يبدأ فيلم "رسائل الكرز" بصرخة حياة يُطلق عنانها علاء (محمود نصر) الذي يولد في أحلى يوم من تاريخ سوريا، في يوم الجلاء (17 ابريل 1946)، فيقوم أباه بدفن حبل ابنه السُّري ويزرع شجرة كرز وفقاً لتقاليد المكان. تنقلنا الفنانة سولاف فواخرجي في تجربتها الإخراجية الأولى في 90 دقيقة، إلى محطات مختلفة أرادتها توثيقاً للتاريخ الذي يُصوّر علاقة الحب بين علاء وسما (دانا ماريديني)، بين النكبة عام 1948 وهزيمة 1967 الذي احتلت فيه إسرائيل هضبة الجولان وحرب أكتوبر 1973. وأمام خيبات التاريخ وخذلانه تزداد نبضات قلبا الحبيبين خفقانا في كل رسالة تخطها سما بحبر الكرز، إلى حبيبها. ويُطعّم الفيلم نكهة عطا الله الحيفاوي الذي يؤدي دوره الفنان غسان مسعود، مع شريكة حياته (جيانا عيد( تبدو "رسائل الكرز" قصة أشبه بالخيال المتجلي الذي يتطلع إليها الجميع لكن هذا العمل الذي أخرجته سولاف فواخرجي في أول تجربة لها، غرق شكلا في "المسرحة" وتاه أحيانا كثيرة ليتحول إلى كليب غنائي مع حشو رمزي غير مبرر. ولم يقتنع الجمهور الذي تابع هذا الفيلم، خلال عرضه في الجزائر، بهذا العمل المبتذل جمالاً وشكلاً وتشويها مقصوداً لمضمونه، فالفيلم هو جريمة لا تغتفر في حق أهل الجولان وتاريخه، فاللهجة ليست جولانية ولا العادات ولا اللباس ولا الفولكلور أيضاً، فأي رسائل أرادت بها سولاف أن تبعثها.. ولمن؟ يشكل "رسائل الكرز" خطيئة كبرى لسولاف التي استحوذت على نص الناقد نضال قوشحة الذي منحها إياه موسوماً بالثقة الكاملة التي استبدلتها بإضافة اسمها إلى جانب كاتب النص الأصلي. فتُظهر سولاف الجيش السوري في الفيلم على أنه الحامي من كل الأعادي، وتجتهد في تبيان صلة الرضا الشعبي للجيش الذي يكافح لاستعادة أرضه وحمايتها. وخلال محطات العمل تبعث سولاف ب"رسائل" حافظ الأسد عبر أثير المذياع، وعناوين الصحف ويخفت اجتهاد سولاف حين تمر مرار الكرام على "انطوانيت نجيب" في ثوان معدودة من عمر ال90 دقيقة لكنها تجتهد في إظهار ابنها في مشهد الوداع . حصل العمل على جائزة "الفيلم الأول" للمخرج في مهرجان الإسكندرية وهي جائزة تشجيعية أكثر منها تقييمية، تمنح للمخرج في عمله الأول، تقاسمتها سولاف مع مخرج عراقي، من قبل لجنة نقابة المهن السينمائية. وتبدو الجائزة تقديراً لسولاف الفنانة الفاتنة لا المخرجة المتمكنة، التي نجحت في إغراق "رسائل الكرز" في الرمزية والمسرحة والابتذال المترف في جمالية الصورة التي جعلت من حاجز الجيش ديكورا جذابا في زمن الحرب، التي غيّبت لهجة وزيّ وفولكلور أهل الجولان وقضت على قداسة التاريخ وشوهت الأصل فيه بينما نجحت بشكل كبير في فصل حبيبين عن الزواج. تنتهي "رسائل الكرز" بلقاء علاء وسما التي يجرحها السلك الشائك الذي يمنعها من دخول بيتها في الجولان وبدل أن يسيل الدم يتحول بقدرة "سولاف" إلى عصير الكرز، التي لا نراه إلا في أفلام "سولاف" وقريبا في "مدد". انتفض نضال قوشحة على استيلاء سولاف على نصه رافضاً أن يكون "قطعة اكسسوار" منتقداً التعديلات التي أجرتها سلاف، قائلاً: "هذا التدخل في بنية السيناريو نسف المفهوم الأساسي له وهو الابتعاد تماماً عن السياسية والبقاء في إطار قصة الحب الشفافة بين الحبيبين، وجعل منه ليس فيلما سياسياً فقط بل ومؤدلجاً". وترد سولاف عن الكم الهائل من الانتقادات التي طالت "رسائل الكرز" بأنها "حاولت التعبير عن حالة نفسية، لطرح قضية الجولان المحتل"، ويبدو فعلا أن الحالة النفسية "معقدة".