عاجل- الذهب يرتفع بطريقة جنونية ويسجل هذا الرقم بختام تعاملات السبت 19 أكتوبر 2024    "الستات مايعرفوش يكدبوا" يرصد مواصلة حياة كريمة تقديم خدماتها للعام الخامس    الجيش الصومال يقتل 30 إرهابيًا من حركة الشباب    وزراء دفاع مجموعة ال7: دور اليونيفيل والجيش اللبناني مهم لضمان استقرار لبنان    الشناوي يشيد باستضافة الإمارات للسوبر المصري ويؤكد جاهزية الأهلي لمواجهة سيراميكا    خدمة في الجول - قبل انطلاق الموسم الجديد.. طرح بطاقات Fan ID لموسم 2024-25    شرع في قتل سيدة.. المؤبد لسائق توكتوك تسبب بوفاة طفل بالشرقية    صورة.. أحمد عز يستأنف تصوير فيلم فرقة الموت الفترة المقبلة    "والله وبقيت تريند بس عن جدارة".. صلاح عبدالله يعلق على كلب الأهرامات    الأربعاء.. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمنطقة كفر طهرمس ضمن مبادرة بداية    بعد البراءة.. ماذا قال إمام عاشور أمام النيابة بقضية مول الشيخ زايد؟    وزير الكهرباء: من طلبوا تركيب العداد الكودي قبل شهر أغسطس ليسوا مخالفين    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    رئيس مركز باريس بالوادي الجديد يوجه بانشاء رامب لخدمة المرضى    مدبولي: استثمارات العام المقبل موجهة ل«حياة كريمة»    توتنهام يتغلب على ضيفه وست هام يونايتد بحصة عريضة 4 – 1 في الدوري الإنجليزي الممتاز    وزير الأوقاف يشارك في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد نيابة عن الرئيس السيسي    حكم قضائي جديد ضد "سائق أوبر" في قضية "فتاة التجمع"    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    تأجيل محاكمة بائع خضار لاتهامه باستدراج سائق تروسيكل وقتله بشبين القناطر لجلسة الأربعاء المقبل    مصرع مزارع دهسًا أسفل عجلات جرار زراعي في قنا    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    وزيرة التنمية المحلية: النهوض بموظفي المحليات ورفع مهاراتهم لجذب الاستثمارات    وزير الكهرباء: بدء تشغيل محطة الضبعة عام 2029    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    عميد طب الأزهر بأسيوط: الإخلاص والعمل بروح الفريق سر نجاحنا وتألقنا في المنظومة الصحية    رئيس حي بولاق أبو العلا: تقديم كل التسهيلات للراغبين في التصالح على مخالفات البناء    فعاليات فنية عن تاريخ مصر الفرعوني والثقافي ببوليفيا    استعدادات مكثفة لاتحاد كرة السرعة قبل إقامة بطولة العالم في مصر    ب "السحر والدجل".. ضبط شخصين لاتهامهما بالنصب على مواطنين    بيولي: حققنا الأهم أمام الشباب.. ولا نملك الوقت للراحة    مدبولي: القطاع الصحي ركيزة رئيسية ضمن خطط تطوير الدولة المصرية    بقصد الاستثمار بالبورصة.. التحقيق مع موظف بالنصب على مواطن في الشيخ زايد    «آثار أبوسمبل» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    تعرف على قيمة الجوائز المالية لبطولة كأس السوبر المصري للأبطال    داعية بالأوقاف: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    ارتدوا الملابس الخريفية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة خلال الأيام المقبلة (تفاصيل)    14 عبادة مهجورة تجلب السعادة .. عالم أزهري يكشف عنها    11 شهيدا وعدد من المصابين جراء قصف الاحتلال منزلا بمخيم المغازى وسط غزة    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام القادسية.. بنزيما يقود الهجوم    إعلام عبرى: انفجار الطائرة المسيرة بمنزل نتنياهو فى قيسارية أحدث دويا كبيرا    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    حزب الله يُعلن استهداف جنود ومواقع إسرائيلية    الشيخ أحمد كريمة يوجه رسالة لمطرب المهرجانات عمر كمال    وزير الخارجية: أخبار سارة قريبا بشأن التواجد السعودي الاستثماري في مصر    رغم اعتراض ترامب.. قاضية تُفرج عن وثائق فى قضية انتخابات 2020    تطورات جديدة بشأن مستقبل جافي مع برشلونة    أول تعليق لصاحب جواز سفر عُثر عليه بجوار يحيى السنوار بعد اغتياله.. ماذا قال؟    ارتفاع عجز الميزانية الأمريكية إلى 1,8 تريليون دولار    لا داعي للأدوية.. وصفات طبيعية كالسحر تخلصك من الإمساك في 30 دقيقة    «معندهوش رحمة».. عمرو أديب: جزء من القطاع الخاص لا يطبق الحد الأدنى للأجور    وزير الخارجية اللبناني: استمرار إسرائيل في سياسة المجارز سيؤدي إلى مزيد من التطرف    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    الصور الأولى من حفل خطوبة منة عدلي القيعي    جميل عفيفي: تطابق وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    مونتيلا يدخل دائرة المرشحين لتدريب مانشستر يونايتد    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحت سماء المراحيض
نشر في صوت البلد يوم 30 - 12 - 2015

كل شيء يبدو بغيضا تحت سماء الكلاب، هذا العالم لا يمشي على قديمه، ينبغي لتغييره من تعديل الرؤية، بقلب اللغة نفسها، جعلها ملغمة بالانفجارات السفلية. أن تكون اللغة خطاب السفلي والهامش والقاع.
