تحليله وخلاصاته، لذا نجد الباحث وبموضوعية كبيرة، تنم عن تمرس بالدراسات العلمية المنهج؛ التي تترك مسافة واضحة بين الذات والموضوع، ينحو باتجاه استعراض الآراء المتباينة حول المفهوم، ليخلص إلى تميز الخطاب السردي النسوي.
وقد تحكم انحياز المؤلف لفكرة فرادة الأدب النسوي العربي وخصوصيته، في منهج تحليله لذلك الخطاب واستكناه مستغلقاته، ما جعله يبتعد عن المعالجة الفردية للأعمال السردية النسوية ويتجاوزها، ويوثر بالمقابل، البحث عن الخيط الناظم بين مجموعة الأعمال. منذ البدء، لفت الباحث عبد الرحيم وهابي، الانتباه، إلى ما يميز السرد النسوي العربي بشأن كيفية تعامل كاتباته مع الأحداث والشخصيات؛ من حيث التقديم والتأخير، الاهتمام والإهمال .
لقد قادت مسألة البحث عن الذات في السرد النسائي العربي، الباحث إلى استنتاج جنوح الساردات العربيات نحو الانشطار والتشظي. ومن أجل الاستفادة من أحياز كبيرة لحرية القول، جنحت الساردات العربيات إلى ما سماه الكاتب لعبة القناع؛ ليس» فقط لسبر عوالم التخييل، ولكن كآلية دفاعية عبرت من خلالها الشخصيات النسوية عن عدم قدرتها على مواجهة الواقع بوجهها السافر». إن صفات الشخصيات التي جرى حصرها من لدن الناقد – كما بينا أعلاه- جعلته يرصد جانبا مهما من حياتها، يتمثل في ميولها نحو التحول؛ لذا ألفيناه ينقب في تطور مسار الشخصيات في السرد العربي؛ من خلال ما عاشته تلك الشخصيات عبر السرد من تحولات… وهي أنواع تحولات بيولوجية تطرأ على فيزيولوجية الجسد، من خلال الانتقال من مرحلة الطفولة نحو مرحلة المراهقة، وصولا نحو مرحلة النضج والاكتمال. وتحولات نفسية واجتماعية لها علاقة وطيدة بوضعية هذه الأنثى التي تعتبر بطلة المحكي في المتن المدروس من قبل المؤلف.
وقد انتقل عبد الرحيم وهابي بعد ذلك، للتبئير الداخلي في السرد النسوي العربي، حيث توقف عند الشكل الذي اعتمدته الساردات، وخلص إلى أن «الرؤيا المختلفة تستبطن شكلا مختلفا، ومن هنا لا يمكن للخصوصية النسوية للنص أن تكتمل إلا من خلال منظور جديد للكتابة «. وقد سجل المؤلف هيمنة ضمير الأنا في الخطاب السردي النسوي العربي في العتبات الروائية (الأنا / المرأة، الأنا وانفعالات الذات، المرأة/الجسد، الأنا/ والآخر).
الطريف في دراسة عبد الرحيم وهابي، تتمثل في إلمامها الفطن بجميع جوانب الخطاب السردي النسائي العربي، حيث لم تغلب جانبا على آخر، كما أنها لم تتعامل بانتقائية إيديولوجية مع المتن المدروس، لذا، ألفينا الباحث ينقب في الخطاب السردي النسائي العربي، عن خصوصية البوح الأنثوي، من خلال أشكاله الفنية طورا، وعبر ثيماته وموضوعاته الشائكة والحميمية… طورا آخر. وقد أسعف المنهج والرؤية اللذان تمتع بهما الباحث، في قيادة دراسته نحو المقاربة النسقية للموضوع، التي تنظر في مجموع الخطاب السردي النسائي العربي، بدل الاكتفاء ببعض أجزائه أو ثناياه، وكانت النتيجة الأخيرة التوصل الى استنتاج مهم، بشأن ما يجمع الخطاب السردي النسائي العربي من حيث الثيمات، أو ما يمكن تسميته في هذا السياق، بالقاسم المشترك بين السرود النسائية العربية، وهو ما سماه المؤلف ب» أزمة ميديا» التي عرفها بالقول «ومن خلال تأملنا للمتن الحكائي النسوي العربي، لاحظنا كثافة حضور: أزمة ميديا في حياة البطلات اللواتي عبرت المبدعات من خلالهن عن هموم المراة العربية، وتصوير مخاوفها وضياعها، في مجتمع يتخلى فيها عن أقرب المقربين إليها: زوجها أو حبيبها، ليتحول من شخص محبوب إلى شخص تكن له مختلف مشاعر الكراهية والاحتقار».
