وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان بقرية بخانس    بايدن يوجه بإعادة تقييم شامل لانتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط    السفارة المصرية في بيروت تطالب المصريين بلبنان الراغبين بالعودة بتسجيل بياناتهم    "600 مشجع زملكاوي داخل غرفة جعلونا نبكي".. شيكابالا يوجه رسالة مؤثرة بعد الفوز بالسوبر    "أنا ويل سميث".. شيكابالا يكشف تفاصيل حديثه مع تركي آل الشيخ    سموحه يهنئ الزمالك بالفوز بالسوبر الإفريقى    "منشأ العضلة".. الزمالك يكشف تفاصيل إصابة صبحي في الأمامية    جوميز: الزمالك يستحق التتويج بالسوبر.. والفوز على الأهلي له بريق خاص    خبير تحكيمي: ضربة جزاء الأهلي صحيحة والشحات يستحق الطرد    عضو الزمالك عن التتويج بالسوبر الإفريقي: رد على المشككين    زيزو: قرار البقاء في الزمالك الأعظم في حياتي.. وكنت سأسدد الركلة الخامسة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    نبيل الحلفاوي يوجة رسالة للزمالك بعد فوزه بلقب السوبر الإفريقي    نشرة التوك شو| تحسن في الأحوال الجوية والشعور ببرودة الطقس أوائل أكتوبر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    عيار 21 الآن يسجل تراجعا جديدا.. أسعار الذهب اليوم السبت «بيع وشراء» في مصر بالمصنعية    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «هتشوفوا الصيف والشتا».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم السبت (تفاصيل)    جيش الاحتلال: سنوجه ضربات جديدة لمبانٍ استراتيجية تابعة لحزب الله    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    أول تعليق من أحمد العوضي بشأن تعرضه لوعكة صحية    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    برج الدلو.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: علاقة سابقة تسبب لك مشكلات    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    جامعة الأزهر تحتفي بالقيادات النسائية وتبرز دور المرأة في المجتمع    مقاول يتهم رئيس مجلس مدينة أوسيم بخطفه واحتجازه والاعتداء عليه والأمن يحقق    بلينكن: أمريكا ستتخذ كل الإجراءات للدفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول احتفالا باليوم العالمي للسياحة    إضاءة أهرامات الجيزة وتمثال أبوالهول لمدة ساعتين احتفالا باليوم العالمي للسياحة    "مش هفتي في قانون الكرة".. مراد مكرم يعلق على مباراة الأهلي أمام الزمالك في السوبر الأفريقي    وزير الخارجية: من غير المقبول إفلات دولة ترى نفسها فوق القانون من العقاب    جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلابها في العام الجامعي الجديد    حماس تندد بخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    إصابة طفلة بحروق نتيجة صعق كهربي بالواحات البحرية    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية على مدار يومين بقرية دكما    «مياه مطروح» تنظم الندوة التوعوية الثانية بالمسجد الكبير    الوزارة فى الميدان    افتتاح المسجد الكبير بقرية «التفتيش» في سيدي سالم    العمل والإتحاد الأوروبي يبحثان إعداد دليل تصنيف مهني يتماشى مع متغيرات الأسواق    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    اتهام بسرقة ماشية.. حبس المتهم بقتل شاب خلال مشاجرة في الوراق    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    استشاري تغذية: الدهون الصحية تساعد الجسم على الاحتفاظ بدرجة حرارته في الشتاء    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    محافظ الفيوم يعلن نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طامية المركزي    بلغة الإشارة.. انطلاق النسخة الثانية من ماراثون يوم الصم العالمي بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أوراق العشب» للشاعر والت ويتمان تنمو مجدداً بالعربية
نشر في صوت البلد يوم 12 - 06 - 2016

لا يعرف المعنيون بأعمال والت ويتمان (1819- 1892)، مؤسس الحداثة الشعرية الأميركية، بل في الشعر الإنكليزي بعامة، مصطلحَ «الأعمال الشعرية الكاملة» الشهير في الثقافات الأوروبية وسواها. لا يعرفونه بالنسبة إليه على وجه الحصر، سوى «أوراق العُشب» الذي يضم -في طبعة عام 1892- أعماله الشعرية الكاملة، فهو ليس ديواناً مُفرداً على النمط التقليدي المعروف، بل عملٌ شعري واحد، كُلي، ظل يصدر على مدى سنوات عمر شاعره وإنجازه الشعري بهذا العنوان، منذ طبعته الأولى عام 1855. وكل طبعة جديدة لا تشبه سابقتها، بل تضمّ ما استجدّ من قصائد، إضافةً إلى ما سبق.
