عقد قضاة عرفيون وقيادات شعبية وأمنية جلسة للتصالح بين العائلات مساء أمس الأول، وتنازلت عائلتا عليان ورضوان وباقي عائلات قرية "نزلة عليان" بمركز الصف في محافظة حلوان، عن التعويضات التي حكم بها القضاء العرفي لصالحهم، بعد مداولات بين المحكمين العرفيين استمرت 6 ساعات مساء أمس الأول، وبدأت الأحداث ثاني أيام عيد الأضحى الماضي ، وأسفرت عن مقتل 3 وإصابة 38 آخرين ، وتحطيم بعض المنازل والسيارات. بدأت مفاوضات الصلح بدفع كل من الطرفين مبلغ 500 ألف جنيه ، و25 ألف جنيه "رُزقة" ، وهى مصروفات التحكيم والضيافة ، وفى العاشرة صباح أمس الأول ، قام 6 محكمين عرفيين من سيناء ومركز الصف ، و"مرجح" من قبائل العيايدة بالإسماعيلية ، بفحص المصابين والمنازل المتضررة والسيارات ، وتحديد نوعيات الإصابة ما بين كسور أو "غرز" أو جروح أو آثار عمليات جراحية . انتقل المحكمون إلى قرية "نجوع العرب" المجاورة ، حيث عرضت عائلة "عودة أبو سلامة" أن ترعى الصلح في ديوان العائلة بالقرية، والتكفل بمصاريف "الرزقة" ، سعيًا لتحقيق الصلح بين عائلات قرية "نزلة عليان" ، نظراً للروابط العائلية وعلاقات المصاهرة بينهم . واجتمع ما يقرب من 5 آلاف فرد من قريتي نزلة عليان ونجوع العرب ، في سرادق كبير أمام ديوان "عودة أبو سلامة" ، في حين تجمع أفراد العائلات المتنازعة والعائلة المضيفة داخل الديوان . وبحلول الظهر طلب المحكمون ممثلين عن العائلات المتنازعة ، وطالبوهم بالقسم بعدم الكذب ، وعنفوا جميع الحاضرين ، طالبين منهم عدم المقاطعة ووقف الأحاديث الجانبية ، وبدأ صلاح الغرابلي وعادل عدلي رضوان في عرض "حجة" عائلات القرية ، وتحدثا عن رغبة العائلات في العيش في سلام وأمان على حد قولهما ، وعرض عمر السليم وخالد عبد العظيم حجة عائلة عليان، ونفيا حجج عائلات القرية. وخلال الجلسة اجتمع شيوخ 28 عائلة بالقرية ، واتفقوا على التنازل عن التعويض الذي سيقره القضاء العرفي إذا كان في صالحهم ، وهو ما اعترض عليه بعض شباب العائلات ، وانتهى الموقف بتدخل شيوخهم وكبار السن منهم . وفى المساء ، توجه المحكمون إلى غرفة مستقلة لتداول الوقائع وإبداء الحكم المناسب، ودارت المناقشات بين الشيخ سلامة الأحمدي 67 سنة ، وعوض القديري 60 عامًا ، وسالم سليمان العيايدى ، محكمين من سيناء، عن عائلة عليان، والشيخ حسين سالم صالح ، عمدة عرب بنى صالح بمركز أطفيح ، ومسعد المظبوط ، محكم منتدب من المنوات ، وأحمد أبو عيشة ، محكم منتدب من العياط ، والشيخ مسلم نصار العيادى "مرجح" من الإسماعيلية . وسادت حالة من الترقب ديوان عائلة "عودة أبو سلامة" ، في انتظار حكم القضاء العرفي ، ودارت المناقشات بين المحكمين حول القتلى ، والقصاص للمصابين وتخريب البيوت والمحال وحرق السيارات ، وخرجوا على الحضور طالبين ممثلين عن العائلات المتنازعة للتوقيع على شروط الصلح، التي نصت على حظر اعتداء أي طرف على الطرف الآخر