يشارك مشروع كلمة للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2-12 نوفمبر 2016، بعرض جميع إصداراته التي بلغت 900 كتاب، وتزامناً مع هذه المناسبة ظهرت إلى النور ترجمة عربيّة قام بها الباحث والمترجم المغربيّ محمّد آيت حنّا لكتاب "العالَم والبُلدان – دراسات في الجغرافية البشريّة عند العرب" للمستعرب الفرنسيّ أندريه ميكيل، تضمّنتها سلسلة كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ التي يُصدرها المشروع ويشرف عليها ويراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقي المقيم بباريس كاظم جهاد. عُرف ميكيل بتعدّد مجالات اهتماماته، التي يدور أغلبها حول الثقافة العربية. ترجم إلى الفرنسية أشعار العديد من قدامى الشعراء العرب ودرسَ أعمالهم، كما عُني بالحكايات العربيّة فترجم إلى لغته وحلّل كتاب "كليلة ودمنة" المنسوب لابن المقّفع، وأعاد، بالتعاون مع جمال الدين بن شيخ، ترجمة "ألف ليلة وليلة" في صيغتها الكاملة، ووضع سيرة روائيّة لمجنون ليلى، وألّف عشرات الدراسات في التاريخ العربيّ -الإسلاميّ وفي حضارة الإسلام، انصّب جزء كبير منها على الجغرافية البشريّة عند العرب. وضع في هذا الميدان أطروحة لدكتوراه الدولة صارت جزءاً أوّل من سفْر بأربعة أجزاء ضخمة تشكّل بمجموعها أحد أكثر الأعمال الغربيّة امتداداً عن العرب، حملت العنوان الجامع "الجغرافية البشريّة في العالَم الإسلاميّ حتّى منتصف القرن الحادي عشر الميلاديّ"، وتوالى صدورها من 1973 إلى 1988. وبالرّغم من كون هذا الكتاب ما برح موضع تداول وانتشار، وقد أعيد طبعه في عهد قريب، قرّر ميكيل أن يعيد سكبه في صيغة مكثّفة، موجّهة للأدباء وعموم القرّاء، صدرت في 2001. ليس من الهيّن اختزال مادّة كتاب يغطّي ألفَي صفحة إلى صيغة جديدة لا تتجاوز مائة صفحة ونيّفاً. بيد أنّ ميكيل، بحسّ التكثيف المعهود عنده، نجح في الرّهان. ركّز اختيار موضوعاته، من حيث مقاربة العرب للعالَم، على تصوّرهم للحدود والبحار والجبال والمدن؛ ومن حيث مقاربتهم للبلدان الغريبة أو الأجنبيّة ركّز على ما كتبوه عن الهند والصّين واالقسطنطينيّة وروما وبقيّة أوروبّا. هذا الكتاب هو الذي يقدّمه هنا مشروع "كلمة" للترجمة. ولمزيد من الفائدة، أضيفت في أوّل الكتاب ترجمة لنصّ درس ميكيل الافتتاحيّ في كوليج دو فرانس، الذي يلخّص فيه اختياراته ورؤيته للّغة العربية وأدبها وتاريخهما وآفاق دراستهما الممكنة، وفي نهاية الكتاب أضيفت ترجمة ثلاث دراسات أخرى له، تكمّل فصول "العالَم والبلدان"، وتذهب في البحث إلى ما بعد منتصف القرن الحادي عشر الميلاديّ. ليس هذا الجمع بين الأدب والجغرافيّة، الذي يميّز الكتاب، بالشيء الغريب، بل هو يقيم في صُلب مشروع أندريه ميكيل، الذي يعدّ هذه الجغرافيّة بحثاً استكشافيّاً وأدباً في آنٍ معاً. أدب يُعرب عن مهارات أسلوبية ونظرة متفرّدة وإن لم يضعه كتّاب كبار. كما لم يضعه علماء مختصّون، بل بحّاثة معنيّون بالمعرفة الملموسة، يسافرون إلى بلد لوصفه ويحيطون بما كتبه أو قاله عنه آخرون. في دراسته لمصنّفات هؤلاء، حقّق ميكيل عدّة اكتشافات أساسيّة. في