الدراما التلفزيونية لها تأثير كبير على الأسرة والمجتمعات العربية، من خلال ما تناقشه من قضايا الخيانة الزوجية، وما تروج له من قيم وسلوكيات دخيلة على المجتمع، كذلك ما يُعرض من كليبات ساخنة شبه عارية واستعراضات مثيرة، جعلت الأزواج ساخطين على حياتهم وناقمين من زوجاتهم؛ مما ضاعف من معدلات الطلاق التي كان سببها الأول ما تقدّمه الفضائيات من صور ونماذج غير واقعية لتلك الحياة الخيالية. وتشير الدراسات التي أُجريت عن تأثير الفضائيات على العلاقات الزوجية إلى تأثّر عيّنات البحث تأثيراً مخيفاً بمحتوى هذه الدراما، إذ وصلت نسبتهم إلى 89 في المائة، وكان التمرّد على الحياة الزوجية وهجر الزوجة والتشجيع على الخيانة أبرز السلبيات. وتفسيراً لمضمون هذه الدراما وإلى أيّ مدى تأثّر بها كل منْ الأزواج والزوجات تقول د.عزة كريم، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة،: إن ما تقدّمه الدراما المصرية -على سبيل المثال- وخاصة في القنوات الفضائية التي تعرض كليبات وموديلات واستعراضات مثيرة للمشاهد، جعلت الزوج يسخط على حياته ويرفض زوجته، مشيرة إلى أن القنوات الفضائية وما تقدّمه من صور غير واقعية أصبحت سبباً رئيسياً في التفكّك الأسري، وارتفاع معدلات الطلاق بصورة كبيرة، والتي وصلت إلى 700 ألف حالة سنوياً، يرجع السبب الرئيسي فيها إلى انجذاب الأزواج لفتيات الفيديو كليب وموديلات الإعلانات وتمرّدهم على الزوجات، كذلك الرغبة في عيش تلك الحياة غير الواقعية المليئة بالحب والسعادة والتي تصوّرها المسلسلات التلفزيونية، وخاصة تلك الوافدة من الخارج، حيث تسبّبت تلك القنوات بكل ما تحمله من إغراءات في إثارة الفتنة داخل البيوت العربية والمصرية، وزيادة المشاحنات الزوجية التي أصبحت السلع الفضائية سواء البشرية أو العينية قاسماً رئيسياً فيها. وأضافت: الفضائيات أدت إلى الخروج في كثير من الأحيان عن التقاليد والقيم والسلوكيات المتعارف عليها دينياً وأخلاقياً، ويتم ذلك تحت مسمى التقدّم والتطوّر والحداثة والعولمة، وباطنها هو الخروج عن الالتزام والدين، وأثبتت الدراسات أن هذه المتغيّرات انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجماهير، كما أدت إلى حدوث تشتّت فكري، وساعدت على الخلط بين الحلال والحرام، وأصبح الجمهور يتأرجح بين التضارب الفكري والأخلاقي والسلوكي، وما تثيره الفضائيات من تناقضات وإرساء قيم ومفاهيم متناقضة. وتابعت: كل هذه المؤثرات انعكست على العلاقات الأسرية والأزواج، فأصبحوا مشتتين بين أفكارهم التقليدية والأفكار الدخيلة عليهم وبين ما يشاهدونه من أشكال وأنماط نسائية ورجالية تتسم بالمغالاة في الشكل الجمالي والحركات والسلوكيات الأنثوية، وتبادل الألفاظ والمشاهد العاطفية والجنسية، والمشكلات اليومية الحياتية التي تعانيها الزوجات داخل المجتمع، وهو ما زاد عمق الفجوة بين الواقع وبين ما تفرضه تلك الدراما، وبالتالي تتسرّب المواقف التي شوهدت في العقل الباطن من دون أن يشعر أحد الزوجين، فتكون هي المرجع في تقييم كثير من المواقف والقرارات، وأحياناً تبذر بذرة الشك في نفس الزوج أو الزوجة في حالة تشابه المواقف، وتكون الخلافات الزوجية من خلال الموروث والمخزون لديهما، وجزء من هذا المخزون نابع مما يرى ويسمع، وبناء عليه يمكن أن تؤثّر الفضائيات في اتخاذ قرار الانفصال لمن لديهم استعداد تام له، فتأتي الفضائيات بكل ما تحمله من تمرّد على القيم الراسخة. وتشدّد د.عزة على ضرورة التصدي لمثل هذه العوامل التي تحرّض الأزواج والزوجات على التمرّد على قدسية الحياة الزوجية، وتشجّعهم على الخيانة وهدم البيت والأسرة. ويرى د.رشاد عبداللطيف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، أن ما يُعرض في مثل هذه القنوات التي وصفها بالإباحية، والتي تعرض الرذيلة بشكل فج، يُعتبر تدخّلاً سافراً في الحياة الشخصية للأسرة؛ مما يؤدي إلى اكتشاف مبكر لبعض الأمور التي تحتاج إلى صياغة من الأسرة، كما أنها تشجّع الجرائم الخبيثة والتحرّش الجنسي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع، وهنا يجب أن تكون هناك رقابة من قِبَل الأسرة على النشء لأنه غالباً ما يلجأ إلى هذه السلوكيات في غياب رقابة الأهل. ويشير د.رشاد إلى أن التنشئة الاجتماعية يقع عليها دور كبير في الحدّ من مشاهدة هذه الأشياء، لأن ما يُعرض ويُقدّم في التليفزيون يشكّل خطراً كبيراً على الشباب، لأنها تغرس سلوكيات جنسية بدلاً من القيم والأخلاقيات، والتي ستظل مقترنة به حتى نهاية العمر، مؤكداً ضرورة تحكّم المحيطين بالشباب والمسؤولين عنهم فيما يحصلونه من سلوكيات خارجية قد تدمر أخلاقهم، وبالتالي تدمر المستقبل القادم بأكمله. وفي نفس السياق، يوضح د.حسن غانم، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أن ما تُقدّمه الدراما التليفزيونية من سلوكيات وأسلوب حياة شبه خيالي يجعل مَنْ يشاهدها يتمنى هذه السلوكيات ويسعى لتحقيقها، إلا أنه يصطدم بالواقع ومشاكل الحياة، وهنا يزداد الرفض للواقع في ضوء الرغبة الملحة للعقل الباطن في تلك الحياة الدرامية غير الواقعية، ويحدث الصدام عندما لا يرى الرجل في زوجته تلك التي يحلم بها، متناسياً، تحت تأثير مَا يقدّم إليه من نماذج فاتنة الجمال، قدسية الحياة الزوجية وما بها من مودة ورحمة، كذلك تتناسى المرأة ضغوط الحياة على زوجها في ضوء سيّطرة تلك الحياة الدرامية الرومانسية على عقلها الباطن، وتطالب بهذا الرجل الرومانسي والرقيق والجذاب، فيصبح الواقع عبئاً على الإنسان ومرفوضاً تماماً، بعد أن كان مقبولاً وربما كان سعيداً أيضاً، مشيراً إلى أن تلك المسلسلات والدراما السلبية تعملان على تفتيت المجتمع وضعف ترابطه من خلال التفكّك الأسري، مؤكداً ضرورة وضع ضوابط ومعايير على تلك الدراما لحماية المجتمع والأسرة من تأثيرها.