هذا ما فطن إليه الكاتب العراقي صلاح صلاح في روايته "تحت سماء الكلاب"، فبما أن النفي هو الموضوع الأساسي فإن هذا الخطاب، الكاره للحشمة، الأكثر ملائمة لشكل متفق مع مضمونه.
الرواية تذكرنا برواية غسان كنفاني "رجال في الشمس". حيث نلمس تواشجا مضمونيا واضحا ينتظم تحت لوغوس الطرد والنفي واللعنة. كلاهما ينثر عذاب نفيه الخاص. نلمح عند غسان كنفاني وطنا مفقودا اسمه فلسطين، أما صلاح صلاح فيفتش عن وطنه في وطنه. تلاحقه الأجهزة الأمنية التي يمقتها ليلجأ لشمال العراق المخترق من كل استخبارات الدنيا. عندئذ يبدأ الكابوس، الوطن يتحول إلى النقيض، يصبح وطنا مغشوشا.
يشتبك الكاتب مع بؤس العالم. التعنيف الناجم عن كابوس بحجم العالم يرتد نحو اللغة فتصبح حادة عنيفة ولاذعة تشبه البارود. تصبح لغة مدنسة، لغة لا تستحي. غياب الفضيلة يستدعي "ترذيل اللغة". يطرد السارد الفضيلة لأن العالم ينفيها. العالم بالوعة كبيرة. لماذا نعيش في هذا العالم؟ سؤال الرواية الأبرز.
إن الحياة بالنسبة لصلاح صلاح متوالية لا تنتهي من العذاب، والحقيقة لا تكشف ذاتها إلا بانتهاكها، بتلغيمها بشك لذيذ يفجره كاتبنا ببراعة. ينبغي أولا اتقان فن الانتهاك قبل الشروع في أي محاولة للتساؤل حول الحقيقة والميتافيزيقا والموت. من قال إن هذا العالم المقيت يتسم بجمالية أخرى غير القبح؟ إنه عالم يمكنه أن يتسم بأي شيء إلا الرومانسية. عالم من الموت. عالم ملوث بالفضلات القذرة للساسة والخونة والجواسيس. إنه كوسمولوجيا شيطانية.
لا بد من اطلاق العنان للشتيمة. الشتيمة تعيد بناء معمار الرواية بصيغة أكثر وفاء للوغوس اللعنة. إن الرواية تقيم كسمولوجيتها الخاصة، دعونا نتابعها ونتخيل: السماء الاولى سماء الكلاب، السماء الثانية سماء الشتائم، السماء الثالثة سماء الاتهامات، السماء الرابعة سماء المراحيض، السماء الخامسة سماء المؤلف، السماء السادسة سماء الأيديولوجيا، أما الأخيرة فسماء المفارقة، حيث يحتشد الموت وتغني الأغنية "الموت.. موت.. والأغنيات.. أغنيات".