أوّلها الشغف بالاكتشاف لدى هؤلاء الجغرافيّين في حقبة أفولٍ انكفأ فيها العالم الإسلاميّ على نفسه وتشظّت دار الإسلام، وبدأ يغمرها ركودٌ لا يرى هو فيه انحطاطاً أو تراجعاً للفكر حقّاً. هذه النّصوص هي نوع من نهضة يُقام بها على خلفية خسارة؛ ضوء مبهر يشعّ في سماء محتلكة. على خلفيّة الأفول هذه، أنجر أعمالَهم رجال عظام، من موسوعيّين وجغرافيّن ورحّال أخذوا على عاتقهم تدوين حضارة بكاملها، وعكسوا تصوّرها لعالَمها ولعوالم الآخرين، ولمُجمل العالم والكون. قاموا بذلك خوفاً عليها من الضّياع. هي اندفاعة قصوى، وثْبة حيّويّة خلّاقة أحيت أجناساً قديمة وابتكرت صنوفاً من الكتابة أخرى. كانت تلك، كما يسلّط ميكيل عليه الضّوء بألمعيّة وسخاء، ثقافة متكاملة يتضافر فيها الأدب الجغرافيّ مع انهمام تاريخيّ وموسوعيّ ولغويّ وفنّ في الوصف رفيعٌ ودقيق. ووراءها تقف ذوات ومواهب فذّة، مع تعلٌّق خاصّ من قبَل ميكيل بالمقدّسي الجغرافيّ، وابن بطوطة الرحالّة، وابن خلدون المفكّر في التّاريخ والمجتمعات، كلّ منهم كان رائداً في مجاله وصانعاً لجنس أدبيّ على أساس بدايات وسوابق متواضعة. ولد أندريه ميكيل في مدينة ميزMèze الفرنسيّة المتوسّطيّة في 26 من سبتمبر/أيلول 1929. نال شهادة التّبريز في نحو الفرنسيّة واللّاتينيّة واليونانيّة القديمة في 1953، وتنقّل لفترةٍ بين دمشق ونواكشوط والقاهرة للتعّمق في دراسة العربيّة، ثمّ لممارسة وظائف ثقافيّة. علّمَ في عدّة جامعات فرنسيّة اعتباراً من 1962، ثمّ انتُخب أستاذاً في المعهد المرموق "كوليج دو فرانس"، في كرسيّ اللّغة والأدب العربيّين الكلاسيكيّين (1976-1997)، ثمّ مديراً عامّاً للمكتبة الوطنيّة بباريس، ثمّ مديراً عامّاً لكوليج دو فرانس. وضع سبعين كتاباً وعشرات المقالات برز فيها كاتباً سرديّاً ومترجماً ومحلِّلاً للشّعر والنثّر العربيّين القديمَين ("كليلة ودمنة"، "ألف ليلة وليلة"، قدامى الشّعراء العرب، مجنون ليلى شاعراً وعاشقاً، المقدّسي، ابن بطّوطة، أسامة بن منقذ، إلخ.)، ومن أبرز مَحاور عمله دراساته الكاشفة في الجغرافية البشريّة عند العرب، التي يقدّم هذا الكتاب عنها صورةً دقيقةً مكثّفة. أمّا ناقل الكتاب إلى لغة الضادّ، محمّد آيت حنّا، فهو كاتب ومترجم مغربيّ مهتمّ بالفلسفة والأدب والجماليّات. ولد سنة 1981 في الرباط وبها أكمل مساره التعليميّ في الفلسفة. يعلّم حاليّاً في معهد إعداد المعلّمين في الدّار البيضاء. صدر له "عندما يطير الفلاسفة" (قصص، دار أجراس، المغرب، 2007)، و"الرغبة والفلسفة -مدخل لقراءة دولوز وغواتاري" (منشورات توبقال، المغرب، 2010)، و"القصّة والتشكيل - نماذج مغربية" (وزارة الثقافة المغربية، 2012)، والعديد من النّصوص في منابر وطنية وعربية. ترجمَ إلى العربيّة "حصّة الغريب-شعريّة التّرجمة وترجمة الشّعر عند العرب" لكاظم جهاد، و"الدفتر الكبير" و"البرهان" لأغوتا كريستوف، و"الغريب" لألبير كامو، صدرت الكتب الأربعة في منشورات الجمل ببيروت، ورواية "جورج الموريسيّ -حكاية عن البرّ والبحر" لألكساندر دوما، صدرت عن مشروع "كلمة" للترجمة في أبو