عملٌ شعري يتكامل عبر الزمن والكتابة، في تسع طبعات متوالية، إلى أن وضع ويتمان بنفسه كلمة النهاية في طبعته الأخيرة، المسمّاة «طبعة فراش الموت»، التي قام بمراجعتها وإعدادها في لحظات حياته الأخيرة من دون أن يمتلك أحد اليقين بأنه قد رآها مطبوعةً قبل أن يفارق العالم.
«نظراً الى وجود طبعات عديدة، ونصوص وتواريخ مختلفة ل «أوراق العُشب»، فأود قول إنني أفضل وأوصي بهذه الطبعة الكاملة للنشر المستقبلي، لو كان ثمة طبعات مقبلة، كنسخة أو صورة طبق الأصل -حقّاً- من نصوص هذه ال438 صفحة. لقد انتهت فترة التعديل اللاحقة بالغة الضرورة للعمل المصوغ المنشور، وبخاصة بالنسبة إلى الكتب؛ وفي انتظار ما بعد ذلك تماماً، قدمت في 438 صفحة كلماتي الختامية». هكذا، تصبح تلك الطبعة الأخيرة بمثابة أعماله الشعرية الكاملة، نصوصاً وبنيةً. وهي التي يعتمدها الناشرون في إصدار «أوراق العُشب» منذ رحيله، ملتزمين حرفياً بالسمات الطباعية لتلك الطبعة القديمة، بما يصل إلى حد التصوير.
لكنّ الخدعة التي وقعتُ فيها بلا وعي في بدء العمل، تكمن في أن عدد الصفحات هذا -في شكله المجرد- لا يعكس الحجم الحقيقي للعمل، ويوهم بأنه حجم «متوسط» قابل لاستيعابه -قراءةً أو ترجمةً- بلا عناء كبير، وإذا بي أكتشف -بعد ملاحظتي لبطء التقدم في الترجمة- أن الصفحة ذات القَطع الصغير تضم -في المتوسط- 43 سطراً شعرياً، أي ضِعف ما تتسع له الصفحة «العربية» من القَطع «الكبير»، لتصل الترجمة الكاملة إلى أكثر من 900 صفحة من القطع الكبير.
لكن «أوراق العشب» الكاملة تمثل -في تاريخ الحداثة الشعرية العالمية- ظاهرةً تمتد فاعليتها حتى الآن، وكانت جديرةً بالترجمة العربية منذ أمد ليس بالقصير.
مقاطع من «أوراق العشب»
هَيَّا، قالت روحي،
فَلنَكتُب هذه القصائد لجسدي، فنحن واحد،
لأني بعدها عليَّ أن أعود،
أو، بعيداً، بعيداً من هنا، في كواكب أخرى،
ستتواصل الأناشيدُ إلى جماعةٍ ما مِن الرِّفَاق،
مُفعمةً تماماً بتُربَةِ الأرضِ، والأشجارِ، والرِّياح، والأمواج الهائجة،
بابتسامة سعيدة دائماً على شفتيَّ،
دائماً وأبداً لكني، في البدء، هنا والآن، ممتلكاً القصائد-
فيما أغني الروحَ والجسد، أطلِقُ فيهم اسمي
والت ويتمان.
