قبل حوالي ثلاثين عاماً، وأثناء صناعته للملحمة الأشهر عن حرب فيتنام "القيامة الآن"Apocalypse now ، تنبأ المخرج الامريكي الشهير فرانسيس فورد كوبولا بانتشار كاميرات الفيديو الشخصي الصغيرة بين افراد الجمهور خلال سنوات قليلة، ووقتها سيفكر الناس في إخراج أفلامهم الخاصة، ويسجلون فيها تجاربهم ومشاهداتهم، وقال كوبولا إنه يتطلع لهذا اليوم الذي سيختفي فيه مفهوم صناعة السينما الاحترافية الذي تتحكم فيه شركات الإنتاج الكبري. وذَكر كوبولا ذلك وقت أنه كان أنجح مُخرجي السينما، بعد أن قدم جزءي فيلم "الأب الروحي"، لكنه لم يسلم رغم ذلك من تدخلات المنتجين في عمله، وربما لذلك السبب أعلن كوبولا أنه يعد الآن لانتاج فيلم يعرض علي اليوتيوب مباشرة؛ ليتوج به رحلة ثلاثين عاما من انتاج الافلام ذات الميزانية المنخفضة. ويفسر كوبولا هذا القرار بقوله: "لم تعد المعاناة فقط في إنتاج الأفلام، ولكن أيضاً في توزيعها، لا أحد يريد أن يَحجز لك عدة قاعات كي يشاهد الجمهور فيلمك، فيلمي الأخير "تيترو" عرض في عَشر قاعات فقط في أمريكا، والفكرة تحديداً هي: لماذا يكون هناك حاجز بينك وبين الجمهور بعدما وجدت وسائل لتجاوزه والتوجه إليهم بشكل مُباشر؟". ويُضيف: "أري الآن الكثير من تجارب صناعة الأفلام بلا ميزانية تقريباً، وهذا ما حَلمتُ به يوماً، أُريد تشجيع ذلك، خُذ كاميرتك وأخرج إلي الشارع واصنع فيلماً ثم اعرضه علي الناس، ليس ذلك صعباً". ويري المخرج الحاصل علي السعفة الذهبية لمهرجان كان مرتين أن صناعة الأفلام بهذه الطريقة تجعله أكثر حرية: "أعمل في المجال منذ أربعين عاماً، ومع ذلك لا أزال أنظر لنفسي كَتلميذ لم يكتشف كُل شيء، وكلما قيدت نفسك بالقواعد وشروط الإنتاج ، سيعيقك هذا أكثر عن الاكتشاف". وفي حماسٍ شديد يتحدث عن فيلمه الجديد: "دائماً ما كانت لدي فكرة عن أن طفلاً ما سيأتي ويصنع فيلماً يغير اتجاه السينما كلها، أريد أن أكون هذا الطفل، يَلهو بكاميراته بلا قواعد فيصنع شيئاً لَم يسبقه إليه أحد، لم أعد أبحث عن فيلم جيد، ولكني أطمح لتغيير شكل السينما، وفكرة عرض الفيلم علي اليوتيوب دون عرضه تجارياً جاءت حتي لا أكون تحت ضغط الموزعين، لا أريد التفكير في أي شيء سوي السينما نفسها". ربما يفسر ذلك لماذا لم تنل الأفلام الأخيرة للمخرج الكبير قدر نجاح أفلامه الأولي، فقد عاب عليها النقاد "التجريبية الشديدة" لدرجة عدم الفهم، وذهب البعض بقوله بأن المخرج العظيم قد أخرج كل ما في جعبته خلال السبعينيات ولم يعد يملك ما يقدمه. و يردّ كوبولا: "لم أعد أصغي لأحد، فربما يكون ما أفعله الآن غير جيد في نظر البعض، ولكن يلهم آخرين لفعل ما هو جيد، وهذا ما يهمني الآن، فأنت تذهب الآن إلي السينما لتشاهد أفلاماً تشبه بعضها أو تشبه أخري سبق أن شاهدتها من قبل، من الممكن الآن أن تجلس في منزلك كي تشاهد شيئاً لم ترَ مثله من قبل ، لأن صانعها لَم يصغَ لما يريده المُنتجون والموزعون أو يريده النقاد، صانعها يتوجه لك مباشرةً، كاميرات الديجتال ومواقع الإنترنت كاليوتيوب تُتيح ذلك".