في ظل حالة الهدوء التي تشهدها العلاقات بين مصر وقطر مؤخراً، من المرجح أن تؤثّر على طرف ثالث أيضاً "تركيا"، خاصةً وأن أنقرةوالدوحة ظلا على موقفهما الرافض للإطاحة بالرئيس محمد مرسي وإسقاط جماعة الإخوان المسلمين من الحكم، وخلال الثمانية عشر شهراً الماضية، كانا لديهما استياء موحّد مُتبادل تجاه مصر. حرص رجب طيب أردوغان، على أن يكون أول زعيم أجنبي يزور مصر بعد انتخابات الرئيس المعزول مرسي رئيساً، وخلال تلك الزيارة التاريخية، حاول أن يكون بمثابة الأخ الأكبر للديمقراطية المصرية الشابة، وإعطاء المشورة ورعايته للرئيس المصري، ونفس الأمر كان بالنسبة لقطر، ولكن عن طريق الأموال، حيث خصصت قرضاً بقيمة ثمانية مليارات دولار لمصر، ووقتها تناثرت أخبار صحفية حول رغبة الدوحة في دعم الاقتصاد المصري من خلال تأجير قناة السويس. وخلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، أعلن الشيخ تميم بن حمد، أن أمن مصر هو أمن قطر، واعترف بوجود وضع خاص لمصر ومكانتها في العالم العربي، وكان تدخُّل المملكة العربية المملكة العربية السعودية عاملاً حاسماً وراء تغيير لغة الخطاب القطري تجاه النظام المصري، ولذلك يرى مراقبون أن المصالحة المصرية القطرية، تمثل انتصاراً للمحور السعودي المصري ضد المحور القطري التركي. ويؤكد مراقبون، أن محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مُفتقدا للشرعية ومعزولا دولياً، باتت واهية ودون تأثير على السياق الإقليمي والدولي، لاسيما وأن القاهرة تمثل إحدى القوى الإقليمية ذات النفوذ والمصالح المشتركة مع جميع دول العالم، ويبدو أن أردوغان أكثر عُزلة دولياً اليوم من السيسي، بعد أن تلقى ضربة سياسية أخرى مع تحرُّك قطر لتطبيع علاقاتها مع القاهرة. ويؤكد مراقبون، أن أردوغان كان يتحدث بلغة الواثق في حديثه حول علاقة بلاده مع قطر، وكان يقول: إن بلاده تتعامل مع الدوحة جنباً إلى جنب للدفاع عن المظلومين في العالم العربي، في إشارة إلى الجماعات الإسلامية في سوريا، ودعم حماس في قطاع غزة بفلسطين، وأيضاً جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعمل الرئيس التركي جاهداً منذ عزل مرسي وأثناء الجمعية العمومية ال69 للأمم المتحدة على توجيه اللوم للمُجتمع الدولي، بعدما وصفه الفشل في إدانة وعزل السيسي دولياً بعد إسقاط الرئيس المنتخب، كما أدان أردوغان استقبال البابا فرانسيس في الفاتيكان الرئيس السيسي، حيث ادّعى أنه تم إضفاء الشرعية على رجل الانقلاب. مُناشدة قطرية نشرت صحيفة "الزمان" التركية على لسان أحد المصادر الدبلوماسية، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، دعا الرئيس التركي أردوغان والمسئولين الأتراك إلى اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا.. قائلاً: إنه لا مفر من وجود وتحسُّن العلاقات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. كما حذّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أردوغان في يوليو الماضي، أن تركيا لا يمكن أن تسهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، من دون إصلاح العلاقات مع مصر التي تُعتبر لاعباً رئيسياً في المنطقة. وفي هذا الشأن يقول د. سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن خطوة قطر لتطبيع العلاقات مع مصر جاءت نتيجة ضغوط من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والمصالحة تمثل ضربة جديدة لجهود أردوغان ضد السيسي في المنطقة، حيث كان يرغب الرئيس التركي في عزل نظيره المصري إقليمياً ودولياً، وتوهّم