*****
أغنِّي ذات المرء
أغنِّي ذات المرءِ، كشخص بسيط، مُستقل،
لكني أنطق بالكلمة الديموقراطية، الكلمة الجمعيَّة .
أغنِّي الأعضاء مِن الرأسِ إلى إصبع القدم،
لا الوجه وحده ولا العقل وحده هو الجدير بربَّةِ الشِّعر، أقول إِنَّ القَوامَ الكاملَ أجدرُ بكثير،
وأُغنِّي الأُنثى بالتَّساوي مع الذَّكَر.
*****
أُغنِّي الحياةَ الهائلة في الشَّغَفِ، والنَّبضِ، وَالعُنفُوان،
البهيجةَ، من أجلِ أقصى فعلٍ متحرِّرٍ تَشكَّل في ظلِّ القوانين السماويَّة،
أغنِّي الإنسان الحديث .
*****
فيما كنتُ أهيم في صمت
فِيمَا كنتُ أهيمُ في صَمتٍ،
مُستَعيداً قصائدي، مُفَكِّراً، مُتَوَانياً طويلاً،
انبَثَقَ أمامي شبحٌ بسيماء مُرتَابة
رهيباً في الجمال، والعُمرِ، والعُنفوان،
يحملُ عبقرية شُعراءِ البُلدان العريقة،
وفيما كان يُوجِّه نحوي عينيه الشَّبيهتين باللَّهيب،
مشيراً بإصبَعِه إلى أغنياتٍ كثيرةٍ خالدة،
قال بصوتٍ مُهَدِّدٍ، ماذا تُغَنِّي؟
أتعرفُ أنَّ هناك موضوعاً وحيداً هو ما يشغلُ دائماً المُغَنِّين؟
وهو موضوعُ الحرب، مصير المعارك،
تَشكيلُ الجُنُودِ المثَالِيِّين .
فليكُن ذلك كذلك، آنئذٍ أجَبتُ،
أنا أيضاً- أيها الشَّبَحُ السَّامي أُغنِّي الحرب، حرباً أطول وأعظم مِن أيِّ حرب،
تدورُ في كتابي مع مصيرٍ مُختَلِفٍ، مع الانطلاق، والتَّقدم والتقَهقُر، والنصر المؤجَّلِ والمُتردِّد، لكنَّه يبدو لي مُؤكَّداً، أو جيداً بقدر ما هو مُؤكَّد، في النهاية، والميدانُ هو العالَم،
من أجل الحياة والموت، مِن أجل الجسد والرُّوحِ الأبديَّة،
أنظُر، أنا أيضاً قادم، مُنشِداً أنشودة المعارك،
فأنا- قبل كلِّ شيءٍ- أُشجعُ الجنودَ الشجعان .
*****
في سفنٍ مُبحرةٍ ذات كبائِن،
وعلى كُلِّ جانبٍ تمتد الزرقَةُ اللانهائيَّة،
مع الريحِ الصَّافرةِ وموسيقى الأمواج، الأمواجِ الشَّاسعة المهيبة،
أو قاربٍ ما يطفُو وحيداً على البحر الكثيف،
حيث أشرعةٌ بيضاءُ مفرُودةٌ، بهيجةٌ مُفعمةٌ بالإيمان،
تشُقُّ الأثيرَ وسط وميضِ وزَبَدِ النهارِ، أو تحت نجومٍ كثيرةٍ في الليل،
سيقرأني بَحارةٌ شُبَّانٌ وكبارٌ بسعادةٍ، كتذكارٍ للأرض،
في أُلفةٍ كاملةٍ في النهاية.