وقد رصد الباحث استنكار الخطاب السردي النسائي العربي، التسلط الذكوري من خلال رفضهن وصايا الرجال الظالمة بحق النساء، كما عرض هجاء النساء للرجال، وتمرد النساء ضد بنات جنسهن، أي النساء اللائي سماهم الناقد، المسترجلات و»التي تمثلها في الغالب الأمهات والجدات، والعمات… المدافعات عن قيم الذكورة باستماتة قد تفوق في بعض الأحيان دفاع الرجال أنفسهم».
ومن الثيمات الأساسية التي رصدها عبد الرحيم وهابي، في الخطاب السردي النسائي العربي، الجسد الذي وصفه بعد استقراء عميق ولاشك لبنياه العميقة والداخلية، بالجسد الآثم، لذا، شخص مؤلفنا رؤية النساء لهذا الجسد؛ حيث عبرن عن رفضهن الشديد ما سماه «الاختزال الجن سي»، وأبدين مقاومة شرسة من أجل تصحيح هذه الصورة النمطية، يقول الباحث «لقد كان لسيمياء الجسد حضور لافت في السرد النسوي العربي، حيث كتبت المرأة عن حرية الجسد واستعباده، وعن شهوته وإغراءاته، ومقاومته واستسلامه. الجسد العاشق والجسد الأمومي… فاستطاعت بذلك أن تفرض وجهة نظرها الخاصة حول جسدها، وفق تقنيات تخييلية متميزة منفلتة من قوانين النقاد وتنظيراتهم، فالبنيات السردية تدور في فلك المرأة، وهوية هذا السرد لا يمكن تحديدها خارج العالم الأنثوي». لقد دافعت الساردات في المتن المدروس عن الجسد، بسعيهن لإخراجه من منطقة الشبهة وسوء الظن الذي يصل درجة الاحتقار، إلى مقام الافتخار به، يقول المؤلف «فإن وظيفة السرد النسوي كانت هي المعارضة الساخرة لهذه النظرة من خلال جعل الجسد مصدرا للفخر، تجاهر المرأة بنزعته الإيروتكية».
ومن الثيمات المتعلقة بجسد المرأة في الخطاب السردي النسوي العربي، ما سماه المؤلف بعقدة البكارة عند الرجل؛ التي اعتبرتها الساردات، من الممارسات القاسية التي يقوم بها الذكور في حق أجسادهن تصل درجة الاغتصاب، البكارة التي يحتمي وراءها المجتمع الذكوري دفاعا عن الشرف، هي اختزال لقيمة المرأة التي ينظر إليها من زاوية ضيقة..
