طرح الجدل حول بيع مقتنيات الكاتبة الكبيرة مي زيادة (1886-1941) مسألة «إتاحة المعرفة»، التي تلخص مأساة التعامل مع التراث وفقا للتخزين والحفظ في «كراتين»، وليس للاتاحة والقراءة. أما بيع مقتنيات مي زيادة- التي تحل ذكرى رحيلها هذه الأيام- فله أربع قصص. بدأت القصة الأولى منذ ثلاثة أيام حينما كتب أحد الصحفيين نبيل سيف على صفحته الشخصية ب«فيس بوك»: «هناك مزاد لبيع مقتنيات مي الزيادة.. الشقة فيها «بلاوى» وكراتين وأوراق ورسائل من العقاد وطه حسين، وأمراء وعظماء.. أهم كرتونة اللي فيها كل ملفاتها الطبية وتقارير علاجها ووفاتها، وواضح أن الورثة هما اللي جمعوا الكرتونة دى لأن فيها حتى مصاريف جنازتها وحساب الحانوتى القبطى.. أنا عاينت الشقة من يومين بس على السريع لأني كنت مرتبط بمواعيد، وللأسف دى جزء من تاريخ مصر الأدبى، هيتوزع على أصحاب النصيب، وخاصة أنها كانت عاشقة للمزيكا فعندها كام جرافون وأسطوانات كتير، والطريف أن عندها حاجات بخط سيد درويش، وتذاكر حفلات مسرحيات للريحانى ويوسف وهبى.. كمية الصور لها حوالى 2000 صورة مع كل عظماء مصر، غير الكتب، لدرجة أن ملابسها العتة أكلتها بعد كل تلك السنوات، إنما أحذيتها ومتعلقاتها الشخصية سليمة.. جواز سفرها، وبطاقتها الشخصية، وخطابات الغرام بينها وبين جبران خليل جبران متعة وسباحة فى الزمن الجميل». القصة الثانية تمثلت في تفاعل الكل، أشخاصا ومسئولين، مع خطر بيع مقتنيات الكاتبة الفلسطينية اللبنانية مي زيادة حسب وصفهم، فكتب الكثيرون، منهم الأديب إبراهيم عبد المجيد، يناشدون وزارة الثقافة التدخل؛ فصرح وزير الثقافة قائلا: «على الرغم من تكليف لجنة من الوزارة للمتابعة، فإننا غير متأكدين من بيع مقتنيات مي زيادة، إلى جانب عدم التأكد من مكان شقتها المعلن عنها لبيع المقتنيات بها، لأن شقة مي زيادة قبل مغادرتها القاهرة، كانت في مصر الجديدة». ومن ناحيته، قال رئيس دار الكتب والوثائق القومية: «لا يمكن أن يسمح ببيع تراث مى زيادة، الذى يعد جزءا مهما من تراث مصر، وأنه سوف يطالب الشرطة بسرعة إيجاد مقر شقتها؛ لأنه المفترض أن تؤول هذه المقتنيات، حسب القانون، إلى دار الكتب والوثائق القومية». القصة الثالثة كانت حول التشكيك فيما قاله نبيل سيف؛ لأن رقم المنزل غير صحيح، ولأن هناك كتاب صدر في 1987 عن مؤسسة نوفل في بيروت بعنوان «مأساة النبوغ» للكاتبة سلمى الحفار الكزبري، أكدت فيه أن مقتنيات مي زيادة بيعت بالفعل منذ عقود، بعد استعراضها للجدل حول مرض زيادة ب«الجنون». في هذا الكتاب ذكرت الكاتبة في المقدمة أنها عثرت على 200 رسالة مخطوطة من مي إلى أعلام عصرها، نشرتها في كتاب لها عام 1982 بعنوان: «مي زيادة وأعلام عصرها»، قالت فيه، إنها " حصلت على الوثائق من أقرباء مي، وفي طليعتهم أبن عمها أغناطيوس زيادة وزوجته السيدة ماري المقيمان في الفجالة، وأن مي زيادة كانت تسكن في وسط البلد، وفي شارع علوي ولكن ليس بالضرورة في منزل رقم 8" . أما القصة الرابعة تلخصت في محاولة نبيل سيف توضيح أن بيع مقتنيات الكتّاب والأدباء والفنانين يتم، ولا يتوقف أبدا، فكتب بيانا طويلا غير واضح منه «هل تم بيع مقتنيات مي زيادة أم لا؟ إلا أنه ينشر صورا لمخطوطات وأوراق قديمة دون أن يحدد لمن تخص هذه الأوراق»؟ وأكد في بيانه، أنه «يرسل نسخة من المخطوطات إلى مكتبة الإسكندرية للحفاظ على التراث»، غير أنه أوضح: «فى مزاد مى.. فالشقة كانت لهاوى قديم تقريبا لديه مقتنيات مى زيادة، ومقتنيات أخرى من كل صوب وحدب، وزى الشقق الى بشوفها وبحضرها، أول قاعدة أنك بتسأل الحاجة دى مصدرها إية؟ وجاية منين؟.. اتفرح وشوف وعاين وده اللي حصل معايا فى مقتنيات النحاس باشا الشخصية التى وجدتها فى عدة أظرف فى إحدى شقق جاردن سيتى، وكمان أوراق تخص شفيقة القبطية، والأهم نجيب الريحانى، وحاجات تانية تخص ناس كتيرة منهم مثلا «جروبى»، وبطرس باشا غالى، وحاجات ملكية وسلطانية". " المحرر" ذهب إلى شارع علوي ولم يجد رقم «8» ضمن بيوت الشارع؛ وبسؤال أقدم بواب هناك أكد أنه لا يوجد بيت رقمه «8» ولم تسكن هنا مي زيادة. كما أن شرطة قصر النيل انتقلت للشارع، وأكدت أنه لا توجد شقة تخص مي زيادة ولا توجد شقة بها. ورغم ذلك يظل الجدل دائر حول بيع مقتنيات مي زيادة، " هل تم بيعها أم لا؟؛ لأن هناك من يؤكد أن البيع تم بالفعل، وأن البحث عن شقة باسم مي زيادة كان خطأ؛ إذ أن الشقة لا تملكها مي زيادة، وآخرون يؤكدون أن المزاد لم يتم وأن مقتنيات مي زيادة بيعت بالفعل من قبل مؤسسة الأهرام لسداد مديونياتها". أما السؤال الذي يثار: " ماذا عن بقية المقتنيات التي تخص كتّاب وأدباء أخرين؟، وماذا عن المقتنيات المخزونة في المتاحف والهيئات ولا يستفيد بها أحد؟، أخرها مقتنيات الأديب الكبير نجيب محفوظ، ولماذا لم يتم إنشاء متحف باسمه؟".