ها هي أفكارُنا، أفكارُ مُسَافرين،
وها هنا ليست الأرض، الأرض الصَّلدةَ، ما تتبدى وحدها، قد يقولون ذلك آنذاك،
فالسَّماءُ مُقبَّبةٌ في الأعالي هنا، ونحِس بالأرضيَّةِ المُتمَوِّجةِ تحت أقدامنا،
نُحِس بالنَّبضِ المديدِ، بمَدِّ وجَزرِ حركةٍ لانهائيَّة،
بنبراتِ سِرٍّ لامرئي، والإِيحاءات الغامضة الشَّاسعةِ للعَالَمِ المِلحي، والمقاطعِ اللَّفظيَّةِ السَّائِلَةِ المُنسَابَة،
والأريجِ، والصَّريرِ الواهي للحبَالِ، وإيقَاعِ الكآبة،
والمَشهَدِ اللانِهَائي والأُفقِ البعيدِ القاتم جميعاً هنا،
وتلك هي قصيدةُ المُحِيط .
آنَئِذٍ لا تتلعثم أيُّها الكتَاب، فلتُحَقِّق مصيرك،
فأنت لستَ تَذكاراً مِن الأرضِ فحسب،
أنت أيضاً تُشبِه قارباً وحيداً يَشُقُّ الأثِير،
لا أدري إلى أين، لَكِنَّه مُفعَمٌ أبداً بالإيمان،
مُتناغِماً مع كلِّ سفينةٍ مُبحِرة، فَلتُبحِر! فلتحمِل إليهم حُبِّي مَكنُوناً، [أيها البحَّارَةُ الأعِزَّاءُ، مِن أجلكم طَوَيتُ عليهِ كُلَّ صفحةٍ هنا]؛
أسرِع يا كِتَابي! انشُر أشرِعتكَ البيضاء يا قاربي الصغير عبر الأمواجِ المهِيبَة،
أَنشِد، أَبحِر، واحمِل فوق الزُّرقةِ اللانهائِيَّةِ مِنِّي إلى كُلِّ بحر،
هذه الأغنيةَ إلى البَحَّارَةِ وسُفُنهم جميعاً.
لا يعرف المعنيون بأعمال والت ويتمان (1819- 1892)، مؤسس الحداثة الشعرية الأميركية، بل في الشعر الإنكليزي بعامة، مصطلحَ «الأعمال الشعرية الكاملة» الشهير في الثقافات الأوروبية وسواها. لا يعرفونه بالنسبة إليه على وجه الحصر، سوى «أوراق العُشب» الذي يضم -في طبعة عام 1892- أعماله الشعرية الكاملة، فهو ليس ديواناً مُفرداً على النمط التقليدي المعروف، بل عملٌ شعري واحد، كُلي، ظل يصدر على مدى سنوات عمر شاعره وإنجازه الشعري بهذا العنوان، منذ طبعته الأولى عام 1855. وكل طبعة جديدة لا تشبه سابقتها، بل تضمّ ما استجدّ من قصائد، إضافةً إلى ما سبق.
عملٌ شعري يتكامل عبر الزمن والكتابة، في تسع طبعات متوالية، إلى أن وضع ويتمان بنفسه كلمة النهاية في طبعته الأخيرة، المسمّاة «طبعة فراش الموت»، التي قام بمراجعتها وإعدادها في لحظات حياته الأخيرة من دون أن يمتلك أحد اليقين بأنه قد رآها مطبوعةً قبل أن يفارق العالم.
«نظراً الى وجود طبعات عديدة، ونصوص وتواريخ مختلفة ل «أوراق العُشب»، فأود قول إنني أفضل وأوصي بهذه الطبعة الكاملة للنشر المستقبلي، لو كان ثمة طبعات مقبلة، كنسخة أو صورة طبق الأصل -حقّاً- من نصوص هذه ال438 صفحة. لقد انتهت فترة التعديل اللاحقة بالغة الضرورة للعمل المصوغ المنشور، وبخاصة بالنسبة إلى الكتب؛ وفي انتظار ما بعد ذلك تماماً، قدمت في 438 صفحة كلماتي الختامية». هكذا، تصبح تلك الطبعة الأخيرة بمثابة أعماله الشعرية الكاملة، نصوصاً وبنيةً. وهي التي يعتمدها الناشرون في إصدار «أوراق العُشب» منذ رحيله، ملتزمين حرفياً بالسمات الطباعية لتلك الطبعة القديمة، بما يصل إلى حد التصوير.