مسألة البكارة عند الرجال، لا تعدو كونها حسب الساردات، مناسبة لاستعراض الذكور عضلاتهم وتفوقهم من خلال وحشية الافتضاض التي لا ترى في المرأة إلا قطرات من الدم تستخرج بالقوة خلال طقوس عملية الزواج التي تنفر منها كثير من بطلات السرد النسوي. ثم يقف الناقد بعد ذلك، عند تعامل بطلات السرد مع أجسادهن من خلال ثنائية الغواية والمقاومة، ويبين كيف أن الأنثى تجد ذاتها مجبرة، حسب تقاليد المجتمع على الاستسلام للنزوات، أو الثورة وإثبات الذات من خلال التمنع والمقاومة، على الرغم من النتيجة الوخيمة أي التهميش والإقصاء. جسد المرأة في السرد النسائي العربي، كما شخصه الناقد في مؤلفه، معرض للتحولات، من الطفولة نحو المراهقة حيث تترصد الجسد الأنثوي العيون، وصولا إلى مرحلة الذبول، حيث يتوقف ذلك الجسد عن تقديم خدمات للرجل؛ الذي يبدأ تحت تأثير شهواته، في البحث عن أنثى جديدة، فالمرأة تختزل عند الرجل في الجسد. من هنا تسعى المرأة المبدعة حسب الناقد عبد الرحيم وهابي، إلى الثورة «ضد هذه النظرة التي ينظر بها الآخر لجسدها، وسلاح هذه الثورة هو اللغة».
لذا، سعت كثيرات من المبدعات لتصحيح نظرة الآخر للأنثى، من كونها مجرد جسد مثير جنسيا، الى كونه يحمل قيمة ثقافية، ما جعل الناقد عبد الله محمد الغدامي يجزم في كتابه المرأة واللغة «بأن السعي إلى تحويل الجسد الأنثوي من قيمة جنسية إلى قيمة ثقافية، يعتبر جوهر الرؤية الإبداعية التي يتأسس عليها السرد النسوي العربي».
وفي نهاية كتابه، أفرد الناقد عبد الرحيم وهابي فصلا لما سماه «ما وراء القص في السرد النسوي العربي» الذي اعتبره من خصائص روايات ما بعد الحداثة، وعرفه بأنه «نسج نص مواز، ما وراء قصصي، يتجاوز حدود السرد، إلى إنتاج خطاب يكشف عن الوعي الكتابي عند المبدعات».
ختاما، نستخلص في ضوء ما عرضناه أعلاه باقتضاب، أن الباحث الأكاديمي عبد الرحيم وهابي، مارس قراءة جادة ورصينة للمتن السردي النسوي العربي، وحاول استكناه مستغلقات هذا الخطاب، متوسلا بالمنهج الموضوعاتي، وبعض مفاهيم النقد الثقافي، كما أنه أطر تحليلاته وتأويلاته القرائية بمقاربة نصية حاولت، كما صرح الباحث نفسه، أن «تنصت إلى الصوت الداخلي للنصوص، مادام تواتر الثيمات، وتشابه الموضوعات، قد فرضته النصوص نفسها»، ولعل اللافت في هذه الدراسة هو حرص الباحث الشديد على الإنصات بأمانة ووفاء، لنبض النصوص والساردات وبطلاتهن، لذا، تعذر علينا أن نصادف في رحلته المديدة مع الخطاب السردي النسوي العربي، ميلا أو هوى، لهما علاقة بجنس الباحث القارئ، أو بموقف أو نزعة إيديولوجية، إننا وبكل تجرد أمام دراسة وجهها المنهج العلمي الصارم بمقتضى الأعراف الصرفة التي لا تتزلف التلفيق والتأويل الفاسد.