ظبي. يشارك مشروع كلمة للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2-12 نوفمبر 2016، بعرض جميع إصداراته التي بلغت 900 كتاب، وتزامناً مع هذه المناسبة ظهرت إلى النور ترجمة عربيّة قام بها الباحث والمترجم المغربيّ محمّد آيت حنّا لكتاب "العالَم والبُلدان – دراسات في الجغرافية البشريّة عند العرب" للمستعرب الفرنسيّ أندريه ميكيل، تضمّنتها سلسلة كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ التي يُصدرها المشروع ويشرف عليها ويراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقي المقيم بباريس كاظم جهاد. عُرف ميكيل بتعدّد مجالات اهتماماته، التي يدور أغلبها حول الثقافة العربية. ترجم إلى الفرنسية أشعار العديد من قدامى الشعراء العرب ودرسَ أعمالهم، كما عُني بالحكايات العربيّة فترجم إلى لغته وحلّل كتاب "كليلة ودمنة" المنسوب لابن المقّفع، وأعاد، بالتعاون مع جمال الدين بن شيخ، ترجمة "ألف ليلة وليلة" في صيغتها الكاملة، ووضع سيرة روائيّة لمجنون ليلى، وألّف عشرات الدراسات في التاريخ العربيّ -الإسلاميّ وفي حضارة الإسلام، انصّب جزء كبير منها على الجغرافية البشريّة عند العرب. وضع في هذا الميدان أطروحة لدكتوراه الدولة صارت جزءاً أوّل من سفْر بأربعة أجزاء ضخمة تشكّل بمجموعها أحد أكثر الأعمال الغربيّة امتداداً عن العرب، حملت العنوان الجامع "الجغرافية البشريّة في العالَم الإسلاميّ حتّى منتصف القرن الحادي عشر الميلاديّ"، وتوالى صدورها من 1973 إلى 1988. وبالرّغم من كون هذا الكتاب ما برح موضع تداول وانتشار، وقد أعيد طبعه في عهد قريب، قرّر ميكيل أن يعيد سكبه في صيغة مكثّفة، موجّهة للأدباء وعموم القرّاء، صدرت في 2001. ليس من الهيّن اختزال مادّة كتاب يغطّي ألفَي صفحة إلى صيغة جديدة لا تتجاوز مائة صفحة ونيّفاً. بيد أنّ ميكيل، بحسّ التكثيف المعهود عنده، نجح في الرّهان. ركّز اختيار موضوعاته، من حيث مقاربة العرب للعالَم، على تصوّرهم للحدود والبحار والجبال والمدن؛ ومن حيث مقاربتهم للبلدان الغريبة أو الأجنبيّة ركّز على ما كتبوه عن الهند والصّين واالقسطنطينيّة وروما وبقيّة أوروبّا. هذا الكتاب هو الذي يقدّمه هنا مشروع "كلمة" للترجمة. ولمزيد من الفائدة، أضيفت في أوّل الكتاب ترجمة لنصّ درس ميكيل الافتتاحيّ في كوليج دو فرانس، الذي يلخّص فيه اختياراته ورؤيته للّغة العربية وأدبها وتاريخهما وآفاق دراستهما الممكنة، وفي نهاية الكتاب أضيفت ترجمة ثلاث دراسات أخرى له، تكمّل فصول "العالَم والبلدان"، وتذهب في البحث إلى ما بعد منتصف القرن الحادي عشر الميلاديّ. ليس هذا الجمع بين الأدب والجغرافيّة، الذي يميّز الكتاب، بالشيء الغريب، بل هو يقيم في صُلب مشروع أندريه ميكيل، الذي يعدّ هذه الجغرافيّة بحثاً استكشافيّاً وأدباً في آنٍ معاً. أدب يُعرب عن مهارات أسلوبية ونظرة متفرّدة وإن لم يضعه كتّاب كبار. كما لم يضعه علماء مختصّون، بل بحّاثة معنيّون بالمعرفة الملموسة، يسافرون إلى بلد لوصفه ويحيطون بما كتبه أو قاله عنه آخرون. في دراسته لمصنّفات هؤلاء، حقّق ميكيل عدّة اكتشافات أساسيّة. في