أردوغان أن العالم قد يستجيب لمناشدته في هذا الصدد، رغم أنه يدرك جيداً مكانة مصر على الساحة الإقليمية والدولية، وحجم النفوذ والعلاقات والمصالح المشتركة في العالم، ويشير إلى أن قرار الدوحة بطرد قادة الإخوان المسلمين الهاربين من القاهرة، كان أولى خطوات المصالحة وتغيير المسار السياسي مع القاهرة، وحاول أردوغان التوسُّط لدى الشيخ تميم لإثنائه عن القرار لكن دون جدوى، ووقتها أعلن الرئيس التركي أن بلاده ترحّب بإيواء قادة الإخوان، ويؤكد اللاوندي أن التحرُّك القطري الأخير نحو المصالحة مع مصر وإغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر"، وإرسال الشيخ عبد الرحمن آل ثاني مبعوثاً خاصاً للشيخ تميم بن حمد لزيارة السيسي، مثّلت ضربة موجعة لأردوغان، بالإضافة إلى أن البيان الصادر عن مكتب أمير قطر بعد اجتماع القاهرة الذي جاء فيه "إن أمن مصر مُهم لأمن قطر.. والبلدان يرتبطان بعلاقات عميقة وأخوية.."، فاقم حرج أردوغان وأصبح معزولاً عربياً. ومن جانبه، يؤكد د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تركيا هاجمت قطر مؤخراً، بسبب سياسات الأخيرة التصالحية مع مصر دون الرجوع إليها أو استشارتها، حتى أن أنقرة تصف المصالحة بأنها نوع من خداع الذات نحو علاقاتها مع الدوحة، وتابع: حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فشل في تقييم وفهم الحقائق السياسية المتباينة التي تحكم المنطقة، كما أن الجمود والتعامُل بحِدة وجدية مع السياسات الإقليمية جعلت تركيا في موقف المرفوض من جميع الدول العربية، وبالتالي ليس من الممكن لتركيا اليوم أن تكون لاعباً في الشرق الأوسط، بسبب سياساتها العنيفة ضد العالم العربي وبعض دول المنطقة، ويوضح فهمي أنه من الصعب على أنقرة أن تواصل خلافها وسياساتها الحالية فيما يتعلّق بمصر، خاصةً وأن هناك مؤشرات على إمكانية وجود تغيير مُتوقّع، لاسيما بعد تصريحات نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج، أن بلاده في حاجة لتحسين العلاقات مع مصر، ولكن أنقرة تنتظر من مصر اتخاذ الخطوة الأولى..، ويشير إلى أن هذه التصريحات تعكس وجهة نظر رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، وهو أيضاً غير راضٍ عن العزلة الإقليمية لتركيا، ويعترف بأن تحسين العلاقات مع مصر ستكون خطوة هامة لاستعادة بلاده مسارها الإقليمي. بينما يرى د.جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن تركيا لن تسعى لتطبيع علاقاتها مع مصر في المستقبل القريب، نظراً لوجود اعتبارات سياسية ومصالح مشتركة مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن أنقرة تتمسّك بعودة الإخوان إلى المشهد السياسي، والإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات مكتب الإرشاد كشروط مُسبقة للمُصالحة مع القاهرة، ويؤكد عودة أن السيسي وأردوغان أصبح بينهما عداء شخصي، ومن الصعب تبادُل الحديث بين الرئيسين في الوقت الحالي، لاسيما وأن الرئيس التركي لا يترك محفل دول إلا ويُهاجم الرئيس السيسي ومصر بشكل قوي، ويرى أن اختلاق الأكاذيب والافتراءات ليست شيئاً غريباً أن تأتي من الرئيس التركي، الذي يحرص على إثارة الفوضى لزرع الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط، من خلال تقديم الدعم للجماعات والمنظمات الإرهابية في المنطقة لاستعادة الخلافة العثمانية، خاصةً وأن غضب أردوغان ضد مصر والسيسي له دوافع أيديولوجية مؤيّدة للإخوان المسلمين، ولذلك العلاقات التركية المصرية ستبقى في حالة ركود في المستقبل المنظور.