لقد قربنا الناقد من متن ضخم، مكون من واحد وخمسين نصا روائيا، لست وثلاثين روائية عربية، وسبع وعشرين مجموعة قصصية، لاثنين وعشرين قاصة من المغرب العربي، والمشرق العربي، ودول الخليج العربي، والمثير أن الباحث أحاط بأبرز القضايا الشائكة في الخطاب السردي النسائي العربي في 224 صفحة، وهذا من الاجتهادات النادرة في تحليل الخطاب الروائي العربي… وقد تتبعنا ذلك الخطاب بالعودة إلى مظانه الأصلية، وسياقاته النصية، فألفينا الباحث لا ينتقي الكلام، ولا يلوي أعناق النصوص ولا يشتط في الحكم والقراءة، ولا يكتفي بالنظرة العابرة، والإطلالة المتعجلة، والوقوف المتقاعس عند العتبات، والاكتفاء بها إن هذا العمل، وبكل موضوعية، من الجهود المثمرة التي بإمكانها الارتقاء بعملية قراءة الأعمال الإبداعية، وتقويمها، دون هوى زائغ أو ميل منحرف. لقد التزم الباحث منذ تقديم الكتاب إلى خاتمته، بمنهجه العلمي المستند إلى الدلائل الرصينة، وأنصت بإمعان للمتن المدروس؛ الذي قاربه بما رَبَا عن مئة مصدر ومرجع عربي وأجنبي، فما أحوجنا في عالمنا العربي لنظير هذه الدراسات المستندة إلى رؤية ثاقبة، يؤازرها بعد النظر، والمنطق في الحجاج والاستدلال في الحكم… لقد كان الباحث قارئا حصيفا للمتن السردي النسائي، ومع ذلك ألفيناه لا يقدم نظرته ورأيه على العلماء بالسرد وأسراره ودروبه الملتوية والمتشابكة، وهذا مما يحسب للباحث الذي ظل وفيا للأعراف الأكاديمية لاسيما وموضوع السرد النسائي ليس يسيرا النفاذ لأعماقه.
.....
٭ كاتب مغربي
عن دار كنوز المعرفة الأردنية صدر للباحث المغربي عبد الرحيم وهابي كتاب جديد عنوانه: «السرد النسوي العربي: من حبكة الحدث إلى حبكة الشخصية».
وقد أماط الباحث عبد الرحيم وهابي اللثام، انطلاقا من مقدمة مؤلفه النقدي، عن تسلحه بعدة منهجية لا تبغي عن منهج الدراسات الأكاديمية وروحها حِوَلا، لذا، يبدو أنه أبى ولوج أسوار بحثه حول الخطاب السردي النسائي العربي، بدون تمحيص النظر، في مصطلحات الدراسة ومفاهيمها، أليست المصطلحات «مفاتيح العلوم»؟
لذا، استهل الناقد عبد الرحيم وهابي، كتابه الجديد، بتقديم مهم؛ حاول فيه مقاربة مفهوم/ مصطلح الأدب النسوي؛ وما يطرحه من إشكالات؛ تتعلق بتوزع الرؤى بين إنكار تميز الأنثى عن الرجل في السرد، أو الاعتراف بحضورها وكينونتها، والأمر الهام، في مقاربة المؤلف لهذه القضية، يتمثل في نأيه الكبير، بذاته عن توجيه تحليله وخلاصاته، لذا نجد الباحث وبموضوعية كبيرة، تنم عن تمرس بالدراسات العلمية المنهج؛ التي تترك مسافة واضحة بين الذات والموضوع، ينحو باتجاه استعراض الآراء المتباينة حول المفهوم، ليخلص إلى تميز الخطاب السردي النسوي.
وقد تحكم انحياز المؤلف لفكرة فرادة الأدب النسوي العربي وخصوصيته، في منهج تحليله لذلك الخطاب واستكناه مستغلقاته، ما جعله يبتعد عن المعالجة الفردية للأعمال السردية النسوية ويتجاوزها، ويوثر بالمقابل، البحث عن الخيط الناظم بين مجموعة الأعمال. منذ البدء، لفت الباحث عبد الرحيم وهابي، الانتباه، إلى ما يميز السرد النسوي العربي بشأن كيفية تعامل كاتباته مع الأحداث والشخصيات؛ من حيث التقديم والتأخير، الاهتمام والإهمال .