أوّلها الشغف بالاكتشاف لدى هؤلاء الجغرافيّين في حقبة أفولٍ انكفأ فيها العالم الإسلاميّ على نفسه وتشظّت دار الإسلام، وبدأ يغمرها ركودٌ لا يرى هو فيه انحطاطاً أو تراجعاً للفكر حقّاً. هذه النّصوص هي نوع من نهضة يُقام بها على خلفية خسارة؛ ضوء مبهر يشعّ في سماء محتلكة. على خلفيّة الأفول هذه، أنجر أعمالَهم رجال عظام، من موسوعيّين وجغرافيّن ورحّال أخذوا على عاتقهم تدوين حضارة بكاملها، وعكسوا تصوّرها لعالَمها ولعوالم الآخرين، ولمُجمل العالم والكون. قاموا بذلك خوفاً عليها من الضّياع. هي اندفاعة قصوى، وثْبة حيّويّة خلّاقة أحيت أجناساً قديمة وابتكرت صنوفاً من الكتابة أخرى. كانت تلك، كما يسلّط ميكيل عليه الضّوء بألمعيّة وسخاء، ثقافة متكاملة يتضافر فيها الأدب الجغرافيّ مع انهمام تاريخيّ وموسوعيّ ولغويّ وفنّ في الوصف رفيعٌ ودقيق. ووراءها تقف ذوات ومواهب فذّة، مع تعلٌّق خاصّ من قبَل ميكيل بالمقدّسي الجغرافيّ، وابن بطوطة الرحالّة، وابن خلدون المفكّر في التّاريخ والمجتمعات، كلّ منهم كان رائداً في مجاله وصانعاً لجنس أدبيّ على أساس بدايات وسوابق متواضعة. ولد أندريه ميكيل في مدينة ميزMèze الفرنسيّة المتوسّطيّة في 26 من سبتمبر/أيلول 1929. نال شهادة التّبريز في نحو الفرنسيّة واللّاتينيّة واليونانيّة القديمة في 1953، وتنقّل لفترةٍ بين دمشق ونواكشوط والقاهرة للتعّمق في دراسة العربيّة، ثمّ لممارسة وظائف ثقافيّة. علّمَ في عدّة جامعات فرنسيّة اعتباراً من 1962، ثمّ انتُخب أستاذاً في المعهد المرموق "كوليج دو فرانس"، في كرسيّ اللّغة والأدب العربيّين الكلاسيكيّين (1976-1997)، ثمّ مديراً عامّاً للمكتبة الوطنيّة بباريس، ثمّ مديراً عامّاً لكوليج دو فرانس. وضع سبعين كتاباً وعشرات المقالات برز فيها كاتباً سرديّاً ومترجماً ومحلِّلاً للشّعر والنثّر العربيّين القديمَين ("كليلة ودمنة"، "ألف ليلة وليلة"، قدامى الشّعراء العرب، مجنون ليلى شاعراً وعاشقاً، المقدّسي، ابن بطّوطة، أسامة بن منقذ، إلخ.)، ومن أبرز مَحاور عمله دراساته الكاشفة في الجغرافية البشريّة عند العرب، التي يقدّم هذا الكتاب عنها صورةً دقيقةً مكثّفة. أمّا ناقل الكتاب إلى لغة الضادّ، محمّد آيت حنّا، فهو كاتب ومترجم مغربيّ مهتمّ بالفلسفة والأدب والجماليّات. ولد سنة 1981 في الرباط وبها أكمل مساره التعليميّ في الفلسفة. يعلّم حاليّاً في معهد إعداد المعلّمين في الدّار البيضاء. صدر له "عندما يطير الفلاسفة" (قصص، دار أجراس، المغرب، 2007)، و"الرغبة والفلسفة -مدخل لقراءة دولوز وغواتاري" (منشورات توبقال، المغرب، 2010)، و"القصّة والتشكيل - نماذج مغربية" (وزارة الثقافة المغربية، 2012)، والعديد من النّصوص في منابر وطنية وعربية. ترجمَ إلى العربيّة "حصّة الغريب-شعريّة التّرجمة وترجمة الشّعر عند العرب" لكاظم جهاد، و"الدفتر الكبير" و"البرهان" لأغوتا كريستوف، و"الغريب" لألبير كامو، صدرت الكتب الأربعة في منشورات الجمل ببيروت، ورواية "جورج الموريسيّ -حكاية عن البرّ والبحر" لألكساندر دوما، صدرت عن مشروع "كلمة" للترجمة في أبو ظبي.