بالفعل أو القول ، وتغريم من يخرق الاتفاق 200 ألف جنيه شرطاً جزائيًا وبتعويض إجمالي قيمته 503 آلاف جنيه ، منها 150 ألف جنيه دية للقتيلة "نعمة الشربيني" ، و33 ألفاً للمصابين من عائلة عليان ، و334 ألف جنيه لمصابي عائلات القرية ، و134 ألف جنيه تعويضًا عن السيارات المحترقة، واتفق الأطراف على الصلح وقرأوا الفاتحة على ذلك ، وخرجت صيحات الحاضرين "الله أكبر.. الله أكبر". حالة من الارتياح والرضا بأحكام القضاء العرفي ، سادت بين أفراد العائلات المتنازعة ، وقال نبيل عبد الموجود رضوان : "نحن مطمئنون للأحكام وللصلح ، ففي النهاية كلنا زملاء وأخوة وجيران ، ولا نرغب سوى في العيش بأمان" ، مؤكدًا أن الصلح "أراح الجميع وأزال الاحتقان وأعاد السلام في القرية" . من الواضح أن هذا النوع من القضاة له مزايا تجعله أفضل من القضاء الرسمي ، فهو أكثر شعبية وأكثر لمسًا لحقائق الموضوع وهو يتحرر تمامًا من البيروقراطية القاتلة التي تطبق على التقاضي وتعرضه لمختلف العراقيل والتعلات وتفسح مجالاً للارتشاء ، ناهيك عما يلقاه المتقاضون من بعض المحامين ممن يرون في تأجيل القضية خيرًا ونفعًا لهم ، ثم هي أكثر عدلاً ، وأنها تصدر الحكم بناء على "قانون العدالة والإنصاف" ، وأخيرًا فإن حكم هذه المحاكم الشعبية يكون محل احترام وتقدير ؛ لأنه قام على أساس التعهد الأدبي من المحكوم عليهم دون ضغوط ، وأن من يخالف يسقط من عيون الناس ، وأخيرًا فإنه وحده هو المناسب في حالات الثأر لأن "ولي الدم" يشترك في القضية ، ويسمع صوته وتحترم رغبته ، في حين أن "وكيل النيابة" هو الذي يقوم بذلك ففي القضاء الرسمي ، فيحس ولي الدم أنه مغيب ، وقد لا يعتد بالحكم ، وأخيرًا فإنه يستلهم من الإسلام والقرآن ، وتقاليد الرسول ، وأفضلية الصلح والعفو بحيث يرضى ويقتنع المجنى عليه . كما أن هذا القضاء يخلص القضاء الرسمي من عدد من القضايا التي تثقل الجدول اليومي للمحكمة والذي قد يضم 200 قضية معظمها يؤجل . وقد دعينا إلى هذا النوع من القضاء في كتابنا "القانون والقضاء في المجتمع الاشتراكي" الذي صدر سنة 1963 لمناسبة صدور الميثاق ، وقدمنا صورة له تختلف عما قدمته جريدة "المصري اليوم" ، ففي دعوتنا تقام المحكمة الشعبية في كل حي بصورة شعبية فلا يحضره ممثل من الدولة أو الحكومة ؛ لأن هذا القضاء يمكن أن يحل إحدى مشكلات الحدود في الشريعة الإسلامية ، إذ يمكن علاجها بغير توقيع الحد ، جلدًا كان أو بترًا (كما في حد السرقة) ؛ لأن الأصل في توقيع الحدود أن تصل إلى السلطان ، أما إذا سويت دون أن تصل إلى السلطان فإنها عندئذ تكون تطبيقاً للنص النبوي "تعافوا الحدود" ، وعندما تملك الإكتئاب الرسول عند مشاهدة أول حالة قطع ، قيل له هلا عفوت عنه ، فقال إنه لا يستطيع ما دام قد وصل إليه وأمرهم "بمعافاة الحدود" ، أي لا يوقعوا أنفسهم تحت طائلتها بأن يحولوا دون وصولها للسلطان (الحكومة) بتسويتها فيما بينهم .