لقد قادت مسألة البحث عن الذات في السرد النسائي العربي، الباحث إلى استنتاج جنوح الساردات العربيات نحو الانشطار والتشظي. ومن أجل الاستفادة من أحياز كبيرة لحرية القول، جنحت الساردات العربيات إلى ما سماه الكاتب لعبة القناع؛ ليس» فقط لسبر عوالم التخييل، ولكن كآلية دفاعية عبرت من خلالها الشخصيات النسوية عن عدم قدرتها على مواجهة الواقع بوجهها السافر». إن صفات الشخصيات التي جرى حصرها من لدن الناقد – كما بينا أعلاه- جعلته يرصد جانبا مهما من حياتها، يتمثل في ميولها نحو التحول؛ لذا ألفيناه ينقب في تطور مسار الشخصيات في السرد العربي؛ من خلال ما عاشته تلك الشخصيات عبر السرد من تحولات… وهي أنواع تحولات بيولوجية تطرأ على فيزيولوجية الجسد، من خلال الانتقال من مرحلة الطفولة نحو مرحلة المراهقة، وصولا نحو مرحلة النضج والاكتمال. وتحولات نفسية واجتماعية لها علاقة وطيدة بوضعية هذه الأنثى التي تعتبر بطلة المحكي في المتن المدروس من قبل المؤلف.
وقد انتقل عبد الرحيم وهابي بعد ذلك، للتبئير الداخلي في السرد النسوي العربي، حيث توقف عند الشكل الذي اعتمدته الساردات، وخلص إلى أن «الرؤيا المختلفة تستبطن شكلا مختلفا، ومن هنا لا يمكن للخصوصية النسوية للنص أن تكتمل إلا من خلال منظور جديد للكتابة «. وقد سجل المؤلف هيمنة ضمير الأنا في الخطاب السردي النسوي العربي في العتبات الروائية (الأنا / المرأة، الأنا وانفعالات الذات، المرأة/الجسد، الأنا/ والآخر).
الطريف في دراسة عبد الرحيم وهابي، تتمثل في إلمامها الفطن بجميع جوانب الخطاب السردي النسائي العربي، حيث لم تغلب جانبا على آخر، كما أنها لم تتعامل بانتقائية إيديولوجية مع المتن المدروس، لذا، ألفينا الباحث ينقب في الخطاب السردي النسائي العربي، عن خصوصية البوح الأنثوي، من خلال أشكاله الفنية طورا، وعبر ثيماته وموضوعاته الشائكة والحميمية… طورا آخر. وقد أسعف المنهج والرؤية اللذان تمتع بهما الباحث، في قيادة دراسته نحو المقاربة النسقية للموضوع، التي تنظر في مجموع الخطاب السردي النسائي العربي، بدل الاكتفاء ببعض أجزائه أو ثناياه، وكانت النتيجة الأخيرة التوصل الى استنتاج مهم، بشأن ما يجمع الخطاب السردي النسائي العربي من حيث الثيمات، أو ما يمكن تسميته في هذا السياق، بالقاسم المشترك بين السرود النسائية العربية، وهو ما سماه المؤلف ب» أزمة ميديا» التي عرفها بالقول «ومن خلال تأملنا للمتن الحكائي النسوي العربي، لاحظنا كثافة حضور: أزمة ميديا في حياة البطلات اللواتي عبرت المبدعات من خلالهن عن هموم المراة العربية، وتصوير مخاوفها وضياعها، في مجتمع يتخلى فيها عن أقرب المقربين إليها: زوجها أو حبيبها، ليتحول من شخص محبوب إلى شخص تكن له مختلف مشاعر الكراهية والاحتقار».
وقد رصد الباحث استنكار الخطاب السردي النسائي العربي، التسلط الذكوري من خلال رفضهن وصايا الرجال الظالمة بحق النساء، كما عرض هجاء النساء للرجال، وتمرد النساء ضد بنات جنسهن، أي النساء اللائي سماهم الناقد، المسترجلات و»التي تمثلها في الغالب الأمهات والجدات، والعمات… المدافعات عن قيم الذكورة باستماتة قد تفوق في بعض الأحيان دفاع الرجال أنفسهم».