أين يستريح النص؟ تحت سماء الكلاب أم الشتائم أم الأيديولوجيا المدعمة بهذر البذاءة ورائحة عالم مرحاضي؟
الأكيد أن عالم النص هو عالم هذه السماوات حيث السارد الذي يبدع شخصياته المأزومة بلعنة المكان هو نفسه الشاعر المسكون بتيه أبدي. السارد هنا شاعر شقي يتسم بشخصية هوائية، لأن الشعر انفلات راديكالي، آخر مطلق للعقل، عصي على التنبؤ والنسقية. على هذا الأساس نشهد تحولات وانقلابات وحالات مزاجية.
أذكر شاعرا مثل السياب يهبنا نموذجا لتفتيت الشخصية وتدمير كل محاولة لتثبيتها في "بروتريه" متخشب وأزلي، فالشاعر الذي دبج المقالات في مديح عبدالكريم قاسم عقب ثورة تموز هو نفسه الذي كتب ذات مزاج آخر: "عملاء قاسم يطلقون النار، آه على الربيع. سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد.. يا للعراق".
السرد مملوء بالشعر والتفجع وشيء آخر: تعقب الجملة الشعرية شتيمة بورنوغرافية، الجملة الشعرية التي تتسع أحيانا إلى إسهاب منهك، لا بد أن تعقبها كلمة نابية أو شتيمة أو كلمة مرحاضية أشد توغلا في عالم سفلي لا يعبر عنه بعفوية بقدر ما يحيله الراوي إلى زينة بلاغية صادمة، إلى شيء استعمالي يوظف لمصلحة الأيديولوجيا. حتى القبح له جمالياته وفتنته وبلاغته ومنطقه الخاص.
"فوق سماء الكلاب" إذن سماء الأيديولوجيا. وفي قلب النص تحتجب السمة الأدبية لنص يختبئ مؤلفه وراءه لتبرز هيمنة المؤلف وسطوته. يظهر المؤلف بوضوح فيما يغيب النص، وتتشوه الطبيعة الأدبية حيث ينحدر السرد من الايحاء إلى التصريح، من الشعر والمجاز إلى الشرح والتقرير والدعاية الحزبية والخطابية الفاقعة، ربما لكي يريح نصه المنهك بالضغينة.
المؤلف في هذه الرواية يتسم بكامل الصفات التيولوجية. كرب حقيقي يوزع اللعنات ويغدق نعيمه على من يشاء. هذه رومانسية المؤلف تمشي على قدميها بكل بهائها. إنها رومانسية الذات اللاعنة والساخطة.
من الجلي أن الروائي شاعر بارع، ربما يكون شاعر ضل طريقه ليجد ذاته بين القصة والرواية. موزعا بين الايحاء الشعري والسرد التاريخي. السرد الرشيق المطعم بالشعر والشتيمة أكثر جاذبية بالتأكيد من نص فاتر جبان وطهراني منافق، النص المنفي نص لا يستحي، نص ملوث ومريض بنفيه الخاص أيضا، لكن الكاتب زاد الجرعة عما يحتمل، ليبدو النص مفتتا حينا منهكا دائما باستعراضية أدبية تفوق التخمة الوعظية أو الدعائية الأيديولوجية المترشحة في أكثر من مكان من النص، وتحديدا الدعاية للقومية في ثوبها البعثي اليميني.
لكن الذروة التي تتكشف فيها سيكولوجية الذات الراوية بسفورها وعريها وهيمنتها لا تكمن فقط في الاستعراض الشعري والخطابية الأيديولوجية، وإنما في اللحظة التي يتحول فيها النص إلى صندوق "ميدوزا" حقيقي تتطاير منه الاتهامات والتخوين والكراهية الشوفينية. مثلا: "الكردي إنسان قطيعي بالفطرة"، قاطع طريق وقاتل مأجور، الصفات الكردية هي صفات التبعية والخرافة والاغتراب. يبحث الكردي عبثا عن ذاته، عن هوية وعن وطن.. أوهموه أن له وطنا خاصا إسمه "كردستان" لكنها أكذوبه صدقها: "إنه صدق الكذبة إلى الأبد".
إن سماء شمال العراق، السماء الكردية تأن تحت وطأة الأحزاب الكلبية والجواسيس. تحول العراق - في شماله تحديدا حيث مسرح أحداث الرواية - إلى مكان تسوده كلاب سلوقية للصيد والحراسة. والسؤال المغيب، لماذا وكيف صار المكان على هذا النحو؟ من صيره لقمة سائغة لكل مخابرات الدنيا. من جعل العراق تحت سماء المراحيض؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.