روائي نوبي من مواليد أسوان عام 1940، وعضو اتحاد الكتاب وجمعية الأدباء، له العديد من المؤلفات؛ أهمها: رواية "دنقلة"، و"انفجار جمجمة"، و"مشاهد من قلب الجحيم".. حصد عددًا من الجوائز؛ منها: جائزة اتحاد الكتاب، وجائزة "جامعة اركتور الأمريكية" عن ترجمة رواية "دنقلة" إلي الإنجليزية العام 1997، كما حصل علي جائزة معرض الكتاب عن روايته "انفجار جمجمة".. تبدو "النوبة" مسقط رأسه وكأنها تميمة ضد الموت والزمن، يشرع خلال أعماله إلي أن يفكك طلاسمها ويعيد قراءتها في كل عمل يصدره، ومن هذه التميمة تنفرط شخوصه بحيواتهم وبساطتهم، فهم تارة يعاركون القهر والحرمان، وتارة أخري يجترحون القيود التي تفقدهم احساسهم بإنسانيتهم، وبأنهم أحرار.. إنه الروائي النوبي إدريس علي، التقته "صوت البلد" وكان لنا معه هذا الحوار. - متي بدأت التفكير في الاتجاه إلي الكتابة؟.. وماذا عن تجليات اللحظة؟ أولًا أود الإشارة إلي أنني كاتب عصامي بدأت بالقراءة حتي استكملت موهبة الإبداع وهو عبارة عن قراءة متنوعة وخبرة ذاتية للكون، وأهم ما يجب أن يتميز به الكاتب عدم التعصب وقبول الآخر، وأن يكون لديه مشروع يريد توصيلة للجمهور.. وعندما فكرت في الهجرة إلي الشمال بحثا عن المستقبل، زودني نوبي مجرب بنصيحته النفيسة: "إذا أردت الحياة مرفوع الهامة في مدن الشمال، فكن سيدا لأن مصر بلد شهادات فجاهد لكي تتعلم مهنة لك، وإذا فشلت في هذا فالويل لك من أبناء الشمال فهم سوف يدوسونك بالأقدام وتسحق حتي آخر العمر.. وحين بدأت رحلتي كانت النصيحة خلفي والمدينة أمامي، وبدأت بالقراءة، واتخذت من مكسيم جوركي استاذًا لي ونموذجي المفضل ولم يخطر ببالي مطلقا ان القراءة ستشكل مستقبلي، وتلك كانت البدايات لدي، لكني أحب أن أؤكد أن القراءة وحدها لا تصنع الكاتب وإنما لابد من موهبة كبيرة ورؤية مستنيرة للكون والعالم والتسامح الديني وقبول الاخر والابتعاد بقدر الامكان عن مفاهيم السلف. - وأين المحطات الرئيسية في مشوارك مع الإبداع والكتابة؟ أول تجربة كانت لي من خلال مشروع قصة قصيرة، وعندما قام كاتب كبير بقراءتها صرح بأن هذه القصة، إما أن تكون مسروقة أم أنني موهوب وأحتاج إلي إبداع أكثر.. وكانت أول كتاباتي التي أرسلتها إلي مجلة "صباح الخير"، وكان الرد منها إما بالإساءة أو بالتعليق الساخر، وشاء القدر أن تقع قصتي في يد "لويس جريش" رئيس التحرير، ونشرها في الصفحة الثانية من شدة إعجابه بها من هنا كانت البداية وسمع عن قصتي "عبدالعال الحمصي" رئيس تحرير "مجلة الزهور" فتعهد لي بالرعاية، ونشر لي أربع قصص متتالية وكتب عني في مجلة الإذاعة ومن هنا شعرت بأنني أصبحت كاتبا. - نعود مرة أخري إلي هجرتك من أسوان إلي القاهرة..؟ مقاطعًا: أنا أعيش في القاهرة، وليست لدي فكرة عن النوبة، ورأيت اهتمامًا كبيرًا للأدباء بالحياة في القاهرة فقررت أن اتجه بكتاباتي إلي النوبة وكان أول مشروع لي هو رواية "دنقلة" وواجهت حينها هجومًا مزدوجًا من النقاد لأني تحدثت عن الدولة المسيحية رغم أنه لم يكن قصدي التطرق لحياة النوبة بشكل متعسف وإنما كنت أريد توضيحها للجمهور. - في رأيك.. لماذا تثير روايتك الكثير من الجدل عند النقاد؟ أنا كاتب صارم وقائم علي فكرة أن الواحد ضد الجميع وأن المبدع الحقيقي عبارة عن خالق يري الكون من خلال مرآة مهشمة والكتابة الحقيقية هي التي تؤدي بالتغيير للأفضل.. لذلك أواجه بالانتقادات دومًا. - ألهذا نزهت بطل "انفجار جمجمة" من كل نقيصة وحولته الي اسطورة لإدانة السلطة؟ "قناوي" في رواية "انفجار جمجمة" لا أنكر أنه تلفت حولي باحثا عن منقذ فلم اعثر عليه بين اصحاب الشعارات الذين يتغنون بحب مصر، فكلهم سقطوا تحت إغواء المال الحرام، وأنا في الرواية أتحدث عن (الرواية) زمانيا ومكانيا، وأنا حينها لم أجد المقاوم سوي في التيار الديني متمثلا في "قناوي"، ومعطيات الواقع تؤكد ذلك. فالذين يقاومون الآن ليسوا هم أصحاب الشعارات والمظاهرات، بل "حزب الله" و"حماس"، يفجرون انفسهم ويموتون، وهذا مأزق حضاري خطير يواجهنا جميعا وأنا أولهم، لانني لا يمكن أن أقبل أن يحكمونني مهما قاوموا واستبسلوا. - وما رأيك في مصطلح الأدب النوبي؟ لا يوجد شيء اسمه أدب نوبي؛ لأن أي مصطلح يؤدي إلي دعاوي سياسية وتطرف والأدب النوبي طيار في نهر الأدب المصري، فالكتابة عن النوبة جماعة بشرية من ضمن المجتمع المصري وليس عرفًا منفصلًا مثل السياسة، فأنا ضد محاولة فصل النوبة عن مصر. - يتبدي خلال المشهد الأدبي خلال الآونة الأخيرة تآكل الثقافة النوبية مع مرور الزمن..فما تعليقك؟ الثقافة بالمعني الأشمل هي جميع نواحي الحياة ومن أسباب تآكلها الهجرة من المكان والبعد عن الجغرافيا، كل هذه العومل تفاعلت وأدت إلي تآكل العادات النوبية، كما أن المهاجرين من النوبة إلي القاهرة اندمجوا في الثقافة المصرية الأكبر والأشمل. - رغم أن المكان يعتبر قيمة في حد ذاته عند النوبي، إلا أن المتتبع لرواياتك يري أنه طارد.. فما السبب في رأيك؟ أظن أنه لم يعد خافيًا علي أحد أن النوبة قبل السد العالي كانت منطقة طاردة للحضارة؛ لانها كانت منغلقة ومنسية وتعيش في القرون الوسطي؛ لهذا فأولاد المدارس كانوا يتطلعون الي اسوانوالقاهرة والمستقبل الواعد.. والبنات كن مرهقات من متاعب المكان لأنهن يتحملن العبء كله؛ فجلب المياه من النهر البعيد في شهور الصيف والعجين والخبيز؛ لهذا كله جاء بناء السد العالي وانتقالهم الي "كوم أمبو" كطوق نجاة للأجيال الجديدة من الجنسين. - في حوار لك سابق، ذكرت قبولك التطبيع مع إسرائيل واستعدادك لزيارتها؟ لم أتطرق إلي هذا الكلام بالمعني؛ لأن الصراع بيني وبين إسرائيل طويل الأمد، فهو صراع حدود وأنا لا أقصد التطبيع لأي مؤسسات دولية واتحادات كتاب، فقط أنا أريد عمل مشروع لكتاب لزيارة إسرائيل لكن ندرس عاداتهم ونعرفهم جيدا فيجب علينا محاربة العدو من خلال نفس الطريقة التي يتعامل بها معنا. - وماذاعن روايتك "الزعيم يحلق شعره" التي أثارت الكثير من الجدل؟ رواية "الزعيم يحلق شعره"، عبارة عن سيرة ذاتية من أربعة أجزاء وأتحدث فيها عن تجربتي في ليبيا وأنا ليس لدي موقف من الزعيم الليبي الذي قدم الرئيس "عبدالناصر"، وأنا أتذكر موقفًا من الشعب الليبي عندما كنت في الجيش وجاء خبر وفاة "عبدالناصر" أصبحوا في حالة حزن شديد، فالنظام الليبي لم يرفع أي دعوي علي هذه الرواية وكان الخلاف من جانب النائب العام وحقق معي ولم يفرج عن الرواية وفعلا منعت من النشر. - وما الجديد الذي تعتزم تقديمه للأدب العربي خلال الفترة المقبلة؟ رواية "المفسدون" وهي تتحدث عن الذين يفسدون في هذه المرحلة وأبرزت بعض الشخصيات التي أفسدت وهذا من قبل الصحافة ووسائل الإعلام عن القضايا