ومن الثيمات الأساسية التي رصدها عبد الرحيم وهابي، في الخطاب السردي النسائي العربي، الجسد الذي وصفه بعد استقراء عميق ولاشك لبنياه العميقة والداخلية، بالجسد الآثم، لذا، شخص مؤلفنا رؤية النساء لهذا الجسد؛ حيث عبرن عن رفضهن الشديد ما سماه «الاختزال الجن سي»، وأبدين مقاومة شرسة من أجل تصحيح هذه الصورة النمطية، يقول الباحث «لقد كان لسيمياء الجسد حضور لافت في السرد النسوي العربي، حيث كتبت المرأة عن حرية الجسد واستعباده، وعن شهوته وإغراءاته، ومقاومته واستسلامه. الجسد العاشق والجسد الأمومي… فاستطاعت بذلك أن تفرض وجهة نظرها الخاصة حول جسدها، وفق تقنيات تخييلية متميزة منفلتة من قوانين النقاد وتنظيراتهم، فالبنيات السردية تدور في فلك المرأة، وهوية هذا السرد لا يمكن تحديدها خارج العالم الأنثوي». لقد دافعت الساردات في المتن المدروس عن الجسد، بسعيهن لإخراجه من منطقة الشبهة وسوء الظن الذي يصل درجة الاحتقار، إلى مقام الافتخار به، يقول المؤلف «فإن وظيفة السرد النسوي كانت هي المعارضة الساخرة لهذه النظرة من خلال جعل الجسد مصدرا للفخر، تجاهر المرأة بنزعته الإيروتكية».
ومن الثيمات المتعلقة بجسد المرأة في الخطاب السردي النسوي العربي، ما سماه المؤلف بعقدة البكارة عند الرجل؛ التي اعتبرتها الساردات، من الممارسات القاسية التي يقوم بها الذكور في حق أجسادهن تصل درجة الاغتصاب، البكارة التي يحتمي وراءها المجتمع الذكوري دفاعا عن الشرف، هي اختزال لقيمة المرأة التي ينظر إليها من زاوية ضيقة..
مسألة البكارة عند الرجال، لا تعدو كونها حسب الساردات، مناسبة لاستعراض الذكور عضلاتهم وتفوقهم من خلال وحشية الافتضاض التي لا ترى في المرأة إلا قطرات من الدم تستخرج بالقوة خلال طقوس عملية الزواج التي تنفر منها كثير من بطلات السرد النسوي. ثم يقف الناقد بعد ذلك، عند تعامل بطلات السرد مع أجسادهن من خلال ثنائية الغواية والمقاومة، ويبين كيف أن الأنثى تجد ذاتها مجبرة، حسب تقاليد المجتمع على الاستسلام للنزوات، أو الثورة وإثبات الذات من خلال التمنع والمقاومة، على الرغم من النتيجة الوخيمة أي التهميش والإقصاء. جسد المرأة في السرد النسائي العربي، كما شخصه الناقد في مؤلفه، معرض للتحولات، من الطفولة نحو المراهقة حيث تترصد الجسد الأنثوي العيون، وصولا إلى مرحلة الذبول، حيث يتوقف ذلك الجسد عن تقديم خدمات للرجل؛ الذي يبدأ تحت تأثير شهواته، في البحث عن أنثى جديدة، فالمرأة تختزل عند الرجل في الجسد. من هنا تسعى المرأة المبدعة حسب الناقد عبد الرحيم وهابي، إلى الثورة «ضد هذه النظرة التي ينظر بها الآخر لجسدها، وسلاح هذه الثورة هو اللغة».
لذا، سعت كثيرات من المبدعات لتصحيح نظرة الآخر للأنثى، من كونها مجرد جسد مثير جنسيا، الى كونه يحمل قيمة ثقافية، ما جعل الناقد عبد الله محمد الغدامي يجزم في كتابه المرأة واللغة «بأن السعي إلى تحويل الجسد الأنثوي من قيمة جنسية إلى قيمة ثقافية، يعتبر جوهر الرؤية الإبداعية التي يتأسس عليها السرد النسوي العربي».