لكنّ الخدعة التي وقعتُ فيها بلا وعي في بدء العمل، تكمن في أن عدد الصفحات هذا -في شكله المجرد- لا يعكس الحجم الحقيقي للعمل، ويوهم بأنه حجم «متوسط» قابل لاستيعابه -قراءةً أو ترجمةً- بلا عناء كبير، وإذا بي أكتشف -بعد ملاحظتي لبطء التقدم في الترجمة- أن الصفحة ذات القَطع الصغير تضم -في المتوسط- 43 سطراً شعرياً، أي ضِعف ما تتسع له الصفحة «العربية» من القَطع «الكبير»، لتصل الترجمة الكاملة إلى أكثر من 900 صفحة من القطع الكبير.
لكن «أوراق العشب» الكاملة تمثل -في تاريخ الحداثة الشعرية العالمية- ظاهرةً تمتد فاعليتها حتى الآن، وكانت جديرةً بالترجمة العربية منذ أمد ليس بالقصير.
مقاطع من «أوراق العشب»
هَيَّا، قالت روحي،
فَلنَكتُب هذه القصائد لجسدي، فنحن واحد،
لأني بعدها عليَّ أن أعود،
أو، بعيداً، بعيداً من هنا، في كواكب أخرى،
ستتواصل الأناشيدُ إلى جماعةٍ ما مِن الرِّفَاق،
مُفعمةً تماماً بتُربَةِ الأرضِ، والأشجارِ، والرِّياح، والأمواج الهائجة،
بابتسامة سعيدة دائماً على شفتيَّ،
دائماً وأبداً لكني، في البدء، هنا والآن، ممتلكاً القصائد-
فيما أغني الروحَ والجسد، أطلِقُ فيهم اسمي
والت ويتمان.
*****
أغنِّي ذات المرء
أغنِّي ذات المرءِ، كشخص بسيط، مُستقل،
لكني أنطق بالكلمة الديموقراطية، الكلمة الجمعيَّة .
أغنِّي الأعضاء مِن الرأسِ إلى إصبع القدم،
لا الوجه وحده ولا العقل وحده هو الجدير بربَّةِ الشِّعر، أقول إِنَّ القَوامَ الكاملَ أجدرُ بكثير،
وأُغنِّي الأُنثى بالتَّساوي مع الذَّكَر.
*****
أُغنِّي الحياةَ الهائلة في الشَّغَفِ، والنَّبضِ، وَالعُنفُوان،
البهيجةَ، من أجلِ أقصى فعلٍ متحرِّرٍ تَشكَّل في ظلِّ القوانين السماويَّة،
أغنِّي الإنسان الحديث .
*****
فيما كنتُ أهيم في صمت
فِيمَا كنتُ أهيمُ في صَمتٍ،
مُستَعيداً قصائدي، مُفَكِّراً، مُتَوَانياً طويلاً،
انبَثَقَ أمامي شبحٌ بسيماء مُرتَابة
رهيباً في الجمال، والعُمرِ، والعُنفوان،
يحملُ عبقرية شُعراءِ البُلدان العريقة،
وفيما كان يُوجِّه نحوي عينيه الشَّبيهتين باللَّهيب،
مشيراً بإصبَعِه إلى أغنياتٍ كثيرةٍ خالدة،
قال بصوتٍ مُهَدِّدٍ، ماذا تُغَنِّي؟
أتعرفُ أنَّ هناك موضوعاً وحيداً هو ما يشغلُ دائماً المُغَنِّين؟
وهو موضوعُ الحرب، مصير المعارك،
تَشكيلُ الجُنُودِ المثَالِيِّين .