وفي نهاية كتابه، أفرد الناقد عبد الرحيم وهابي فصلا لما سماه «ما وراء القص في السرد النسوي العربي» الذي اعتبره من خصائص روايات ما بعد الحداثة، وعرفه بأنه «نسج نص مواز، ما وراء قصصي، يتجاوز حدود السرد، إلى إنتاج خطاب يكشف عن الوعي الكتابي عند المبدعات».
ختاما، نستخلص في ضوء ما عرضناه أعلاه باقتضاب، أن الباحث الأكاديمي عبد الرحيم وهابي، مارس قراءة جادة ورصينة للمتن السردي النسوي العربي، وحاول استكناه مستغلقات هذا الخطاب، متوسلا بالمنهج الموضوعاتي، وبعض مفاهيم النقد الثقافي، كما أنه أطر تحليلاته وتأويلاته القرائية بمقاربة نصية حاولت، كما صرح الباحث نفسه، أن «تنصت إلى الصوت الداخلي للنصوص، مادام تواتر الثيمات، وتشابه الموضوعات، قد فرضته النصوص نفسها»، ولعل اللافت في هذه الدراسة هو حرص الباحث الشديد على الإنصات بأمانة ووفاء، لنبض النصوص والساردات وبطلاتهن، لذا، تعذر علينا أن نصادف في رحلته المديدة مع الخطاب السردي النسوي العربي، ميلا أو هوى، لهما علاقة بجنس الباحث القارئ، أو بموقف أو نزعة إيديولوجية، إننا وبكل تجرد أمام دراسة وجهها المنهج العلمي الصارم بمقتضى الأعراف الصرفة التي لا تتزلف التلفيق والتأويل الفاسد.
لقد قربنا الناقد من متن ضخم، مكون من واحد وخمسين نصا روائيا، لست وثلاثين روائية عربية، وسبع وعشرين مجموعة قصصية، لاثنين وعشرين قاصة من المغرب العربي، والمشرق العربي، ودول الخليج العربي، والمثير أن الباحث أحاط بأبرز القضايا الشائكة في الخطاب السردي النسائي العربي في 224 صفحة، وهذا من الاجتهادات النادرة في تحليل الخطاب الروائي العربي… وقد تتبعنا ذلك الخطاب بالعودة إلى مظانه الأصلية، وسياقاته النصية، فألفينا الباحث لا ينتقي الكلام، ولا يلوي أعناق النصوص ولا يشتط في الحكم والقراءة، ولا يكتفي بالنظرة العابرة، والإطلالة المتعجلة، والوقوف المتقاعس عند العتبات، والاكتفاء بها إن هذا العمل، وبكل موضوعية، من الجهود المثمرة التي بإمكانها الارتقاء بعملية قراءة الأعمال الإبداعية، وتقويمها، دون هوى زائغ أو ميل منحرف. لقد التزم الباحث منذ تقديم الكتاب إلى خاتمته، بمنهجه العلمي المستند إلى الدلائل الرصينة، وأنصت بإمعان للمتن المدروس؛ الذي قاربه بما رَبَا عن مئة مصدر ومرجع عربي وأجنبي، فما أحوجنا في عالمنا العربي لنظير هذه الدراسات المستندة إلى رؤية ثاقبة، يؤازرها بعد النظر، والمنطق في الحجاج والاستدلال في الحكم… لقد كان الباحث قارئا حصيفا للمتن السردي النسائي، ومع ذلك ألفيناه لا يقدم نظرته ورأيه على العلماء بالسرد وأسراره ودروبه الملتوية والمتشابكة، وهذا مما يحسب للباحث الذي ظل وفيا للأعراف الأكاديمية لاسيما وموضوع السرد النسائي ليس يسيرا النفاذ لأعماقه.
.....
٭ كاتب مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.