فليكُن ذلك كذلك، آنئذٍ أجَبتُ،
أنا أيضاً- أيها الشَّبَحُ السَّامي أُغنِّي الحرب، حرباً أطول وأعظم مِن أيِّ حرب،
تدورُ في كتابي مع مصيرٍ مُختَلِفٍ، مع الانطلاق، والتَّقدم والتقَهقُر، والنصر المؤجَّلِ والمُتردِّد، لكنَّه يبدو لي مُؤكَّداً، أو جيداً بقدر ما هو مُؤكَّد، في النهاية، والميدانُ هو العالَم،
من أجل الحياة والموت، مِن أجل الجسد والرُّوحِ الأبديَّة،
أنظُر، أنا أيضاً قادم، مُنشِداً أنشودة المعارك،
فأنا- قبل كلِّ شيءٍ- أُشجعُ الجنودَ الشجعان .
*****
في سفنٍ مُبحرةٍ ذات كبائِن،
وعلى كُلِّ جانبٍ تمتد الزرقَةُ اللانهائيَّة،
مع الريحِ الصَّافرةِ وموسيقى الأمواج، الأمواجِ الشَّاسعة المهيبة،
أو قاربٍ ما يطفُو وحيداً على البحر الكثيف،
حيث أشرعةٌ بيضاءُ مفرُودةٌ، بهيجةٌ مُفعمةٌ بالإيمان،
تشُقُّ الأثيرَ وسط وميضِ وزَبَدِ النهارِ، أو تحت نجومٍ كثيرةٍ في الليل،
سيقرأني بَحارةٌ شُبَّانٌ وكبارٌ بسعادةٍ، كتذكارٍ للأرض،
في أُلفةٍ كاملةٍ في النهاية.
ها هي أفكارُنا، أفكارُ مُسَافرين،
وها هنا ليست الأرض، الأرض الصَّلدةَ، ما تتبدى وحدها، قد يقولون ذلك آنذاك،
فالسَّماءُ مُقبَّبةٌ في الأعالي هنا، ونحِس بالأرضيَّةِ المُتمَوِّجةِ تحت أقدامنا،
نُحِس بالنَّبضِ المديدِ، بمَدِّ وجَزرِ حركةٍ لانهائيَّة،
بنبراتِ سِرٍّ لامرئي، والإِيحاءات الغامضة الشَّاسعةِ للعَالَمِ المِلحي، والمقاطعِ اللَّفظيَّةِ السَّائِلَةِ المُنسَابَة،
والأريجِ، والصَّريرِ الواهي للحبَالِ، وإيقَاعِ الكآبة،
والمَشهَدِ اللانِهَائي والأُفقِ البعيدِ القاتم جميعاً هنا،
وتلك هي قصيدةُ المُحِيط .
آنَئِذٍ لا تتلعثم أيُّها الكتَاب، فلتُحَقِّق مصيرك،
فأنت لستَ تَذكاراً مِن الأرضِ فحسب،
أنت أيضاً تُشبِه قارباً وحيداً يَشُقُّ الأثِير،
لا أدري إلى أين، لَكِنَّه مُفعَمٌ أبداً بالإيمان،
مُتناغِماً مع كلِّ سفينةٍ مُبحِرة، فَلتُبحِر! فلتحمِل إليهم حُبِّي مَكنُوناً، [أيها البحَّارَةُ الأعِزَّاءُ، مِن أجلكم طَوَيتُ عليهِ كُلَّ صفحةٍ هنا]؛
أسرِع يا كِتَابي! انشُر أشرِعتكَ البيضاء يا قاربي الصغير عبر الأمواجِ المهِيبَة،
أَنشِد، أَبحِر، واحمِل فوق الزُّرقةِ اللانهائِيَّةِ مِنِّي إلى كُلِّ بحر،
هذه الأغنيةَ إلى البَحَّارَةِ وسُفُنهم جميعاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.